الناتو يبحث عن أمين عام جديد.. فمن سيخلف ستولتنبرغ؟
٣ يناير ٢٠٢٤في يوليو / تموز المقبل، سيتم اختيار أمين عام جديد لقيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) مع انتهاء ولاية ينس ستولتنبرغ بعد عشر سنوات على شغله هذا المنصب الحساس.
ورئيس الوزراء النرويجي السابق الذي عين في الأول من أكتوبر / تشرين الأول عام 2014 لولاية من أربع سنوات، تولى منصب الأمين العام للحلف لولايتين كاملتين ثم تم التمديد له لسنة في 2022 إثر بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا.
وجاء التمديد الأخير العام الماضي بسبب عدم التوافق على اسم خليفة ستولتنبرغ ما يعني بقاءه في منصب الأمين العام حتى انعقاد قمة واشنطن في تموز/يوليو 2024 لإحياء الذكرى الـ75 لتأسيس الحلف.
وخلال السنوات العشر الماضية، قاد ستولتنبرغ الناتو في ظل علاقات متوترة مع روسيا وفتور مع الولايات المتحدة خلال حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب فيما لُقب ستولتنبرغ بـ "هامس ترامب" نظرا لقدرته على احتواء وتهدئة أكثر رؤساء أمريكا إثارة للجدل.
ومن المقرر أن تنتهي ولايته رسميا في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2024 ليصبح ثاني أمين عام بقاءً في المنصب بعد الهولندي جوزيف لونز الذي ظل في منصبه لقرابة 13 عاما.
تبعات التأخير
بدورها، شددت أوانا لونجيسكو، المتحدثة باسم حلف شمال الأطلسي، على ضرورة اختيار من سيخلف ستولتنبرغ في أقرب وقت ممكن من أجل تفادي أي تشتيت، مضيفة "من المهم حقا أن يتم الاختيار في وقت مبكر بما يكفي وأن يتم ذلك بمعزل عن انتخابات البرلمان الأوروبي (يونيو/ حزيران 2024 ) والحملات الانتخابية للسباق الرئاسي في الولايات المتحدة".
وحذرت لونجيسكو من مغبة ألا تحصل قضية الأمين العام الجديد للناتو على الاهتمام المطلوب وسط مخاوف أن تلقى الانتخابات الأمريكية بظلالها على ذلك، قائلة "أسوأ شيء يمكن أن يحدث هو أن يجرى اختيار الأمين العام لحلف شمال الأطلسي في الساعات الأخيرة أو أن يقع الأمر في معترك الانتخابات الأمريكية".
آلية الاختيار؟
ويعد منصب الأمين العام لحلف الناتو من أكثر الوظائف السياسية شهرة في العالم رغم غياب أي مسمى وظيفي أو شروط أو حتى طريقة للترشح للمنصب.
وفي الوقت الذي يُنظر فيه إلى واشنطن على نطاق واسع باعتبارها "صانعة الملوك" فيما يتعلق بأعلى منصب في الناتو، فإن أي حكومة من حكومات الدول المنضوية في الحلف البالغ عددها 31 حكومة يمكنها أن تلعب دور "المعرقل".
وفي تعليقه، قال نائب رئيس مركز "صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة" المقيم في بروكسل، إيان ليسر، إن "الأمر في حقيقته ليس سوى عمل دبلوماسي يُدار من وراء الكواليس عبر المحيط الأطلسي. كل شيء بداية من الأمور البسيطة وحتى الاستراتيجية النووية يجب أن تحظى بتوافق الآراء".
لكن خبراء يقولون إنه يتعين على من يرغب في أن يتولى منصب الأمين العام للناتو أن يُعرف عنه معارضته لروسيا، لكن ليس بالدرجة التي قد تثير مخاوف الاصطدام المباشر مع موسكو ويُعرف بقدرته على الدفاع عن وجود الحلف من دون استفزاز الدول التي تعارض فكرة التحالف.
ومع تزايد الحديث عن تعيين أمين عام جديد للناتو خلال السنوات الماضية، جرى ذكر بعض الصفات التي يجب أن يتحلى بها من يرغب في تولي هذا المنصب الرفيع لا سيما أن يكون مواطنا من دولة ذات إنفاق دفاعي قوي وسط تساؤلات هل سيكون من دول تنتمي إلى الجناح الشرقي لإحداث تغيير أم سيبقى من دول الجناح الجنوبي؟ وهل يمكن أن تتولى امرأة هذا المنصب الهام؟
المرشح الأوفر حظا
وخلال السنوات الماضية، ظهر على الساحة بعض السياسيين ممن كانوا يرغبون في تولي زمام أمور الناتو مثل رئيسة الوزراء الدنماركية مته فريدريكسن ووزير الدفاع البريطاني السابق بن والاس، لكنما خرجا من المنافسة في الآونة الاخيرة.
وفي الوقت الحالي، أبدت رئيسة وزراء إستونيا كاجا كالاس ووزير خارجية لاتفيا كريسجانيس كارينز ورئيس الوزراء الهولندي المنتهية ولايته مارك روته استعدادهم لتولي المنصب، لكن روته يعد المرشح الأوفر حظا.
وينظر إلى روته، ثاني أطول رئيس وزراء بقاء في منصبه في إحدى دول الناتو بعد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الخيار "أكثر أمانا" مقارنة بكارينز في ظل هيمنة حرب موسكو على أوكرانيا على أجندة الحلف.
وتتمتع كالاس بشعبية كبيرة وتثير الاستقطاب فيما لا يحظى كارينز بشعبية كبيرة رغم أنه تولى في السابق منصب رئيس وزراء لاتفيا.
وقالت كريستي رايك، نائبة مدير المركز الدولي للدفاع والأمن في إستونيا، "هناك شعور بأن وجود شخص من دول البلطيق على رأس الناتو سيكون له نتائج عكسية ولن ينصب في صالح الدول الأعضاء".
وترفض الباحثة هذا الطرح، قائلة "من الصعب معرفة ما هي المشكلة بالضبط لأن العلاقات مع روسيا متجمدة في هذه المرحلة. على أي حال، نحن لا نتحدث عن احتمال البدء في استعادة العلاقات الدبلوماسية (مع موسكو) في أي وقت قريب".
وكشفت لونجيسكو عن أن روته كان المرشح الوحيد الذي حظي بمكانة جيدة في النقاشات داخل أروقة الحلف، مضيفة "ننتظر حسم بعض الدول موقفها، لكن يُجرى العمل من أجل التوصل إلى توافق في الآراء (حول روته)".
طموح كالاس
ورغم أن كل هذه الأمور تجرى وراء الكواليس، إلا أن رئيسة وزراء إستونيا كاجا كالاس تبدو أنها على دراية بالأمر إذ في حديث مع مجلة "بوليتيكو" في نوفمبر/تشرين الثاني سخرت من تقليص الصفات التي كانت تعتبر من الأولويات عند اختيار أمين عام جديد للناتو.
إذ قالت "يجب أن يكون بالتأكيد من بلد أنفق 2% من ناتجه المحلي الإجمالي على الدفاع. وسيكون من الرائع أن تكون امرأة". لكنها أضافت ساخرة "لذا فمن المنطقي أن يكون مارك روته".
يُشار إلى أنه من المتوقع أن يتجاوز حجم الإنفاق الدفاعي في إستونيا 3% من الناتج المحلي الإجمالي العام المقبل، في حين لن تصل هولندا إلى النسبة المستهدفة وهي 2 بالمئة.
وعند سؤالها عما إذا كانت لا تزال ترغب في تولي منصب الأمين العام للناتو، كانت إجابة كالاس "نعم".
ورغم أنه يمكن أن تستغل كالاس أفضلية حجم إنفاق بلادها العسكري لصالحها، إلا أن روته يحتفظ بـ "ورقة رابحة" وهي علاقته بترامب حيث ظهر خلال اجتماع بالبيت الأبيض عام 2019 معه وهما يمزحان فيما قال الرئيس الأمريكي في حينه دونالد ترامب "لقد أصبحنا أصدقاء خلال العامين الماضيين".
الحصان الأسود
ورغم الإجماع الواضح حول روته، إلا أن خبراء يعتقدون أن بعض الدول ترفض ترشيحه خاصة المجر التي أعلن رئيس وزرائها فيكتور أوربان معارضته لأن يتولى السياسي الهولندي منصب الأمين العام للناتو فيما لا يستبعد المراقبون ظهور مرشح قد يكون بمثابة "الحصان الأسود" في اللحظة الأخيرة.
من جانبها، شددت لونجيسكو على أنه "لن ﻳﺘﻘـﺮﺭ ﺃﻱ ﺷـﻲﺀ حتى ﻳﺘﻘـﺮﺭ ﻛـﻞ ﺷـﻲﺀ".
وقالت كريستي رايك، نائبة مدير المركز الدولي للدفاع والأمن في إستونيا، "أياً كان الفائز، فسيكون الطريق وعرا للغاية بكل تأكيد. مهمتنا كأوروبيين تتمثل في ضمان بقاء التزام الولايات المتحدة."
أعده للعربية: محمد فرحان