تحليل: هل تنجح الحكومة المصرية الجديدة حيث فشلت سابقاتها؟
٩ يوليو ٢٠٢٤على غير المتوقع تلقت مصر خلال الأشهر القليلة الماضية تمويلات أجنبية على شكل استثمارات وقروض ومساعدات بنحو 57 مليار دولار. وجاء القسم الأكبر بنحو 35 مليار دولار من دولة الإمارات العربية المتحدة لقاء مشروع رأس الحكمة يليها قرض من صندوق النقد الدولي وآخر على شكل مساعدات وقروض ميسرة من الاتحاد الأوروبي.
وأدى تدفق قسم من الأموال إلى تحرير سعر صرف الجنيه المصري وتحسين قيمته تجاه الدولار الأمريكي بعد تدهور استمر على مدار العامين الماضيين. كما ساعد على توفير المزيد من السلع في السوق المصرية بعد توفير العملة الصعبة للتجار ورجال الأعمال لتخليص بضائعهم التي التي كانت متوقفة في المرافئ.
لهيب الأسعار ولهيب الطقس الحار بدون كهرباء
غير أنه ورغم زيادة العرض السلعي وتراجع التضخم، فإن الأسعار بقيت مرتفعة، وزاد الطين بلة رفع أسعار سلع أساسية تدعمها الدولة وعلى رأسها الخبز ومصادر الطاقة. وعلى سبيل المثال ارتفع سعر الخبز بنسبة 300 بالمائة. وإلى جانب الأسعار المرتفعة ازدادت حدة مشكلة قطع التيار الكهربائي وسط أجواء حارة سجلت 45 درجة مئوية.
ولم يطل هذا التقنين دور السكن فحسب، بل طال أيضا صناعات أساسية كصناعة الأسمدة والكيماويات بسبب نقص الغاز الذي تعمل عليه. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف حصل هذا النقص في وقت تتوفر فيه لدى الدولة سيولة مالية من العملة الصعبة لاستيراده، وماذا عن الاحتياطات اللازمة للحالات الطارئة، لاسيما وأنها ليست المرة الأولى التي تحدث فيها أزمة كهرباء.
أولويات الحكومة الجديدة
في ظل تفاقم مشكلة الكهرباء وارتفاع أسعار السلع والتداعيات السلبية لحرب غزة على عوائد قناة السويس والسياحة شهدت الحكومة المصرية برئاسة مصطفى مدبولي تعديلا وزاريا شمل أكثر من نصف الحقائب الوزارية. وشمل التغيير الدفاع والخارجية والمالية والبترول والكهرباء والتموين والاستثمار والتعاون الدولي.
وتضم الوزارة الجديدة شخصيات ذات خبرات إقليمية ودولية في مجال المال والأعماال أمثال وزير المالية أحمد كجوك ووزير الاستثمار والتجارة الخارجية حسن الخطيب.
وحسب التصريحات الأولى لرئيس الوزراء مدبولي فإن حكومته التي تراجع فيها دور الوزراء من خلفيات عسكرية لصالح خبرات مدنية عالية الكفاءة، تضع حل مشكلة الكهرباء وضبط الأسعار على أجندة أولوياتها. وقال مدبولي في مؤتمر صحفي بتاريخ 4 يوليو/ تموز الجاري إن "دمج مجموعة من الوزارات ببعضها في الحكومة الجديدة يهدف لتحقيق التكامل والحد من الدين الخارجي والفجوات التمويلية".
وما يزال مجمل الدين العام مرتفعا، إذ يشكل نحو 96 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر بنحو 350 مليار دولار هذه السنة حسب معطيات المؤسسة الألمانية للتجارة والاستثمار. ويعكس هذا العجز استمرار ارتفاع فاتورة الاستيراد التي تزيد على 80 مليار دولار سنويا، أي نحو ضعف عوائد الصادرات.
ومن الأسباب الأساسية لذلك تمسك الحكومة المصرية حتى الآن بسياسة بناء مشاريع عملاقة يعتمد إنجازها على الاستيراد وذات جدوى ضعيفة ومن الصعب تشغيلها بكامل طاقتها كما يظهر من خلال محطات توليد الطاقة الكهربائية هذه الأيام.
المشكلة قديمة وجديدة
تعود أسباب جزء من المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد المصري إلى عوامل خارجية كالحرب في أوكرانيا. غير أن مشاكله الأساسية تجد أسبابها في استمرار معاناته من خلل هيكلي يتمثل في سيطرة الدولة من خلال مؤسسات الجيش والقطاع العام على أهم مجريات الحياة الاقتصادية، في حين ما يزال القطاع الخاص يلعب دورا ثانويا في الاقتصاد بسبب عدم إفساح المجال له وعدم تكافؤ الفرص في المنافسة بينه وبين القطاعات التي تدعمها الدولة وتمولها.
وكان من المفترض لسياسة الإصلاحات الهيكلية التي بدأت عام 2016 بدعم من صندوق النقد الدولي وجهات مانحة أن تؤدي إلى إزالة هذا الخلل من خلال إلغاء الامتيازات لشركات الجيش والقطاع العام وتحفيز القطاع الخاص وجعل القطاع الخاص رياديا في الإنتاج والتصدير وجذب المزيد من الاستثمارات وتقليص عجز الميزان التجاري وتشغل الشباب.
غير أن الإصلاحات مشت حتى الآن ببطء حسب رأي المانحين وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي. وهكذا فإن ترهل القطاع العام أضحى أكثر حدة من خلال استمرار معاناته من ضعف الكفاءة وتضخم جهازه الإداري. وينبغي لهذا الاستنتاج أن لا يقلل من أهمية الخطوات التي تم أتخاذها بحذر شديد ومن بينها تحرير أسعار السلع المدعومة بشكل جزئي وتعويم سعر الجنيه المصري.
وهنا يطرح السؤال نفسه فيما إذا كانت الحكومة الجديدة قادرة على الإسراع بخطوات الإصلاح أكثر من أي وقت مضى تفاديا لتفاقم حدة المشاكل الضاغطة والمتزايدة التي تواجه الاقتصاد المصري؟
فرصة لا تعوض لإصلاح أكثر جرأة
تقف الحكومة المصرية الجديدة على أرضية مالية أقوى من أي وقت مضى منذ عشر سنوات، ويعزز من قوتها قول رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين خلال مؤتمر استثماري في القاهرة أواخر الشهر الماضي إنّ "شركات أوروبية بصدد توقيع صفقات قيمتها نحو 40 مليار يورو مع شركاء مصريين لتحفيز الاقتصاد". يضاف إلى ذلك أن في الحكومة الجديدة شخصيات ذات مؤهلات عالية وخبرات واسعة.
بيد أن كل ذلك لا يحل المشكلة، إذا لم يتم اتباع سياسات اقتصادية جديدة تدفع بعملية الإصلاح الهيكلي بخطوات أسرع أكثر من ذي قبل. ومما يعنيه ذلك تغيير الأولويات على حساب الاستمرار بضخ عشرات المليارات في مشاريع عملاقة ضعيفة الجدوى. ومما لا شك فيه أن مثل هذه الخطوات ستكون مؤلمة لفئات عديدة من بينها تلك التي تحقق الكسب والإثراء على حساب المال العام.
إن تسريع عملية الإصلاح الاقتصادي شأن لا تستطيع الحكومة المصرية القيام به بحكم صلاحياتها التي هي دون صلاحيات الرئاسة، وعليه فإن الأمر يتطلب موافقة الرئيس عبد الفتاح السيسي صاحب الصلاحيات الأقوى ودعمه، فهل يقوم بذلك لاسيما وأن إقدامه على خطوة كهذه لن تعجب قادة الجيش الذي انحدر منه من جهة، ومن جهة أخرى فهي لن تعجب المصريين الذين يؤثر الإصلاح الهيكلي ورفع الدعم بشكل سلبي على مستوى معيشتهم.
تضع المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد المصري الرئيس السيسي وحكومته أمام سباق مع الزمن لمواجهتها. وكلما حصل تأخير في عملية الإصلاح المطلوبة فإن الأموال الخارجية المتدفقة سوف تتآكل بسرعة ولن تؤدي إلى الاستقرار سوى لفترة محدودة لتجد البلاد نفسها بعد ذلك أمام مديونية أعلى وعجز تجاري أكثر حدة وارتهان أقوى للمساعدات الخارجية.
فهل تجرؤ الحكومة الجديدة على تغيير المسار واتباع إصلاحات قاسية تقوم على شراكة حقيقة متكافئة الفرص بين القطاعين العام والخاص وتنقل البلاد إلى تحقيق تنمية مستدامة بالاعتماد على القدرات الذاتية أكثر من أي وقت مضى؟ حتى الآن لا يوجد ما يشير إلى هذا التغيير، فهل تأتي الأسابيع أو الأشهر القادمة بجديد؟