حيرة ألمانية في مواجهة صناديق الاستثمار الحكومية الأجنبية
١٣ نوفمبر ٢٠٠٧لا تبدو الطبقة السياسية والاقتصادية الألمانية قادرة على صياغة موقف مشترك من صعود تأثير الصناديق الاستثمارية عالميا وتوجهها للاستثمار في الشركات الألمانية. وليست الأوساط الحكومية وحدها منقسمة على نفسها حول الطريقة التي يجب التعامل بها مع الاستثمارات الأجنبية فحتى الأوساط الاقتصادية مختلفة فيما بينها حول ذلك.
صناديق الاستثمار أصبحت لاعبا أساسيا في الاقتصاد العالمي
وتمتلك الصناديق الاستثمارية التابعة لدول مثل الصين والإمارات والكويت وروسيا حاليا رأسمال يقدر بأكثر من 2 بليون يورو فيما تسيطر صناديق التحوط على حوالي 1.2 بليون يورو، أما صناديق الاستثمار الخاص المتخصصة في شراء أسهم شركات المساهمة الخاصة Private Equity فتسيطر على 1.1 بليون يورو. ويتنامى رأس مال هذه الصناديق بشكل سريع خصوصا أن عائدات الدول المذكورة من بيع النفط والغاز وتصدير البضائع يتزايد من عام لآخر. وبحسب خبراء سيتي بنك فإن رأس مال الصناديق الاستثمارية التابعة للدول سيصل إلى 5.1 بليون يورو بحلول عام 2012. وللمقارنة فإن الناتج الإجمالي المحلي لألمانيا – ثالث أكبر اقتصاد في العام- يبلغ 2,4 بليون يورو سنويا.
مخاوف من الاستثمارات الخليجية
ورغم أن الإتلاف الحاكم في ألمانيا كان قد أقر في برنامج عمله عام 2005 جعل البلاد أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية، إلا أن هذا الأمر تم التراجع عنه خلال السنتين الأخيرتين، وحل بدلا من ذلك قلق عام من "خطر المستثمرين الأجانب" يغذيه في كثير من الأحيان السياسيون والإعلاميون لإسباب تتعلق بالانتخابات ودفاعا عن مصالح رأسمالية لطرف أو لآخر. وكان خبير الاقتصاد الألماني، ديتر فروكينبروك، قال في تعليق له نشر مؤخرا في صحيفة هانديلسبلات المرموقة: "إن السياسيين الذين يدافعون عن حماية الشركات من الاستثمار الأجنبي ليس لديهم حجج معقولة". ويثير السياسيون في ألمانيا ودول أوروبية أخرى موضوع "النوايا السياسية-الاستراتيجية وراء الاستثمارات الأجنبية"، ويركزون في هذا السياق على الاستثمارات الصينية والروسية والخليجية. ويتهكم الخبير فروكينبروك على هؤلاء السياسيين قائلا: " “ربما يجب على الصناديق الاستثمارية الآتية من الصين أو دبي أن تؤدي في المستقبل قسما قبل أن يسمح لها بالحصول على بضعة أسهم في الشركات الصناعية الأوروبية المقدسة".
صندوق استثمار ألماني وطني كفزاعة ضد المستثمرين الأجانب
وظهر مؤخرا التباين في توجهات الطبقة السياسية والاقتصادية في ألمانيا. فقد أعلنت وزارة المالية الألمانية بقيادة السياسي بير شتاينبريك (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) عن سعيها لتأسيس صندوق استثماري وطني ألماني تشارك فيه بنوك الادخار الألمانية التابعة للولايات والبلديات الألمانية والمعروفة بـ Sparkassen وكذلك البنوك التابعة للاتحادات والجمعيات التعاونية والمعروفة بـ Genossenschaftsbanken، وذلك لـخلق "لاعب مالي استراتيجي" يحمي القطاعات الإستراتيجية في الاقتصاد الألماني بحسب ما ذكرت مصادر في وزارة المالية الألمانية.
ولكن مكتب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (الحزب المسيحي الديمقراطي) يعارض هذه الخطة. كما تعارضها كذلك رابطة البنوك الخاصة الألمانية ويعود ذلك ربما إلى خشيتها من تعاظم دور البنوك التابعة للدولة والجمعيات التعاونية، وأيضا بسبب امتلاك الصناديق الاستثمارية الأجنبية لجزء من أسهم البنوك الخاصة، مثل امتلاك صندوق استثماري تابع لدبي لحوالي 2 بالمائة من أسهم دويتشه بنك، أكبر دور المال الألمانية.
السماح للسلطات بإلغاء الاستثمارات الأجنبية
وتؤيد المستشارة الألمانية اقتراحا آخر يسمح للسلطات بإلغاء مشاركات صناديق الاستثمار التابعة للدول الأجنبية في الشركات الألمانية، أذا ثبت وجود دوافع سياسية وراء هذه الاستثمارات، شريطة أن تتجاوز نسبة الاستثمار الأجنبي في الشركة المعنية 25 بالمئة من مجموع الأسهم. ويعد رونالد كوخ رئيس وزراء ولاية هسين الألمانية (الولاية تضم فرانكفورت، مدينة المال والبنوك الألمانية) أبرز المدافعين عن الخطة الأخيرة.
خلاف بين ممثلي الاقتصاد الألماني
وتعمل الحكومة الألمانية حاليا على إصدار قانون لتطوير أطر الاستثمار الرأسمالي وقانون للحد من أخطار الاستثمار الرأسمالي والمتعلق بعمل صناديق التحوط وصناديق الاستثمار الخاص Private-Equity، بالإضافة للخطط المتعلقة بمراقبة عمل صناديق الاستثمار التابعة للدول الأجنبية. ويعارض سياسيو الاتحاد المسيحي بشدة القوانين التي تحد من حرية صناديق التحوط وصناديق الاستثمار الخاص فيما يؤيدون الحد من حرية صناديق الاستثمار التابعة للدول. أما الحزب الاشتراكي الديمقراطي فيطالب بزيادة الرقابة على كافة أنواع الصناديق الاستثمارية. ويؤيد هذا الموقف اتحاد الصناعة الألمانية، وهو الأمر الذي يعتبر مفاجأة كون أن هذا الاتحاد الذي يمثل كبرى الشركات الصناعية الألمانية عادة ما يكون معارضا لسياسات الحزب الاشتراكي. أما المفاجأة الأخرى فتكمن في معارضة اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية لموقف اتحاد الصناعة الألمانية. ويمكن إرجاع السبب في هذا الخلاف إلى أن شركات الاستثمار بأنواعها ممثلة في اتحاد الغرف لكنها غير ممثلة في اتحاد الصناعة بالطبع.
لا فائدة من حد حرية المستثمرين
ويتوقع أن يؤدي عدم وجود إتفاق بين السياسيين إلى تأجيل إصدار قوانين بهذا الخصوص. ومن الممكن أيضا أن تختصر الحكومة هذه الخلافات وتصدر قانونا فقط بخصوص صناديق الاستثمار التابعة للدول والتي تتفق الأطراف الحكومية على ضرورة حد حريتها. ولكن هذا سيكون مجرد قانون ذا طابع صوري حيث أن الصناديق هذه بدأت مؤخرا بالاستثمار بشكل مكثف في صناديق التحوط وصناديق الاستثمار الخاص. فقد اشترى أكبر صندوق استثماري في العالم تابع للإمارات العربية المتحدة واسمه "أيدا" (AIDA) حصة في شركة الاستثمار الخاصة "أبوبلو مانيجمينت"( Apollo Management) الأمريكية.
أي أنه بالنتيجة لن يكون هناك فائدة من وراء تقسيم المستثمرين إلى أخيار أو أشرار ولن يكون هناك وسيلة لمعرفة "النوايا الحقيقية" لأي مستثمر سواء كان من الولايات المتحدة أو الصين أو الخليج، والنتيجة الوحيدة التي ستسفر عنها هذه النقاشات ومشاريع القوانين هي التقليل من جاذبية ألمانيا للاستثمارات الأجنبية.