حكومة الوحدة الوطنية في ألمانيا بين الوهم والواقع السياسي
على الرغم من أن تركيبة المجتمع الألماني الاجتماعية تميل نسبياً إلى المحافظة وتجعل من الصعب على الأحزاب "التقدمية" مثل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الفوز بأغلبية تؤهلها لقيادة ألمانيا، إلا في حالة وجود مرشح يتمتع بكاريزما خاصة مثل شخصية المسنشار غيرهارد شرودر التي تتمتع بهالة جذابة خاصة، إلا أن غالبية الناخبين الألمان تعقد آمالاً كبيرة على حكومة وحدة وطنية مكونة من تحالف الحزبين الكبيرين الاشتراكي الديمقراطي الحاكم والمسيحي الديمقراطي المعارض نظراً لاعتقادهم بقدرتها هذه الحكومة على مواجهة المشكلات الكبرى التي تواجه الاقتصاد الألماني المرحلة الحالية.
أسطورة حكومة الوحدة الوطنية
حكمت حكومة الوحدة الوطنية ألمانيا في فترة حرجة حيث بدأت عملها في عام 1967 تحت قيادة المستشار كورت غيورغ كيسنغر (الحزب المسيحي الديمقراطي) ونائبه فيللي براند (الحزب الإشتراكي الديمقراطي) الذي تبوء في الوقت نفسه منصب وزير الخارجية. وفي هذه المرحلة الحرجة من تاريخ جمهورية ألمانيا الإتحادية حديثة النشأة (ألمانيا الغربية سابقاً) نجح هذا التحالف الحكومي في القضاء على البطالة، لأنه خلق أكثر من 000 720 فرصة عمل جديدة. هذا النجاح الكبير دفع الناخبين الألمان إلى الإيمان بأسطورة حكومة الوحدة الوطنية ورؤيتها كمثال يحتذى به، وذلك على الرغم من الشكوك التي روادت أب المعجزة الاقتصادية الألمانية ورائد اقتصاد السوق الاجتماعي لودفيغ إيرهارد تجاه سياسة التحالف الكبير الإقتصادية التي ارتكزت على إنعاش الاقتصاد عن طريق تمويل فرص عمل مصطنعة كلفت دافعي الضرائب مئات المليارات.
واقع أو وهم سياسي
المراقبون السياسيون وخبراء الاقتصاد يعتبرون السياسة الإقتصادية لحكومة الوحدة الوطنية نقطة انقلاب في مفهوم السياسية الإقتصادية الألمانية لا تزال تلقي بظلالها على آليات عمل الأحزاب الألمانية حتى الوقت الحاضر. فالتحول من سياسية إقتصادية توفر البنية التحتية للإستثمار المجدي وللعمل الحر إلى سياسة تستخدم آليات عمل الإقتصاد الموجه كان بمثابة بداية الوقوع في فخ الديون والابتعاد عن القيم الصحيحة للرأسمالية، وهو ما أدى إلى تغيير جذري في بنية الإقتصاد الألماني أفقده الكثير من ديناميكيته وقدرته التنافسية.
حكومة الوحدة الوطنية وسخرية القدر
وفي السياق ذاته جاءت موافقة الرئيس الألماني هورست كولر على حل البرلمان الألماني لتعطي دليلاً واضحاً على وعيه بضخامة المشكلات التي يعاني منها الإقتصاد الألماني في الوقت الحالي في ظل ضعف بنيته والارتفاع المتزايد في عدد العاطلين عن العمل. وعلاوة على ذلك فإن موقف غالبية الشعب الألماني الرافضة لسياسية المستشار شرودر الإصلاحية تزيد الطين بلة، وتجعل من الصعب على أي حكومة اعتيادية تطبيق إصلاحات جذرية تحمل المواطنين أعباءً مالية مثل تقليل المعونة الاجتماعية أو رفع نسبة الضربة المضافة، وذلك على الرغم من إجماع المراقبين على ضرورة "تغيير الذهنية الألمانية" وتجاوز مفهوم الدولة الاجتماعية التي تضمن للمواطنين حياة مادية آمنة. ووفقاً لآراء المراقبين فإن سخرية القدر تكمن في أن حكومة وحدة وطنية قادمة هي الوحيدة القادرة على تفنيد "أسطورتها" ومواجهة التحديات الكبرى على غرار حكومة الوحدة الوطنية التي حكمت ألمانيا بين 1967 و1969.
لؤي المدهون