ترحيب بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في أوساط الاقتصاد الألماني
التباين في ردود الفعل الناتجة عن الزلزال السياسي الذي سببته الهزيمة النكراء للحزب الاشتراكي الحاكم في أكبر ولاية ألمانية كان واضحاً جداً، ففي حين تزداد مخاوف النخبة السياسية الأوروبية في بروكسيل من غياب الدور الألماني الفعال على الصعيد الأوروبي نظراً لانشغال الحزب الاشتراكي الحاكم بالحملة الانتخابية التي يتوقع أن تكون شاقة وصعبة، رحب أرباب العمل على لسان ممثلي روابطهم بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في خريف هذا العام. ويعود هذا الترحيب الواضح إلى سببين أولاهما تخوفهم من شلل للمنظومة القانونية الألمانية حتى ميعاد الانتخابات القادمة في العام المقبل،وثانيهما هو أنهم يعقدون آمالاً كبيرة على حكومة محافظة تعنى بمطالبهم وتحاول تنشيط الاستثمارات الضرورية لخلق فرص عمل جديدة.
مخاوف من الشلل السياسي
التشكيلة السياسية الحزبية في مجلس الولايات الألمانية التي ينبغي لها أن تحقق نوعاً من التوازن السياسي تحولت في السنوات الأخيرة إلى أداة تستخدمها المعارضة من أجل إعاقة العمل السياسي للحكومة الاتحادية، وهو ما تكرر في السنوات الأخيرة حيث تحتل المعارضة المحافظة أغلبية مقاعد مجلس الولايات، وعلى هذا النحو حدت من قدرة الحكومة الاتحادية على تمرير قوانين مهمة. ومن هذا المنظور يعتبر ممثلو الاقتصاد الألماني نتائج الانتخابات القادمة حاسمة فيما يتعلق بمستقبل عجلة الاقتصاد الألماني، وخاصة أنهم يتوقعون أن تقوم الحكومة القادمة بتنفيذ إجراءات إصلاحية راديكالية مثل تحرير قيود العمل التجاري وتبسيط قوانين الضرائب المعقدة جداً في ألمانيا.
بريطانيا أقل بيروقراطية وأكثر ليبرالية
عندما واجه البريطانيون مشكلة البطالة أوائل تسعينيات القرن الماضي اتجهوا للاستفادة من التجربة الأمريكية. وعلى هذا النحو اتخذت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر إجراءات راديكالية قلّصت بموجبها المساعدات الاجتماعية وتعويضات العاطلين عن العمل. كما قامت بالحد من سلطة البيروقراطية من خلال تسهيل قوانين أنظمة الاستثمار وجعلها أكثر ليبرالية تجاه المستثمرين ورجال الأعمال. ويرى هولغر شيفر خبير اقتصاد سوق العمل في معهد الاقتصاد الألماني بمدينة كولونيا أن تحجيم سلطة البيروقراطية من أهم الأسباب التي ساعدت بريطانيا على النجاح في تخفيض نسبة العاطلين عن العمل إلى النصف. كما يرى العديد من المراقبين أن الإصلاحات التي قامت بها ألمانيا مؤخراً في إطار ما يُسمى هارتس 4 تشبه في بعض جوانبها التجربة البريطانية. غير أن المشكلة تكمن في أنها جاءت متأخرة بشكل نسبي. ومن أهم أسباب النجاح الأخرى للبريطانيين تركيزهم على قطاع الخدمات الذي ينمو بوتيرة سريعة استطاعوا من خلالها خلق مئات الآلاف من فرص العمل الجديدة. وعلى خلاف ذلك ركز الألمان على قطاع البناء الذي تضخم بشكل يزيد عن حاجة السوق مما تسبب في هدر وخسائر كبيرة ساهمت في تراجع أداء القطاعات الأخرى.
أين البديل المحافظ؟
وعلى الرغم من ترحيب قطاع الاقتصاد بالتغيير الحكومي المرتقب، فإن السؤال يبقى مطروحاً حول البديل المحافظ للسياسة الإصلاحية التي طبقها المستشار شرودر في السنوات الأخيرة. وعلاوة على ذلك فإن كثير من المراقبين يشككون في أهلية تكتل المعارضة اليمينية على صياغة وتطبيق إستراتيجية متزنة لمساعدة ألمانيا على الخروج من هذا المأزق. كما أن الخلافات الكبيرة بين فصائل المعارضة حول ماهية "الدولة الاجتماعية" التي ينص الدستور الألماني على تطبيقها تلقي بظلالها على قدرات المعارضة على إدارة الحكومة المستقبلية. والدولة الإجتماعية هي مصطلح سياسي يشير إلى واجبات الدولة تجاه حقوق مواطنيها ومصالحهم الإجتماعية.
وبجدر بالذكر أن المفارقة الكبرى هنا تكمن في حقيقة أن الاقتصاد الألماني يضاهي من حيث قوة بنيته وقدرته التنافسية أقوى اقتصاديات دول العالم، كما تعتبر ألمانيا "بطلاً للعالم" في مجال التصدير مقارنة مع الدول الصناعية الكبرى، ولكن وفي الوقت نفسه تزداد نسبة العاطلين عن العمل. هذا التطور يطرح أسئلة لا مفر منها حول مسئولية الاقتصاد الأخلاقية والاجتماعية في ظل فقدان الدولة القومية المتزايد لنفوذها نتيجة للتسارع الملحوظ في وتيرة العولمة.