جهود أوروبية نحو سياسة جامعية مشتركة
عندما اجتمع خبراء التعليم الجامعي في أوروبا عام 1998 في جامعة السوربون بباريس من أجل الحوار حول سياسة تعليمية موحدة، كان يدور في مخيلتهم أن تصبح أوربا مستقبلاً قلعة للعلوم. أما اليوم فهم يتجمعون في مدينة برجين النرويجية من أجل مناقشة التقييم المرحلي لتجربة تم إجرائها كخطوة أولى في بناء تلك القلعة. ألا وهي إدخال نظام البكالوريوس والماستر الموحد في بعض الدول الأوربية. لقد تغير الوضع عما كان عليه عام 1998 بعد أن انضمت ما يزيد عن 40 دولة لما يسمى بإعلان بولونيا، الذي يقر بإنشاء منطقة جامعية موحدة خلال هذا العقد. ولكن قبل أن ترفع الحدود نهائياً في مجال السياسة الجامعية الأوربية بحلول عام 2010، لابد للقائمين على التعليم في أوربا أن يأخذوا مسألة المحافظة على جودة الدراسة الجامعية بعين الاعتبار.
مؤهلات عديدة وصعوبات كثيرة
تعاني أوربا حتى اليوم من اختلاف المؤهلات الدراسية التي يحصل عليها الطلاب عند تخرجهم. فتواجد درجات علمية مختلفة مثل الدبلوم والماجستير والماستر يسبب العديد من الصعوبات. بالإضافة إلى أنه عامل يحول دون شفافية نظم الدراسة الجامعية في البلدان الأوروبية المختلفة. أما اختلاف ماهية المؤهلات العلمية، فيقف عائقاً أمام الاعتراف بها بسهوله عندما يغير الطالب مكان دراسته من بلد أوربي إلى أخر، بالإضافة إلى أرباب العمل، فهم ينظرون عامة إلى المتقدمين لشغل الوظائف من ذوي الشهادات الأجنبية بشيء من الريبة.
نظام ذو مميزات....
من المفترض أن تزول كل هذه الصعوبات بحلول عام 2010 حيث ستكون كل الدول الأوربية التي صدقت علي إعلان بولونيا ملزمة بتطبيق نظام جامعي موحد يتكون من مرحلتين دراسيتين هما البكالوريوس والماستر. وتتمثل ميزات نظام بكالويوس/ماستر في حصول الطالب على مؤهل البكالوريوس بعد ثلاث سنوات فحسب من بدء الدراسة وتحسين فرصته في الحصول على وظيفة ما في سوق العمل. كما يتيح النظام الجديد إمكانية مواصلة الدراسة والحصول على درجة الماستر التي تؤهل المرء علمياً أكثر وتفتح له الباب على مصراعيه للالتحاق بالسلك الجامعي. ويسهل توحيد البنية العامة للنظام الجامعي للطلاب الأوروبيين أن يتموا جزءاً من دراستهم في جامعات خارج وطنهم الأم. فبعد توحيد السياسة الجامعية في أوربا سيكون من الممكن للطلاب أن يتلقوا المحاضرات أو أن يجتازوا الامتحانات أو أن يقوموا بكتابة أبحاث علمية كطلاب زائرين في الجامعات الأخرى، وأن يتم الاعتراف بكل هذا من قبل جامعتهم الأم. كما يتيح ذلك أن يباشر الطالب دراسته في دول مختلفة. فمن الممكن أن يقوم الطالب بالحصول على البكالوريوس في إيطاليا على سبيل المثال، وأن يكون بعد ذلك أمامه حرية الاختيار بين دراسة مرحلة الماستر في جامعات ألمانيا والعكس صحيح.
... ولكنه صعب التنفيذ
لقد تم تطبيق الإصلاح الجديد على نظام الدراسة الجامعية في عدد من الدول الأوربية بالفعل. حيث تعد بريطانيا والنرويج والدنمارك أصحاب اليد العليا في هذه المبادرة. واليوم في مؤتمر التربويين الأوربيين يتم عرض النتائج المتوسطة لهذه التجربة. ولكن دول جنوب شرق أوربا لم تلحق بعد بهذه المبادرة وبالتالي يتحتم عليها البدء في توفيق سياساتها التعليمية معها.
أما في ألمانيا فيتم تطبيق هذا النظام بصعوبة وبطء، وذلك بسبب البنية الفيدرالية لألمانيا فهناك صراع دائم حول الصلاحيات بين الولايات والاتحاد. فبالرغم من تولي الولايات سلطة البت بشأن قضايا التعليم تختص الحكومة الاتحادية بشأن اصادر القوانين العامة وإدخال الإصلاحات المختلفة. وهناك العديد من الولايات الاتحادية التي تخشى مغبة فقدان حقوقها في المشاركة وترفض التعاون في تسهيل إدخال تلك الإصلاحات. كما أن لأساتذة الجامعات مخاوفهم أيضاً فهم يخشون من أن يصاب النظام التعليمي الألماني بهشاشة أكبر، ويرون أن النظام الجامعي القديم هو أفضل مقياس لجودة الدراسة الجامعية في ألمانيا.
وتسبب هذا الموقف من الإصلاحات الجامعية قلقاً شديداً لدى ساسة التعليم الجامعي في ألمانيا فعلى حد تعبير بيتر تسجلير، المتحدث باسم وزارة التعليم الاتحادية، لا يمكن أن يعمل الألمان على إزالة العقبات في طريق توحيد السياسة الجامعية الأوربية وأن يوجهوا في الوقت نفسه تردداً عن تطبيق الإصلاحات في بلدهم.
علاء الدين سرحان