جرائم الشرف في سوريا – ثغرات قانونية تكرس ظاهرة "غسل العار"
١٩ أكتوبر ٢٠١٠كانت سميرة. ش تبلغ من العمر 25 عاما، عندما أطلق عليها شقيقها النار وأرداها قتيلة، لأنها أقامت علاقة جنسية مع حبيبها، الذي رفض أهلها تزويجها له. ريما، أخت الضحية، لا تزال تتذكر كيف برر شقيقها جريمته أمام الناس بحجة الدفاع عن شرف العائلة، وتستنكر متسائلة: "أي شرف هذا الذي يدافع المرء عنه بالقتل؟". حادثة سميرة ليست سوى مثال على ما يُطلق عليه "جريمة الشرف"، وهي ظاهرة لا تزال موجودة في بعض المناطق السورية، حيث يقدم رجال على قتل زوجاتهم أو أخواتهم أو بناتهم بحجة "غسل شرف العائلة من العار"، وفق ما يقول سمير غصن، الناشط في مجال حقوق المرأة.
لا توجد إحصائيات رسمية حول جرائم الشرف في سوريا ولكن تقارير إعلامية ومنظمات حقوقية تقدر عددها في البلاد بنحو 200 إلى 300 جريمة سنويا. وتحدث معظمها في المناطق الريفية شمال وشرق البلاد. وعلى ضوء استمرار هذه الظاهرة تجدّد مؤخرا الجدل حول القوانين المعمول بها لمواجهتها والتي يصفها الناشط الحقوقي سمير غصن ب"الرخوة". ويقول غصن في حديث لدويتشه فيله: "إن الذين يرتكبون مثل هذه الجرائم يعرفون تماما بأن عقوبتها مخففة".
مطالب بإلغاء المادة 548 أو تشديد القوانين
وتعالت الأصوات في الفترة الأخيرة منادية بإلغاء المادة 548 من قانون العقوبات السوري رغم تعديلها بموجب مرسوم رئاسي في تموز/ يوليو 2009 تم بموجبه تشديد العقوبة على الجاني. وبموجب تعديل هذه المادة الخاصة بجرائم الشرف لم يعد بوسع مرتكب مثل هذه الجرائم الافلات من العقاب كما كان عليه الحال قبل التعديل. فقد نص التعديل على فرض عقوبة سجن لمدة سنتين على الأقل بحق من يرتكب جريمة شرف بسبب ضبطه لزوحته أو لاخته او لابنته او لإحدى قريباته بجريمة الزنا أو بصلات جنسية مع شخص آخر.
هذا التعديل دفع بمنظمات حقوقية وشخصيات سياسية ودينية بارزة في المجتمع السوري إلى المطالبة بإلغاء المادة 548 ومواد قانونية أخرى تخفف العقوبات عن مرتكبي جرائم الشرف. ومن بين هؤلاء عضو مجلس الشعب السوري وأحد ممثلي التيار الإسلامي المعتدل الدكتور محمد حبش ومفتي سوريا الشيخ أحمد بدر الدين حسون. وفي حين يعارض الدكتور حبش المادة 548، معتبرا أنها "تخالف مبادئ الشريعة الإسلامية، التي لا تعاقب الزنا بالقتل"، على حد قوله، يطالب الشيخ حسون بتعديل المواد القانونية المتعلقة بجرائم الشرف "لأن الشرف قيم وأخلاق وليس دعوات إلى القتل".
ويرى البعض أن من بين الأسباب القوية، التي تدفع إلى المطالبة بإلغاء القوانين الحالية الخاصة بجرائم الشرف، هو استغلالها أيضا من قبل "كثيرين للتخلص من زوجاتهم أو قريباتهم، اللواتي يحقدون عليهن"، بشكل لا علاقة له بالخيانة وإقامة علاقات جنسية غير شرعية. وما حدث مؤخرا في مدينة حلب السورية عن قتل رجل لزوجته بتهمة العار "خير دليل على مدى استغلال القانون"، على حد تعبير زاهي ث، الذي يؤكد أن تلك الجريمة "كانت انتقاما من الزوجة بسبب نعتها لزوجها بالضعف الجنسي". وفي حديث لدويتشه فيله، يشير أحمد حج سليمان، عضو مجلس الشعب السوري ورئيس فرع نقابة المحاميين في محافظة حلب إلى أن "هناك جرائم ومحاولات لارتكاب جرائم تحت اسم الشرف". ويضيف: "لذا تدعو جهات معينة إلى تعديل المادة المذكورة التي يتم استغلالها من قبل الكثيرين".
انقسام في الآراء حول "جريمة الشرف"
وتنقسم آراء الشارع السوري حول هذه القوانين بين من يرفضها وبين من يجد لها تبريرات، على غرار طالب الحقوق ربيع عليو، الذي يتهم القانون بأنه يشجع على ارتكاب جرائم الشرف من خلال العقوبات الخفيفة على مرتكبيها. أما الموجهة التربوية، منى طه، فتستغرب كيف يمكن للقانون التعامل مع هذه الجرائم بشكل استثنائي، لافتة بالقول: "من يرتكبها لديه استعداد لارتكاب جرائم أخرى دون أن يهتز له جفن". ويتساءل الموظف سامر الأزهري "لماذا يتساهل القانون مع جرائم تشيب الرأس بحجة غسل العار ولا يتساهل مع الجرائم، التي تحدث في إطار الدفاع عن النفس؟".
لكن رجل الدين محمد رشيد يرى أنه من الضروري إبقاء النص القانوني الحالي على حاله. " الشرف شيء مقدّس لا يمكن التهاون بشأنه". يقول رشيد متسائلا: "كيف يمكن لرجل يضبط زوجته في جريمة زنا مع رجل آخر دون أن يثأر لتدنيس شرفه؟"، مضيفا بأن "أقل ما يفعله هو ارتكاب جريمة قتل لغسل العار؟". ورداً على سؤال لماذا لا يحق للمرآة ما يحق للرجل، بمعنى أن تقدم هي أيضاً على قتل زوجها في حالة خيانته لها يقول رشيد: "يحق للرجل المساكنة والمصاحبة وتعدد الزوجات وهذا ما أحله الدين والشرع، لكن لا يمكن للمرأة القيام بذلك لأنه مؤتمنة على عرضها بالدرجة الأولى".
قانون يكرس الثقافة الذكورية
لكن أحمد حج سليمان يعارض بشدة هذا المبدأ الذي يميز بين المرأة والرجل بشكل واضح، ويقول: "من جملة الانتقادات الموجهة للنصوص القانونية أنها لم تأت على ذكر المرأة القاتلة، إنما استفاد منها الرجل فقط لتخفيف عقوبته". وعلى الرغم من أن العقوبات ليست قاسية فإن القضاء غالبا ما يخففها، "المشرّع حدد عقوبة السجن بسنتين على الأقل للقاتل، غير أن القضاء يخفف عادة هذا الحكم حسب المعطيات المتوفرة"، وفقا لما قاله حمام الحزوري، أستاذ القانون في محاكم حلب. ويضيف الحزوري بأن القضاء السوري "اعتاد على تطبيق مفعول الدافع الشريف للقتل وبالتالي تخفيف العقوبة إلى حدودها الدنيا بحق الذكور الذين ارتكبوا جرائم تحت شعار غسل العار".
عفراء محمد - حلب
مراجعة: شمس العياري