حرب الحكومة التونسية على "أنصار الشريعة" قد يبدِدها الانقسام السياسي
٦ سبتمبر ٢٠١٣يعتبر عبد الوهاب الهاني أمين عام حزب المجد المعارض ومدير مركز المجد للدراسات الاستراتيجية ان قرار الحكومة كان صائبا لكنه جاء متأخرا. ويوضح الهاني في حديث مع DW عربية ان الارهاب كان يبحث منذ البداية عن موطئ قدم في تونس بعد الثورة منذ أحداث بلدة الروحية في أيار/مايو عام 2011 والتي أدت الى وفاة عقيد في الجيش وضابط في مواجهة عناصر ارهابية، مشيرا أنه "كان على الحكومة اتخاذ قرار حظر تنظيم أنصار الشريعة منذ سنتين لكن مرور البلاد بمرحة انتقالية في أعقاب الثورة لم يسمح للحكومة آنذاك بتقدير خطورة الموقف في حين ان الحكومة المنتخبة في 23 اكتوبر/تشرين الثاني عام 2011 كانت على اطلاع عبر ملفات ووقائع تدل على ان هذا التنظيم ارهابي وهو بصدد الانتشار في البلاد".
واتهمت الحكومة التونسية تنظيم أنصار الشريعة بالمسؤولية عن إغتيال السياسيين المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي هذا العام، وكذلك بالوقوف وراء أعمال عنف ضمنها اعتداءات على السفارة الأميركية في تونس، العام الماضي.
وتثار شكوك بشأن مدى جدية قرار التصنيف في اجتثاث آفة الارهاب المتنامية بتونس في ظل عدم وضوح الرؤية حول استراتيجية أمنية وطنية وغياب آليات فعالة لمقاومته. ويقترح الهاني في هذا الصدد وبشكل عاجل تدريب فرق مختصة ومدها بالعتاد والمعلومات لمواجهة الارهابيين واحداث جهاز مركزي استراتيجي يعني بالجرائم الارهابية في علاقة بالجرائم الأخرى العابرة للقارات، إلى جانب جهاز مركزي للاستعلامات يضم كبار الأمنيين والعسكريين لرسم خطط استباقية لمواجهة مخاطر الارهاب.
هل جاء قرار الحكومة متأخرا؟
وبرأي الهاني ان التأخير في اتخاذ القرار عزز الشعور بالافلات من العقاب لدى التنظيم والجماعات المتفرعة عنه وسمح له بالتغلغل داخل المساجد وشبكات الانترنت والتواصل الاجتماعي لانتداب الشباب وداخل شبكات التهريب والجمعيات الخيرية. كما سمحت فترة السنتين للتنظيم بربط علاقات سياسية داخل الحزب الحاكم، حركة النهضة الاسلامية، ونواب داخل المجلس الوطني التأسيسي وربط علاقات خارجية كذلك سمحت له بالنمو و"التغول" في فترة كان يفترض فيها وضع خطة استباقية وقائية ضده من قبل السلطة.
ويتم بالفعل تداول صورعلى نطاق واسع على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك لعدد من رموز السلطة وحركة النهضة الاسلامية المحوسبين على الجناح المحافظ داخل الحركة أثناء حضورهم لفعاليات التنظيم.
ويعتبرالهاني في تحليله ان التصنيف الذي أقدمت عليه الحكومة وعلى الرغم من ايجابيته الا انه يعد خطوة "غير مكتملة" اذ يفترض ان يفضي إلى استتباعات قضائية ترتبط بمراقبة نشاط الجمعيات التي تعمل كواجهة للتنظيم ومصادر تمويلها.
كما يذكر الهاني ان تونس وبحكم عضويتها بمنظمة الأمم المتحدة يتعين عليها اليوم الوفاء بالتزماتها الدولية بعد التصنيف، مثل توفير قوائم اسمية بالاشخاص والحسابات البنكية والمصالح التجارية والجمعيات التابعة لهذا التنظيم إلى لجنة مكافحة الارهاب التابعة لمجلس الأمن.
ثغرات قانونية ومخاوف حقوقية
وبموازاة ذلك، يدور جدل بشأن كيفية استخدام قانون مكافحة الارهاب المثير للجدل لجهة ان هذا القانون الذي صدر عام 2003 خلال حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي قد تم سنه في سياق القمع السياسي، واذا ما تم تفعيله وتطبيقه بالكامل اليوم من دون تعديله فإنه سيتيح حسب حقوقين اعتقال الآلاف، ذلك أنه يتضمن فصولا منافية لحقوق الانسان ويمكن ان يطال نشطاء ونقابيين ومعارضين باسم مكافحة الارهاب.
وكانت ممارسة التعذيب وسوء المعاملة متفشية إبان حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، الذي فر من البلاد في يناير/كانون الثاني 2011. وقد لاحظ المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب، الذي زار تونس في مايو/أيار 2011، تواصل التعذيب وسوء المعاملة، وأكد على ضرورة أن تفتح السلطات التونسية تحقيقات معمقة في التقارير المتعلقة بالتعذيب وسوء المعاملة.
وفي حديثها مع DW أعربت آمنة القلالي مديرة مكتب تونس لمنظمة هيومن رايتس ووتش عن مخاوفها من ظهور انعكاسات لقرار تصنيف انصار الشريعة كتنظيم ارهابي، على حقوق الأفراد وطبيعة سير التحقيقات مع المنتسبين للتنظيم وكيفية تطبيق قانون مكافحة الارهاب، إلى جانب الشكوك حول الضمانات المتوفرة فيما يتعلق بقرينة البراءة وحق الدفاع وعدم تعرض الموقوفين إلى سوء المعاملة والتعذيب.
وتقول قلالي "إن التصنيف إجراء معمول به عالميا اذا ما توفرت معطيات ومعلومات تثبت وجود تهديد ارهابي، غير أن الوضع في تونس يفتقد إلى أرضية قانونية وضمانات قضائية على عكس ما هو معمول به في الدول الغربية".
وهناك حالتان على الأقل عاينتهما منظمة هيومن رايتس تعرضتا إلى التعذيب كشفت عنهما في تقرير صدر بتارخ 29 آب/اغسطس الماضي. وقد عزز ذلك من مخاوف المنظمة من ان تطلق السلطة يدها في تطبيق القوانين بشكل اعتباطي وبطريقة تعسفية ضد الأفراد لانتزاع اعترافات في ظل الضغوط التي تواجهها الحكومة لتقديم نتائج ملموسة في مكافحتها للارهاب.
وإلى جانب المخاوف الحقوقية فقرار التصنيف بحسب خبراء القانون لا يخلو من ثغرات قضائية. ويعتبر احمد الرحموني مدير المرصد التونسي لاستقلال القضاء (منظمة مستقلة) في حوار مع DW عربية إن أدلة الادانة ضد التنظيم في الاحداث الارهابية والاغتيالات السياسية عرضت في مؤتمر صحفي كنتيجة نهائية، بينما لا تزال القضايا معروضة لدى قاضي التحقيق ولم يصدر أي تقرير عن ختم الابحاث بشأنها. التصنيف قفز على مسار قضائي كامل بما في ذلك امكانية الطعن في قرارات قاضي التحقيق والطعن لدى المحكمة في الطور الاستئنافي أوالتعقيبي فيما بعد.
ويضيف الرحموني إن قرار التصنيف، وهو تصنيف غير معتاد ويحدث لأول مرة في تونس، لا يعدو ان يكون سوى قرار سياسي ذو صبغة إدارية وهو لا يؤدي إلى عقوبة جنائية. ولكن على خلاف ذلك ستكون له تأثيرات ملموسة على عدد من الحقوق الأساسية كحق الاجتماع وحق التنقل والملكية مع احتمالات التجاوز والخلط بين الممارسات الدينية واعمال العنف.
تنظيمات متشددة تستفيد من الانقسام السياسي
ويأتي قرار تصنيف تنظيم انصار الشريعة كتنظيم ارهابي بينما تعيش تونس أزمة سياسية خانقة تسببت في جزء هام منها الأحداث الارهابية المتلاحقة، حيث تطالب المعارضة بحل الحكومة التي تقودها حركة النهضة الاسلامية والمجلس التأسيسي وتشكيل حكومة تكنوقراط تشرف على تسيير ما تبقى من المرحلة الانتقالية بما في ذلك الانتخابات.
وتدور منذ أسابيع مشاورات مضنية بين السلطة والمعارضة برعاية منظمات وطنية للتوصل إلى توافق. وحتى الفترة الأخيرة لا يبدو ان قرار التصنيف قد ألقى بظلاله على الأزمة أو حدَ من حالة الاحتقان.
ويقول عبد الوهاب الهاني إن التصنيف الأخير يمكن ان يؤدي إلى انفراج سياسي اذا ما تعامل الجانبان سلطة ومعارضة مع القرار بنزاهة وايجابية، كما يمكن ان يوحد الوطن والطبقة السياسية والمجتمع في مواجهة الظاهرة الارهابية لكن محاذير الانقسام تبقى قائمة بقوة، بحسب الهاني.
ويشير الحقوقي والسياسي التونسي إلى أن "رئيس الحكومة كان أعلن عن التصنيف خلال مؤتمر صحفي عام تحدث فيه أيضا عن تمسك حكومته المؤقتة والمهددة بالاقالة، بالبقاء في الحكم ما يعني ربط هذا بذاك والبحث عن 'شرعية أمنية' في ظل شرعية سياسية مهترئة، وهو أمر لا يوجد توافق عام حوله على الأقل لدى شق هام من المعارضة والمجتمع المدني".