حماية الخصوصية..قوانين لكبح جماح أجهزة المخابرات
٢٦ يناير ٢٠١٤جمعت المخابرات الأمريكية حوالي 200 مليون رسالة قصيرة يومياً على مستوى العالم، وفقاً لبعض وسائل الإعلام البريطانية. أما بالنسبة لتسريبات موظف المخابرات الأمريكي سابقاً، إدوارد سنودن، لمواد صنفت بأنها سرية كتفاصيل برنامج التجسس بريسم، فلم تشعل الكثير من نيران الغضب عالمياً:"لقد وصلنا إلى درجة يصعب فيها مفاجأتنا لدرجة أضعفت بوضوح ردود أفعالنا"، يعلق مفوض حماية البيانات في ولاية هامبورغ الألمانية، يوهانس كاسبر في لقاء له مع DW. ويضيف منتقداً:" يبدو الأمر وكأن عالم السياسة غير راغب بالتضييق على المخابرات أو شركات الاتصالات في تجسسها". هذا تماماً هو أكثر ما يثير حنق المخابرات الأمريكية عند الكشف عن مكائد سلطاتها، التي ما انفكت تجمع وتخزن بيانات الناس منذ سنوات، سواء أكانوا فوق أراضيها ومن مواطنيها أو خارجها وغير مواطنيها، على حد قوله.
في هذا السياق يقول المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس واتش المعنية بحقوق الإنسان أن الولايات المتحدة "لا تعترف إلى اليوم بحق كل فرد في الخصوصية". ويضيف في حوار مع DWحتى خطاب باراك أوباما الأخير المتعلق بعمل مخابرات بلاده، فلم يغير من ذلك شيئاً:" لقد وعد ببعض الإصلاحات، لكن المشكلة الجذرية في عدم احترام الحق في الخصوصية تستمر".
العالم الرقمي وعدم احترام الخصوصية
وتتهم منظمة هيومن رايتس واتش الحكومة الأمريكية بانتهاك "الحق في الخصوصية إلى أبعد حد في عالم مرتكز على الاتصالات الإلكترونية". ويشير التقرير السنوي للمنظمة لعام 2013 الذي عرض في برلين الثلاثاء الماضي (21 يناير 2014) إلى حق "الحكومة أحياناً في الرقابة على أشخاص محددين، مع توفر أدلة ضدهم، لأسباب تتعلق بالأمن الوطني". إلا أنه بيَّن أيضاً أن مرور جزء كبير من بيانات الإنترنت والهواتف النقالة عبر شركات الاتصال الأمريكية، لا يبرر للحكومة التجسس على "مواطنين غير أمريكيين خارج الأراضي الأمريكية، فما من سبب واضح يستدعي انتهاك حقهم في خصوصية اتصالاتهم".
والسؤال المطروح هو ما ذا تبقى من الخصوصية في العصر الرقمي؟ فالناس تعبر دون تفكير عن ما في مكنون صدورها على شبكات الاتصال الاجتماعية ومن خلال الهواتف النقالة، ولم تعد الخصوصية تعني عدم مشاركة الآخرين، بل "حق الفرد في تحديد المعلومات الشخصية التي يود إطلاع الآخرين عليها"، يوضح كاسبر في حواره مع DW. ويضيف: "من هنا اصطلحت المحكمة الدستورية الاتحادية في ألمانيا على مفهوم "التقرير الذاتي للمعلومات"، فالأمر مرتبط بالخيار الفردي الحر ص بشأن نشر أي معلومات من عدمه.
الحق في خصوصية البيانات
لا يتضمن الدستور الألماني الحق في التقرير الذاتي للمعلومات بوضوح، لكن المحكمة الدستورية الاتحادية شملته في بداية ثمانيات القرن الماضي في إطار حكم يتعلق بالحق في الحرية الشخصية عامة. لكن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يتضمن هذا الحق كحق أساسي من حقوق الإنسان، إلا أنه لا يمكن استخدامه كمادة ملزمة قانونياً لحماية البيانات والخصوصية. ولذا وبعد فضيحة سنودن تبنت الجمعية العامة الأمم المتحدة مشروع قرارا تقدمت به ألمانيا والبرازيل ويضمن حماية البيانات الشخصية. ورغم أن هذه الخطوة كبيرة من وجهة نظر كاسبر، إلا أنها غير كافية:" إذ لابد من حماية الخصوصية بشكل واضح من المخابرات والحكومات".
خطاب أوباما أنف الذكر لا يوحي بالأمل في اعتراف الولايات المتحدة بالحق الأساسي في الخصوصية والتقرير الذاتي للمعلومات، فالرئيس الأمريكي لم يأت على ذكر الاتفاقية المقترحة من ألمانيا والمصادق عليها من الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويعلق كاسبر:" على الحكومة الألمانية الضغط أكثر على الولايات المتحدة. وكذلك على مستوى الاتحاد الأوروبي، فنحن بحاجة إلى موقف أوروبي موحد بشأن حماية البيانات كي نشكل جهة محاورة لها بنفس قوتها".
يذكر أن الاتحاد الأوروبي يناقش منذ عام 2012 القواعد الأساسية لحماية البيانات، والذي كان من شأنه أن يضع معايير للتعامل مع مقدمي الخدمات الاتصال الأمريكية. لكن لن يصدر الاتحاد الأوروبي قرار بشأن حماية البيانات إلى قبل أن انتخابات البرلمان الأوروبي في شهر مايو/ أيار القادم. في الوقت الذي تستمر فيه الولايات المتحدة بجمع وحفظ الرسائل الالكترونية والاتصالات التلفونية. ولكن هذه المرة لن تكون أجهزة المخابرات هي من تقوم بذلك، بل شركات الاتصالات. وهذه لا يأتي ضمن أولوياتها الأساسية حماية الحقوق الأساسية.