تونس- مظاهرات في ذكرى الثورة وتسجيلات تكشف لحظات هروب بن علي
١٤ يناير ٢٠٢٢خرج أنصار الأحزاب المعارضة للرئيس التونسي قيس سعيد، اليوم الجمعة (14 كانون الثاني/يناير 2022) إلى الشارع وسط العاصمة للتظاهر ضد قرارات 25 تموز/يوليو وخارطة الطريق للإصلاحات السياسية للرئيس. وتوافد أنصار المعارضة باتجاه الشارع الرمز الحبيب بورقيبة الرئيسي لكن قوات الأمن المنتشرة بكثافة أغلقت مداخله بحواجز حديدية ومنعت التظاهر فيه.
ويوافق اليوم تاريخ سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي عقب انتفاضة شعبية ضد الحكم الاستبدادي والفقر. وألغى الرئيس سعيد اعتبار هذا التاريخ يوم عطلة.
ودعت أحزاب حركة النهضة الاسلامية والتيار الديمقراطي والجمهوري والتكتل من أجل العمل والحريات وأحزاب أخرى، إلى التظاهر اليوم على الرغم من قرار الحكومة منع كافة التجمعات للحد من تفشي فيروس كورونا. وبدأ سريان القرار منذ أمس الخميس ولمدة أسبوعين قابلة للتمديد. وقالت المعارضة إن القرار ذو خلفية سياسية. وردد محتجون على مقربة من الشارع "لا خوف لا رعب السلطة بيد الشعب" و"سعيد ارحل" و"دستور حرية كرامة وطنية".
وترفض المعارضة خارطة الطريق التي أعلن عنها الرئيس سعيد ومن بينها أساساً الانطلاق في استشارة وطنية إلكترونياً الشهر الجاري تمهيداً لاستفتاء شعبي حول الإصلاحات السياسية ومن ثم تنظيم انتخابات برلمانية في 17 كانون الأول/ديسمبر المقبل.
وجمد سعيد المنتخب بأغلبية واسعة في 2019، البرلمان وعلق العمل بمعظم مواد الدستور بدعوى تفشي الفساد والفوضى بمؤسسات الدولة و"وجود خطر داهم" مستنداً إلى فصل في الدستور لكن معارضيه يتهمونه بتدبير "انقلاب على الدستور واحتكار السلطة". ولكن الرئيس سعيد نفي أن يكون ذلك انقلاباً، مضيفاً أنه يقوم "بتصحيح مسار الثورة".
تسجيلات "مثيرة"
يأتي هذا في وقت تم فيه الكشف عن تسجيلات صوتية "مثيرة" تُعتقد أنها لمكالمات هاتفية أجراها الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي مع مسؤولين في نظامه ومقربين منه أثناء مغادرته البلاد جواً عام 2011.
وتظهر التسجيلات، التي كشفت عنها "بي بي سي"، كيف تحول بن علي في اللحظات الأخيرة في السلطة إلى "إنسان مرتبك تحت رحمة تعليمات وزرائه". وبحسب "بي بي سي"، فإن المقاطع سجلت عندما كان بن علي يستقل الطائرة، وفيها يمكن سماعه وهو يجري عدة مكالمات مع ثلاثة أشخاص، يُعتقد أنهم وزير دفاعه آنذاك رضا قريرة، وقائد الجيش رشيد عمار، وأحد المقربين منه واسمه كمال لطيف.
وفي التسجيلات، يبدأ بن علي بسؤال قريرة حول الموقف السائد على الأرض في تونس، ليخبره الأخير بأن محمد الغنوشي سيتولى الرئاسة مؤقتاً. يتلبك بن علي ويطلب من قريرة تكرار هذه المعلومة ثلاث مرات، قبل أن يرد بأنه سيعود إلى تونس "في غضون ساعات قليلة"، فيرد قريرة: "مرحباً بك سيدي الرئيس".
بعد ذلك، يتصل بن علي، بحسب التسجيلات، برجل يُعتقد بأنه صديقه المقرب كمال لطيف، ويقول له بن علي إن وزير الدفاع طمأنه بأن الأحداث تحت السيطرة. لكن لطيف أجاب: "لا، لا، لا، هناك الكثير من الانزلاقات والجيش لا يكفي". قاطعه بن علي وسأله: "هل تنصحني بالعودة الآن أم لا؟" وكان عليه أن يكرر السؤال ثلاث مرات قبل أن يجيب لطيف: "الأمور ليست جيدة".
"هل أعود؟"
ثم يتصل بن علي، وفقاً للتسجيلات، بمن يُعتقد أنه قائد الجيش، الجنرال رشيد عمار الذي يبدو أنه لا يتعرف على صوت بن علي، فيقول بي علي: "أنا الرئيس". يطمئنه عمار بأن "كل شيء على ما يرام"، ليطرح عليه بن علي نفس السؤال الذي طرحه على لطيف - هل يجب أن يعود إلى تونس الآن؟ يخبره قائد الجيش أنه من الأفضل له "الانتظار بعض الوقت"، ويضيف: "عندما نرى أنه يمكنك العودة، سنخبرك، سيدي الرئيس".
ويعاود بن علي الاتصال بقريرة، ويسأله مرة أخرى عما إذا كان يجب أن يعود إلى تونس، ولكن قريرة يجيب بشكل أكثر صراحة، ويقول إنه "لا يمكنه ضمان سلامته" إذا فعل ذلك. وبحسب "بي بي سي"، فإنه بعد منتصف ليل ذلك اليوم، هبطت طائرة الرئيس بن علي في جدة بالمملكة العربية السعودية، وأمر الرئيس التونسي الطيار بالاستعداد لرحلة العودة، ولكن الطيار عصى الأمر، إذ ترك بن علي وعاد أدراجه إلى تونس.
وفي صباح اليوم التالي، وفقاً لـ"بي بي سي"، يتصل بين علي بوزير دفاعه مرة أخرى. وفي تلك المكالمة، يعترف له قريرة بأن الحكومة فقدت السيطرة على ما يحدث في الشوارع، وأخبر بن علي أن ثمة أقاويل عن حدوث انقلاب، ولكن بن علي رفض ذلك معتبراً هذه الأقاويل من عمل "الإسلاميين"، حسب تعبيره.
وتطرق بن علي مرة أخرى إلى موضوع عودته، ولكن قريرة بدا وكأنه يحاول التحدث مع رئيسه بمنتهى الصراحة هذه المرة، إذ قال له: "يسود الشارع غضب لا أستطيع وصفه"، وأضاف: "أقول لكم ذلك لكي لا تقولوا إني ظللتكم، ولكن القرار لكم".
وفي غضون ساعات، شكلت حكومة جديدة في تونس احتفظ فيها العديد من الوزراء السابقين بمناصبهم، بمن فيهم قريرة. أما بن علي، فلم تكتب له العودة إلى تونس أبداً، إذ بقي في المملكة العربية السعودية حتى وفاته في عام 2019. وحسب بي بي سي امتنع وزير الدفاع رضا قريرة وقائد الجيش رشيد عمار التعليق على التسجيلات، كما نفى كمال لطيف المقرب من بن علي، أن يكون الاتصال معه قد حدث، وفقاً لـ"بي بي سي".
م.ع.ح/و.ب (د ب أ، رويترز، بي بي سي)