حدائق الحيوان..وسيلة حماية من الانقراض أم سجن؟
١٤ سبتمبر ٢٠١٢ظلت مسألة اقتناء الحيوانات البرية قاصرة على النبلاء فقط لفترة طويلة، فقبل 4000 عام كان قياصرة إمبراطورية شيا الصينية يمتلكون حدائق لتربية الحيوانات، كما حرص الحكام الآشوريون على اقتناء التماسيح. أما أمراء آل ميديشي، إحدى أشهر عائلات فلورنسا بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر، فكانوا يحتفظون بالحيوانات الغريبة في حدائق قصورهم. وامتد هذا الشغف أيضا إلى الإمبراطور فرانس الأول، الذي أقام في عام 1752 أقدم حديقة حيوان مازالت موجودة حتى الآن، وهي حديقة حيوان شونبرون في العاصمة النمساوية فيينا.
لكن دافع جميع هؤلاء النبلاء والأمراء لم يكن حماية الحيوانات المهددة بالانقراض، فالفكرة بدأت في القرن الحادي والعشرين بعد أن ضاقت الحياة بالكثير من أنواع الحيوانات نتيجة امتداد يد الإنسان لبيئة هذه الحيوانات واستخدامها لأهداف أخرى. فالبيئة الطبيعية للكثير من الحيوانات بدأت تتحول إلى مزارع وحقول.
تعدد الأسباب والقتل واحد
تتنوع الأسباب التي تؤدي إلى انقراض الحيوانات بين اعتداء الإنسان على بيئتها الطبيعية إضافة إلى التغيرات المناخية كما أن الإنسان نفسه يقتل عمدا الكثير من الحيوانات لأسباب مختلفة. فهناك عصابات متخصصة في إنتاج الألماس في مناطق الحروب والأزمات تقوم عمدا بقتل الغوريلات كما أن الأسواق في أفريقيا لا تخلو من لحوم حيوانات برية مصنفة على أنها نادرة.
وتزيد في الوقت الحالي عمليات صيد الأفيال بشكل غير مسبوق في غرب أفريقيا لاسيما من قبل تجار العاج. ولا تنجو الأفيال عادة من عمليات الصيد إلا إذا كانت تحت حراسة مشددة.
فهل أصبحت حدائق الحيوان هي وسيلة النجاة الوحيدة مع زيادة حالات التعدي على الحيوانات وصيدها بشكل غير مشروع؟ أم أن حتى هذه الحدائق تمثل تعذيبا للحيوانات التي تعيش حبيسة فيها كما تقول بعض منظمات حماية الحيوانات؟
لقد طالبت منظمة "بيتا" لحماية الحيوان، وزيرة الزراعة الألمانية، إلزه آيغنر، بمنع حبس النمور في الأقفاص. وترى المنظمة أن رغبة الشمبانزي الواضحة في الخروج من الأقفاص تدل على أن الحيوانات تفضل العيش في الأماكن المفتوحة. وترى منظمة "بيتا" أن حدائق الحيوان ليست أكثر من "سجون ذات درجة تأمين عالية".
جوانب إيجابية
يدرك القائمون على حدائق الحيوان أمثال مانفريد نيكيش، مدير حديقة حيوان فرانكفورت، أن الحيوان البري يظل بريا حتى وهو يعيش داخل حديقة الحيوان. لكن الخبير يوضح أن الحدائق الحديثة التي تعمل وفقا لمعايير علمية يتم فيها تدريب الحيوان على سلوكيات معينة وبالتالي تقل فرص ظهور بعض السلوكيات التي تحدث عادة في البرية.
ويؤكد نيكيش وجود برامج عديدة في الوقت الحالي تخفف على الحيوان مسألة وجوده داخل القفص، كما أن التقدم في الطب البيطري ساعد في توفير إمكانيات جديدة للحيوانات تقرب حياتها من حياة البرية، فمثلا يمكن حاليا أن تعيش القرود في غابات اصطناعية بعد أن كانت في الماضي رهن العيش داخل الأقفاص المغلقة لأسباب لها علاقة بالحماية من العدوى وانتقال الأمراض.
ومن الجوانب الإيجابية للحياة في حدائق الحيوان، الاهتمام الطبي بالحيوانات الأمر الذي يزيد من متوسط أعمارها مقارنة بالحيوانات التي تعيش في البرية. فثلث أعداد النمور السيبيرية في العالم تعيش حاليا في حدائق حيوانات وهي أفضل طريقة متاحة حاليا للحفاظ عليها. ومن غير المستبعد إطلاق سراح هذه النمور لتعيش مجددا في بيئتها الطبيعية حال تحسنت الظروف التي تساعد على ذلك.
ويؤكد داج إنكيه رئيس حديقة حيوان نورنبرغ أن "حدائق الحيوان في الوقت الحالي صارت وسيلة حماية لا بديل عنها للحيوانات المهددة بالانقراض". ويضيف إنكيه: "لا يوجد مكان آخر يمتلك هذا القدر من العلم مثل حديقة الحيوان التي تعد الملاذ الوحيد لحماية الأنواع المهددة بالانقراض ومنحها فرصة للنجاة".
تنمية المشاعر الإنسانية تجاه الحيوان
تنظم حدائق الحيوان المختلفة في العالم حوالي 130 برنامجا لإعادة توطين الحيوانات. وهي مشروعات ضخمة ومكلفة يمكن تنفيذها فقط في حال وجود فرص قوية لنجاحها.
لكن مخاطر فشل مثل هذه المشروعات قائمة بشكل كبير ولعل مالاوي تقدم مثالا على ذلك، فقد تم نقل مجموعة أسود إلى مالاوي من الجارة موزمبيق. وبالرغم من أن مجموعة من الحراس المتخصصين والمسلحين تولوا حماية الأسود، إلا أن هذا لم يمنع قيام بعض الصيادين بقتلها بهدف الحصول على مخالبها التي يتزايد الطلب عليها.
ونجاح حدائق الحيوان في أداء دورها يتطلب الكثير من الشروط من بينها ضرورة أن يتعلم الإنسان الحفاظ على الأماكن الطبيعية التي تعيش فيها الحيوانات ولا يدمرها، فاختفاء قرد إنسان الغاب "أورانغوتان" في آسيا يمكن أن يدمر كافة جهود الحفاظ على هذا الحيوان.
ويرى نيكيش أن حدائق الحيوان لها ميزة أخرى كبيرة ويقول: "أكثر من 700 مليون شخص يزورون حدائق الحيوان في العالم سنويا وهذه عادة هي الطريقة الوحيدة والمكان الوحيد الذي يحدث فيه الاحتكاك بين البشر والحيوانات البرية".
وعندما يتعلم الإنسان فهم عالم الحيوان فإن هذا ينمي إحساسه بالحفاظ على هذا العالم، كما يضيف نيكيش: "حدائق الحيوان ليست بديلا عن توفير الحماية للأماكن الطبيعية التي تعيش فيها الحيوان ولكنها تزيد من شعور الإنسان بأهمية القضية".
نجاحات وإخفاقات
أدت زيادة المعرفة باحتياجات الحيوان إلى تغيير فلسفة وطريقة عمل حدائق الحيوان كما يقول مانفريد نيكيش، الذي يوضح أن حدائق الحيوان الحديثة صارت تبذل قصارى جهدها لتقدم للحيوان بيئة شبيهة ببيئته الحقيقية كما تراعي المشاعر الاجتماعية الطبيعية للحيوان.
ويوضح نيكيش: "صرنا نعرف الآن أن هناك رابطة قوية بين قردة البونوبو وصغارها. في الماضي كان يتم فصل الأم عن الصغار ونقلها لحدائق أخرى، لكننا صرنا نراعي هذه النقطة الآن ولا نفصل بينها حتى لا ندمر هذه الرابطة الطبيعية".
لكن كل هذا لا يمنع وجود بعض نقاط الخلل في تعامل حدائق الحيوان مع بعض الحيوانات كما هو الحال مع أسماك الدولفين على سبيل المثال، والتي ينتقد بعض الخبراء طريقة "استهلاك" حدائق الحيوان لها وعدم الاهتمام بالأحواض السمكية بالقدر المطلوب.