تحديات تعيق النهوض بأدب الطفل عربيا.. كيف يمكن تجاوزها؟
٧ يوليو ٢٠٢٣قال إيهاب القسطاوي، الكاتب المصري المتخصص في أدب الطفل، ومدير كرسي الألكسو في خدمة الطفولة لدى المنظّمة العربيّة للتّربية والثّقافة والعلوم (الألكسو)، إن الجهود الرامية للنهوض بالأدب الموجه للأطفال عربياً، تصطدم بحزمة من التحديات، الأمر الذي يؤكد الحاجة لوضع رؤية قابلة للتطبيق للتعامل مع تلك التحديات.
وأضاف القسطاوي، في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ ) ، أن أبرز التحديات تتمثّل في أن أدب الأطفاليُصاغ بلغة لا تتصل بمفهوم اللغة التي تخدم الطفل وتبلور أهدافه، مشيراً إلى أن "ما يقصده هو اللغة التي تمكّن الطفل من فهم الآخرين، وعبرها نستطيع أن نشرح للطفل ما نريده منه، ويستطيع الطفل، في المقابل، أن يتعلّم ما يريد قوله ويتمكن من التعبير عن ذاته".
ونوّه إلى أن أحد التحديات الأخرى التي تعيق تقدم الأدب الموجه للأطفال بالعالم العربي، هو "ظاهرة الدخلاء على المشهد الأدبي"، وهي ظاهرة تسببت في إحداث مزيد من السطحية والإرتباك في مجال أدب الطفل.
وتابع القسطاوي قائلا: إن ظهور هؤلاء الدخلاء في المشهد الأدبي وحقل أدب الأطفال، سببه "المجاملات" في بعض المؤسسات المعنية بالنشر، وأن الأمر امتد من عالم الكتابة الإبداعية إلى عالم النقد الأدبي، ليقوم الدخلاء على المشهد النقدي، بنقد مؤلفات الدخلاء على المشهد الإبداعي، فيمنحونهم "صكوك الإجادة في الإبداع". وأكد أن مستقبل أدب الأطفال بالعالم العربي مرتبط بطبيعة اللحظة المرتبكة التي يعيشها في الحاضر.
حركة نشر ضعيفة
وحول رؤيته لحركة النشر في مجال أدب الطفل وتحقيق طموح الكتاب العرب، قال القسطاوي إن حركةنشر الكتب الموجهة للأطفال باتت ضعيفة، ولا تُلبي احتياجات الأطفال، ولا ترتقي لطموح المُبدعين من الكُتّاب والرسّامين، مرجعا سبب ذلك إلى أن بعض دور النشر باتت لا تهتم بنشر القيمة، وتسعى لتحقيق الأرباح فقط، دون النظر إلى ما تقدمه من نصوص، لتسود لغة الأرقام واقتصاديات النشر على حساب المضمون.
وأوضح أن ما فاقم المشكلة هو تراجع دور مؤسسات النشر الحكومية في الكثير من البلدان، وخضوع حركة النشر فيها لما وصفه بـ "الشللية" و"المجاملات"، إضافة إلى ما تضعه من شروط تعجيزية أمام المبدعين الحقيقيين، وتجاهل تام للمعايير الحقيقية لاختيار النصوص، إضافة إلى غياب الدعم الحكومي الموجه لقطاع أدب الطفل. لكنه أكد أن الثقافة الرصينة قادرة على طرد الثقافة الرديئة خاصة عندما تتوسع رقعتها.
وحول رؤيته لأهمية حضور التراث في الآداب الموجهة للطفل، قال القسطاوي إنه على قناعة تامّة بأنّ الموروث الذي لا يبني حضارة ويصنع ذاكرة وميضها قيم وثقافة تتوارثها الأجيال، هو مخزون كاذب لا يستحق الحياة، مشيرا إلى أنه "ليس كل ما يحويه الموروث في طياته يصلح أن يكون مادة خصبة نستقي منها مضامين مهيئة للطفل لمواجهة تحديات العصر، لأن الموروث الشعبي ألَمّت به تحريفات وإضافات أخرجته عن مساره العقلاني والواقعي".
رصد ميول الأطفال
وحول رؤيته للسبل التي تساعد في إزالة العقبات التي تعوق مسيرة أدب الطفل في العالم العربي، قال القسطاوي إنه "لا بد من تفعيل دور المراكز البحثية في هذا المجال، باعتبار أنها القادرة على استشراف آفاق المستقبل، لافتا إلى ندرة المراكز البحثية المتخصصة في القيام بدراسات ترصد اتجاهات وميول الأطفال بشكل واقعي، ووضع نتائجها أمام الكُتّاب في مجال أدب الطفل، وكذلك أمام المؤسسات المعنية بثقافة الطفل، ليتم معرفة احتياجات الأطفال والاستجابة لها بحسب نتائج تلك الدراسات.
ولفت إلى أنه منذ توليه مهام عمله كمدير لكرسي الألكسو في خدمة الطفولة لدى المنظّمة العربيّة للتّربية والثّقافة والعلوم، تقدّم بمقترح لإنشاء مرصد للطفولة يكون مقره بيروت، وتكون مهمته رصد ميول واتجاهات الأطفال بالتعاون مع كل الأجهزة المعنية بالطفولة في العالم العربي. ولاقى المقترح موافقة ودعم الدكتور مراد محمودي، أمين المجلس التنفيذي والمؤتمر العام، القائم بأعمال مدير إدارة الثقافة بالألكسو، والذى ذلَّل كل العقبات ويسر كل الإمكانيات لنجاح ذلك المشروع، ليبدأ العمل قريبا بالمرصد والذي تمنى أن يكون بمثابة نواة .
وأشار إلى أن هذا المرصد سوف يكون نواه لأكاديمية بحثية وتطويرية متخصصة تسهم في وضع الرؤى والمقترحات اللازمة للنهوض بكل ما يتعلق بالطفل وفي مقدمة ذلك أدب الأطفال.
الحاجة إلى معارض مختصة
وحول رؤيته للدور الذي يمكن أن تلعبه المعارض والمهرجانات الثقافية في خدمة أدب الطفل، قال "إننا في حاجة ماسة لإقامة المزيد من المعارض والمهرجانات والمؤتمرات والندوات التي تسهم في خلق حالة من التفاهم وتمنح المشاركين بها فرصة لتبادل الرؤى والأفكار والتجارب، وتحقق استفادة حقيقية من الطاقات الإبداعية القادرة على حل جُل القضايا المتعلقة بالثقافة والكتابة وخاصة أدب الطفل".
وحول رؤيته لسُبل النهوض بحركة النشر والتوزيع للكتب الموجهة للأطفال، قال القسطاوي إن أكثر المشكلات التي تواجه حركة النشر هي ارتفاع أسعار المواد المستخدمة في الطباعة من ورق وحبر، وأنه لا بُدّ من قيام المؤسسات الحكومية المعنية بتقديم دعم سنوي لدور النشر لتواصل مسيرتها في تقديم مؤلفات جيدة للطفل من حيث الشكل والمضمون.
يُذكر أن إيهاب القسطاوي، كاتب مصري متخصص في أدب الطفل، وخبير تربوي، ومسؤول كرسي الألكسو في خدمة الطفولة لدى المنظّمة العربيّة للتّربية والثّقافة والعلوم، وقد صدر له عشرات المؤلفات داخل مصر وخارجها.
ع.أ.ج/ ع ج (د ب ا)