حذر ألماني من المشاركة في قوات دولية إلى لبنان بسبب استحقاقات التاريخ
٢ أغسطس ٢٠٠٦يثير اقتراح نشر قوات دولية في جنوب لبنان سجالا واسعا في الشارع السياسي الألماني. فعلى الرغم من اتفاق كافة الأطراف والأطياف السياسية على أن الاقتراح هو أفضل الحلول الممكنة في الوقت الحالي، يشتد الجدل حول طبيعة المشاركة الألمانية في هذه القوات. ويلامس هذا النقاش عصبا حساسا هو ذكرى الماضي النازي الأليم، حيث شاركت القوات العسكرية النازية في تنفيذ عمليات إبادة واسعة ضد اليهود. لذلك يفضل كثير من السياسيين التعامل بأقصى درجات الحذر مع فكرة إرسال جنود ألمان إلى الحدود الإسرائيلية، ويقترحون عوضا عن ذلك دعم مشروع القوات الدولية بشكل لوجستي أو التمركز بعيدا عن هذه الحدود.
الموقف الرسمي للحكومة الألمانية لم تتشكل معالمه بوضوح بعد، حيث ظهرت بوادر تباين في وجهات النظر بين طرفي الائتلاف الحاكم. فوزير الدفاع الألماني فرانس يونج (الحزب المسيحي الديموقراطي) صرح قبل أيام بأنه يستبعد إرسال قوات ألمانية إلى المنطقة. غير أن وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير (الحزب الاشتراكي الديموقراطي) قال أمس في حوار له مع جريدة زود دويتشه تسايتونج إنه لا يرى حلا آخر للأزمة الحالية سوى إرسال قوات دولية لاستعادة الاستقرار، لذلك لا يستطيع من موقعه أن يستبق الأحداث برفض ألماني متسرع لفكرة المشاركة فيها، حسب تعبيره.
أما المستشارة الألمانية ميركل فكانت حذرة بدورها في اختيار كلماتها إذ قالت: "كألمان ينبغي علينا التعامل بأقصى درجات الحذر والحيطة مع منطقة الشرق الأوسط ". وأشارت في حديثها إلى أن قدرات القوات الألمانية المخصصة للمهام الخارجية قد اُستنفدت، مضيفةً أن السؤال حول المشاركة العسكرية غير مطروح حاليا، لعدم صدور قرار واضح من الأمم المتحدة حول شكل هذه القوات وطبيعة عملها. يذكر أن اتخاذ قرار بشأن المشاركة في مهام خارجية ليس من صلاحيات الحكومة الاتحادية وإنما من صلاحيات البرلمان الألماني.
موقف المعارضة أوضح من موقف الحكومة
السجال السياسي حول القوات الدولية مرشح للاستمرار، خاصةً في ظل تفاقم الأوضاع في المنطقة. ويبدو أن المعارضة أكثر وضوحا في موقفها من موقف الحكومة الذي انتقده الحزب الليبرالي المعارض على لسان رئيسه جيدو فيسترفيله. وفي هذا الإطار طالب فيسترفيله المستشارة ميركل بموقف واضح ضد أي مشاركة ألمانية، وجاء في حديثه لصحيفة برلينير تسايتونج: "لقد تمسكت كافة الحكومات الألمانية منذ إنشاء الجمهورية بتجنب إرسال جنود ألمان مسلحين إلى منطقة الشرق الأوسط، لذلك أهيب بالحكومة الحالية أن تتمسك بنفس النهج".
حزب اليسار المعارض رفض كذلك أي مشاركة عسكرية ، وصرحت مونيكا كنوخه رئيسة الكتلة البرلمانية للحزب أن على الحكومة التركيز على المساعدات الإنسانية للمدنيين. أما المتحدثة باسم كتلة حزب الخضر البرلمانية كرستين مولر فعبرت عن شكوكها العميقة حول صواب قرار إرسال جنود ألمان إلى المنطقة، وقالت: "بسبب وطأة الماضي الألماني في هذه المنطقة ينبغي عدم إرسال أي قوات ألمانية إلى هناك".
وبالنسبة للشارع الألماني يبدو أن الأغلبية لا تؤيد إرسال قوات ألمانية إلى المنطقة. فقد خرج استطلاع للرأي أجرته مجلة شتيرن الألمانية بنتيجة مفادها أن 63 بالمائة من الذين تم سؤالهم رفضوا هذا الإرسال. وهي نتيجة توضح ميل المزيد من الألمان إلى هذا الرفض لاسيما وأن استطلاعا آخر للرأي أجرته قناة RTL الألمانية قبل أسبوع أظهر بأن 55 بالمائة لا يؤيدون المشاركة الألمانية في قوات دولية تعمل في الشرق الأوسط.
للمشاركة أوجه متعددة
"يجب تجنب وضع القوات الألمانية في موقف يعرضها لاحتمال إطلاق النار على قوات إسرائيلية"، هكذا يقول هينينج ريك من الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية. لكن بالرغم من ذلك يرى الخبير الألماني أن هناك إمكانية لنشر قوات ألمانية في حالة صدور قرار من الأمم المتحدة وطلب إسرائيلي واضح بهذا الخصوص. وقال الخبير إن ألمانيا في هذه الحالة لن تستطيع التنصل من المشاركة.
برتولد ماير من مؤسسة هيسن لأبحاث السلام والأزمات يرى أنه لا يتحتم على القوات الألمانية في حالة مشاركتها أن تتمركز على الحدود بين إسرائيل وجنوب لبنان، وبدلا من ذلك يمكن تصور تمركزها على الحدود السورية اللبنانية من أجل وقف وصول الإمدادات العسكرية إلى حزب الله. إمكانية أخرى يطرحها ماير وهي أن تقتصر مشاركة القوات الألمانية على وحدات الإسعاف وفرق الإغاثة. ولحل مشكلة استنفاد طاقات القوات الألمانية المخصصة للمهام الخارجية يقول ماير "من الممكن سحب الفرق الألمانية العاملة في البوسنة واستبدالها بقوات أخرى، ثم إرسال هذه الفرق إلى منطقة الشرق الأوسط".
فرص نجاح القوات الدولية
وبعيدا عن السجال الإيديولوجي حول الموافقة على مشاركة قوات ألمانية في إطار قوات دولية في منطقة الشرق الأوسط، ترى الباحثة مورييل اسبورج من مؤسسة العلوم والسياسة في برلين أن فرص نجاح هذه القوات في مهمتها لاستعادة الأمن والاستقرار في المنطقة يتوقف على ثلاث نقاط جوهرية: أولا ينبغي أن يضع قرار الأمم المتحدة في عين الاعتبار نشر الاستقرار في المنطقة الحدودية، وهذا يعني مساعدة الحكومة اللبنانية على بسط نفوذها على كافة الأراضي اللبنانية، ثانيا يجب أن يرتبط قرار إرسال قوات دولية ببرنامج سياسي متكامل هدفه إيجاد حل نهائي ودائم للصراع العربي الإسرائيلي، النقطة الثالثة التي تضعها اسبورج شرطا لنجاح مشروع ارسال قوات دولية هي الأخذ بعين الاعتبار مطالب واهتمامات الدول التي طالما اُعتبرت حجرة عثرة في طريق السلام لاسيما سوريا وإيران. فلقد ثبت أن العزلة المفروضة على البلدين وعلى الحكومة الفلسطينية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية غير مثمرة. لذلك تدعو اسبورج إلى برنامج سياسي متكامل يعمل على معالجة النقاط الرئيسية في الصراع العربي الإسرائيلي بشكل شامل، بما فيها مشكلة الجولان ومزارع شبعا، فبدون مثل هذا البرنامج يترك المرء الجذور الأساسية للمشكلة ويعالج فقط أعراضها الظاهرية.
هيثم عبد العظيم