ما خطورة زيادة التوجه اليميني لحكومة نتنياهو الجديدة؟
٢٩ ديسمبر ٢٠٢٢بعد عام في المعارضة، عاد بنيامين نتنياهو لرئاسة الوزراء من جديد، فبعد شهرين تقريبا من الانتخابات البرلمانية في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني، وهي الانتخابات الخامسة في أقل من أربع سنوات، تمكن نتانياهو من تشكيل حكومته.
وبعدما منح 63 من أصل 120 نائبا بالكنيست الإسرائيلي ثقتهم للحكومة، التي شكلها من وزراء من حزبه "الليكود" وأحزاب دينية متشددة ويمينية متطرفة، أدى نتنياهو الخميس (29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022) اليمين الدستورية كرئيس للوزراء في إسرائيل.
وفي انعكاس للقلق المتزايد من أن إسرائيل ستتجه أكثر نحو اليمين، قال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ مؤخرا إن الحكومة المقبلة يجب أن تكون "حكومة تخدم جميع مواطني إسرائيل، سواء أولئك الذين أيدوها وصوتوا لها، أو أولئك الذين عارضوا تشكيلها".
وللعودة إلى منصبه رئيسا للوزراء، كان على نتنياهو (73 عاما) زعيم حزب الليكود المحافظ، تشكيل ائتلاف مع حزبين دينيين متشددين وثلاثة أحزاب يمينية متطرفة فازت معا بـ 14 مقعدا في الانتخابات. فقادة الأحزاب بتسلئيل سموتريتش (حزب الصهيونية الدينية) وإيتمار بن غفير (حزب عوتسما يهوديت/ القوة اليهودية) وآفي ماعوز (حزب نوعام) دخلوا الآن المشهد السياسي السائد في إسرائيل واستقطبوا الرأي العام في الداخل والخارج حتى قبل تشكيل الائتلاف الحكومي.
وهناك مخاوف من أن هذا "الائتلاف اليميني"، الذي وصفته مؤخرا صحيفة هآرتس الإسرائيلية اليسارية بأنه "الأكثر تطرفا وعنصرية ولديه رهاب المثلية والأكثر ثيوقراطية (حكم رجال الدين) في تاريخ إسرائيل"، يمكن أن يعمق الانقسامات الداخلية أكثر، ويحد من حقوق الأقليات ويفاقم الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين بشكل أكبر.
نتنياهو، الذي يحاكم بتهم فساد، يتمتع للمرة الأولى منذ سنوات بأغلبية برلمانية مريحة، وقد ردّ على منتقديه بأنه تخلى عن سلطة كبيرة لشركائه في الائتلاف من خلال تقسيم وإعادة توزيع الوزارات والمؤسسات الحكومية. ولوضع اللمسات الأخيرة على تشكيلة الائتلاف، أقرّ الكنيست عدة قوانين مثيرة للجدل لضمان إمكانية الوفاء بالوعود التي تضمنها اتفاق الائتلاف الحكومي، وذلك قبل أداء الحكومة لليمين الدستورية.
الحكومة الجديدة يمكن أن توسع برنامج الاستيطان
يوم الثلاثاء (27 نوفمبر الثاني/ تشرين الثاني)، أي قبل أداء الحكومة اليمين الدستورية بيومين، أقر الكنيست ما يسمى بـ"قانون درعي"، الذي سمي على اسم زعيم حزب شاس الديني المتشدد، أرييه درعي. ويسمح التعديل بتعيينه وزيرا في الحكومة، رغم إدانته بارتكاب جرائم ضريبية وحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ. ومن المتوقع أن يتناوب درعي وسموتريتش، من حزب الصهيونية الدينية، على منصب وزير المالية. في غضون ذلك، سيشغل درعي منصب وزير الصحة والداخلية. وقدمت جماعات حقوقية إسرائيلية التماسا إلى المحكمة العليا لإلغاء التعديل.
وما أثار الاهتمام أيضا أن سموتريتش، وهو نفسه جزء من حركة المستوطنين، قد سيطر من خلال تعديل آخر على أجزاء من وكالة الإدارة المدنية التي تعمل تحت إشراف وزارة الدفاع. وتدير الوكالة الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية في الضفة الغربية. وهذا يمنحه سلطة واسعة محتملة لتوسيع المستوطنات اليهودية الواقعة في المنطقة (C)، التي تشكل حوالي 60 بالمائة من أراضي الضفة الغربية، ويجادل النقاد بأن هذا قد يؤدي إلى "ضم فعلي" للمنطقة.
"أيديولوجيتهم [اليمين المتطرف] هي إسرائيل الكبرى"، يقول جدعون رهات، الباحث السياسي في الجامعة العبرية في القدس. ويشير مصطلح "إسرائيل الكبرى" عادة إلى أيديولوجية يمينية تقول إن أرض إسرائيل تشمل جميع الأراضي من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك الضفة الغربية. ويقول أصحاب تلك الأيديولوجيا "هذه أرضنا التوراتية، لدينا الحق في كل ما يوجد هنا"، يضيف رهات.
وعلى مدى العقود الماضية، وسعت إسرائيل بناء المستوطنات في الضفة الغربية في ظل جميع حكوماتها. ويمكن للائتلاف الجديد أن يدفع أكثر باتجاه توسيع المستوطنات وإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية الأصغر. وتعتبر المستوطنات غير شرعية بموجب القانون الدولي، وهو ما تعترض عليه وترفضه إسرائيل.
بن غفير يريد سلطات أوسع!
قبل إعلان تشكيلة الحكومة، أقر الكنيست تعديلا قانونيا آخر مثيرا للجدل، يسمى بـ"قانون بن غفير"، نسبة إلى اسم وزير الأمن القومي المعين، إيتمار بن غفير، حيث سيمنحه التعديل صلاحيات موسعة على الشرطة في إسرائيل. وقد أدين بن غفير، المعروف بآرائه اليمينية المتطرفة، في الماضي بالتحريض على العنصرية ودعم حركة "كاخ"، المحظورة في الولايات المتحدة وإسرائيل.
وخلال الحملة الانتخابية، وعد بن غفير بمعالجة النقص في عناصر الشرطة في المناطق التي يرتفع فيها معدل الجريمة، وأن يكون "صارما في مواجهة الإرهاب". وقال إنه يريد "تخفيف" قيود إطلاق النار لتمكين ضباط الشرطة من إطلاق النار على المتظاهرين، الذين يرمون الحجارة، وتعزيز الحصانة القانونية لقوات الأمن.
ومن النقاط الأخرى المثيرة للقلق مشاركة حزب "نوعام" اليميني المتطرف المعادي للمثليين والعرب، في الائتلاف. ومن المتوقع أن يصبح رئيس الحزب آفي ماعوز، الذي له مقعد واحد في الكنيست، نائب وزير في مكتب رئيس الوزراء، مسؤولا عن هيئة "الهوية القومية اليهودية"، التي تم إنشاؤها حديثا، وسيكون لهذه الهيئة الجديدة سلطة على المحتوى الذي يتم تدريسه خارج المناهج العادية في المدارس الإسرائيلية، مما يمنحه السيطرة على الهيئات غير الرسمية التي يتم تكليفها بالتدريس في المدارس.
كما أن ماعوز معروف بمواقفه المتشددة المناهضة للمثليين، وقال إنه يرغب في إلغاء مسيرة المثليين السنوية في القدس واستعادة "القيم العائلية". لكن نتنياهو تعهد بأنه لن يكون هناك "أي ضرر" ضد مجتمع المثليين.
صمت دولي
إن أي تغيير محتمل في السياسة مثير للجدل، مثل تعهدات من اليمين المتطرف بالحد من سلطة المحكمة العليا أو تعديل قوانين مكافحة التمييز،يثير بالفعل قلق الإسرائيليين الليبراليين والجماعات الحقوقية والاقتصاد. كما يمكن أن يسبب توترات بين إسرائيل وأقرب حلفائها، لكن حتى الآن، لا تزال ردود الفعل الدولية خافتة.
وقد صرح وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن في أوائل ديسمبر/ كانون الأول بأن الولايات المتحدة ستواصل "معارضة أي أعمال تقوض بشكل لا لبس فيه آفاق حل الدولتين، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، التوسع الاستيطاني [و] التحركات نحو ضم الضفة الغربية".
ومن جانبه، دافع نتنياهو، في مقابلات مع وسائل إعلام أمريكية، عن اختياره المثير للجدل بن غفير لمنصب وزير الأمن القومي. وأكد نتنياهو أيضا أنه هو الذي سيكون مسيطرا وليس شركاؤه في الائتلاف، وقال: "هم ينضمون إليّ. أنا لا أنضم إليهم".
تانيا كريمر/ عارف جابو