حرية التعبير ضحية القمع والحرب على الإرهاب
يعد نادي القلم الدولي PEN واحدا من أهم وأكبر الهيئات المستقلة المدافعة عن حقوق الكتاب، وكلمة القلم التي سمي بها النادي هي في الحقيقة الأحرف الأولى من ثلاث كلمات هي: شاعر Poet وكاتب صحفي Essayist وروائي Novelist. وترجع نشأة النادي إلى عام 1921، حيث استطاعت الكاتبة كاترين سكوت إخراج فكرتها إلى النور ونجحت في تكوين أول نادي للكتاب في مدينة لندن، الهدف منه العناية بشأن الكتاب وقضاياهم في أنحاء العالم، وخلق سبل التواصل والتعاون بينهم. وقد تجلت هذه الأهداف في البيان التأسيسي للنادي الذي يدعو إلى احترام الأعمال الأدبية خاصةً في أوقات الأزمات المحلية أو العالمية، كما يتضمن فقرات تؤكد على عالمية الأدب وضرورة العمل على حرية تبادل الأفكار بين كافة الكتَاب، كذلك يحتم البيان التأسيسي على أعضاء النادي العمل سوياً من أجل محاربة العنصرية بمختلف أشكالها، وتحقيق عالم مسالم خالي من العنف.
في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي اضطر عدد كبير من الكتاب الأوروبيين إلى الحياة في المنفى، وذلك بسبب وصول النازية والفاشية إلى الحكم واعتمادهما سياسة قمع حرية الرأي وإحراق الكتب. فتشكلت في نادي القلم لجنة "كتاب في المنفى"، والهدف منها رعاية الكتاب المنفيين وإعانتهم على بدء حياة جديدة في مكان آخر، ونجح نادي القلم الألماني الذي تأسس عام 1934 في تهريب العديد من الكتاب إلى خارج ألمانيا النازية آنذاك.
وعام 1960 تشكلت في نادي القلم لجنة "كتاب في السجن" وتهتم بالكتاب الملاحقين أمنياً بسبب كتاباتهم أو آرائهم. وجاء إنشاء هذه اللجنة كرد فعل للخطر المتنامي ضد الكتاب في العديد من الدول، والانتهاك اليومي لحقوقهم المشروعة في حرية التعبير عن آرائهم. وقد نجحت فكرة النادي في التعبير عن صوت الكتاب، وامتدت في كافة أنحاء العالم ليصل اليوم عدد الفروع الإقليمية المختلفة لنادي القلم الدولي إلى 140 فرعا، من بينها فروع عربية في مصر والجزائر وفرع لكتاب السودان في المنفى.
الأدب وحرية الرأي
يحتفل الفرع الألماني لنادي القلم الدولي هذه الأيام بمؤتمره السنوي في مدينة بوخوم تحت شعار "الأدب وحرية الرأي"، وذلك في الفترة من 19 إلى 21 مايو/ ايار. ويستند النادي إلى تاريخ عريض في الدفاع عن حقوق الكتاب، حيث جعل من حرية الكتابة والكتاب موضوعاً محورياً لنشاطاته منذ تأسيسه أيام النازية. وبهذه المناسبة أصدر النادي قائمة متكاملة بأسماء الكتاب الملاحقين قضائياً عبر العالم، ويقدر النادي عددهم بألف كاتب وكاتبة من مختلف مناطق العالم، لا تغيب عنها الدول العربية بطبيعة الحال، ومنهم ما يزيد عن 200 كاتب يقبعون وراء القضبان، وتحتوي القائمة على معلومات عن كل حالة. وألقى رئيس النادي يوهانو شتراسر كلمة بمناسبة الافتتاح تعرض فيها للضغوط المتزايدة التي تمارس على الكتاب ليس فقط من قبل الأجهزة الأمنية ولكن أيضاً بواسطة جماعات منظمة، وذكر إيران كمثال على تلك الحالات. كما حذر شتراسر من الانتهاكات المتزايدة لحرية التعبير عن الرأي في العالم. واستعرض النادي التقرير السنوي لأوضاع الكتاب في العالم، والقيود التي تفرض على حريتهم الإبداعية. ثم قرأ بعدها نص للكاتب التركي فريدون زيموغلو، الذي نشأ في ألمانيا ويكتب بلغتها، بعدها قرأت نصوص لكتاب مسجونين أو ملاحقين بسبب كتاباتهم الصحفية أو الإبداعية. ومن الدول العربية قُرأ مقطع من رواية للكاتبة المصرية نوال السعداوي وقصيدة للكاتب السوري فرج بيرقدار.
الكاتبان العربيان يمثلان حالتين تقليديتين لوضع الكاتب في العالم العربي، فالكاتبة نوال السعداوي هي ناشطة مرموقة في مجال حقوق المرأة، تعرضت للسجن عام 1981 بسبب أرائها السياسية المعارضة لسياسة الرئيس المصري آنذاك أنور السادات. ولها عدد كبير من المؤلفات السياسية والإجتماعية إضافة على عدد من الأعمال الأدبية منها رواية الإمام التي نشرت قبل عشرين عاماً وأصدر الأزهر قراراً العام الماضي بمصادرة الرواية. أما الشاعر فرج بيرقدار فهو كاتب سوري، عمل كصحفي في جريدة أدبية سورية تعنى بالأدب الحديث، وأصدر عام 1979 ديوانه الأول في سوريا. وفي عام 1987 ألقي القبض عليه بسبب نشاطه السياسي، وانتماءه لحزب العمل الشيوعي المعارض، وحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً. عام 1997 صدر له في بيروت ديوان هُربت أوراقه من السجن تحت عنوان "بين الحياة والموت" وصدرت ترجمة له بالفرنسية. عام 2000 حصل الكاتب على جائزة رابطة القلم الدولية، وبعد وصول الرئيس الحالي بشار الأسد إلى الحكم أصدر أمراً بالعفو عنه بعد قضاءه 14 عاماً في السجن.
الحرب من أجل الحرية تضعف الحرية
وكان من اللافت اهتمام النادي بقضية حرية الرأي في عصر الحرب على الإرهاب. ففي هذه القضية تستوي إلى حد كبير الدول الديموقراطية مع غيرها من دول ما يسمى بالعالم الثالث في المخالفات التي ترتكب باسم الحرب على الإرهاب. وكشف تقرير بعنوان "الحرب على الإرهاب وحرية الرأي" أن استمرار عدم وجود تعريف محدد لمفهوم الإرهاب، يجعل من السهل إساءة استخدام الإجراءات والقوانين الموضوعة لمحاربته، واستغلالها في إسكات المعارضين وإلقاء القبض على كتاب وأكاديميين بدون إبداء أسباب ذلك بدعوى هذه المحاربة. كما أبرز التقرير تباطؤ الدول الأوروبية في مساندة قضايا حرية الكتّاب في حالة تعلق الأمر بأحد الحلفاء.
وذكر التقرير أن القرارات التي سُنت في أمريكا بعيد ضربات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول أدت إلى تقليص حرية الرأي، وخلقت مناخاً عاماً يُسهل من تجريم المعارضين للسياسة الأمريكية. كما أدت سلسلة القرارات المتشددة تلك والمعروفة باسم إجراءات الأمن القومي Patriot Act إلى تسهيل الإطلاع على المعلومات الشخصية التي كان القانون يضمن سريتها، كالمعلومات الخاصة بحسابات البنوك وحركة المعاملات في المرافق العامة مثل المكتبات أو وسائل النقل. كذلك أصبحت إجراءات التصنت والمراقبة إجراءات شبه روتينية، الأمر الذي يعتبره التقرير اعتداءاً على الحرية الشخصية.
هيثم الورداني