تجربة حزب العدالة والتنمية تفند فرضية التناقض الحتمي بين الإسلام والعلمانية
٣٠ يوليو ٢٠٠٧أجريت الانتخابات البرلمانية التركية يوم الأحد ( 22 تموز/ يوليو) الماضي بعد تدخل مباشر للمؤسسة العسكرية التركية في آلية صناعة القرار السياسي. فقد أصدر الجنرالات الأتراك على صفحات الانترنت في 27 نيسان/أبريل من العام الحالي تهديدا بالتحرك ضد كل القوى التي تهدد القيم العلمانية لجمهورية اتاتورك التركية. هذا التهديد الجديد من نوعه يمكن اعتباره أول محاولة انقلاب تمت على صفحات الانترنت في التاريخ السياسي المعاصر.
كما رضخت المحكمة الدستورية العليا لتهديدات المؤسسة العسكرية التركية، التي تعتبر نفسها حامية للقيم العلمانية، وحالت دون انتخاب وزير الخارجية عبد الله غول لمنصب الرئاسة.
انقسام حاد في الطيف السياسي
من جهة أخرى حاول الجنرالات عبر الذراع السياسي لمؤسستهم، حزب الشعب الجمهوري المعارض، بث مخاوف مبالغ فيها خارج تركيا من خطر التغلغل الإسلامي ( أي "أسلمة" تركيا) داخل مؤسسات السلطة في تركيا بشكل يهدد بتقويض النظام العلماني في تركيا الحديثة. ولم يكتفوا بذلك، بل قاموا باختلاق أعداء للأمة التركية في الداخل والخارج، إضافة إلى اتهامهم حكومة أردوغان بعدم التصدي بحزم وجدية لإرهاب حزب العمال الكردستاني. كما طالب الجنرالات "الأمة التركية السامية" بالاحتجاج لمنع "بيع المصالح القومية".
وبعد فشل انتخابات الرئاسة التركية، وشلَّ التجاذب بين القوى العلمانية والإسلامية المحافظة في المجتمع التركي البلد بصورة خطيرة، قرر أردوغان في نهاية المطاف إجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
"لا بديل لحزب العدالة والتنمية"
راهن حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة بشكل كبير على النمو الاقتصادي، الذي شهدته تركيا تحت لوائه وما يتعلق بذلك من مؤشرات النمو الايجابية. فقد وعد اردوغان بصفته زعيماً للحزب بالتمسك باستمرار سياسة حكومته الناجحة وتأهيل تركيا بغية انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من أن إنجازات حزب العدالة والتنمية الحاكم على صعيد السياسة الخارجية لا تتمتع بوزن كبير بسبب عدم حل القضية القبرصية وتقهقر مفوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فإنه بقى بدون بديل سياسي حقيقي. فالمعارضة العلمانية والوطنية تعاني من غياب نهج سياسي واضح وإستراتيجية مقنعة تمكنها من قيادة تركيا إلى مستقبل أفضل.
حزب العدالة والتنمية أول حزب وسطي ذو جذور إسلامية
وعلى النقيض من المعارضة العلمانية المتعصبة والمتمسكة باستمرارية الوضع الحالي والمحتفظة بصور عدائية نمطية أكل عليها الدهر وشرب، جدد حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية نفسه بشكل يتوافق مع متطلبات المرحلة ليصبح حزب الإصلاح الجاد وحزب تيار "الوسط التركي الجديد"، وهو ما أدى في النهاية إلى فوزه بنصف أصوات الناخبين.
نصر حزب أردوغان، الذي يتمتع بهالة إعلامية مميزة، يستند في المقام الأول على أن حكومته قامت خلال الخمس سنوات المنصرمة بالمزيد من الإصلاحات، بدرجة تفوق عدد الإصلاحات التي قامت بها الحكومات العلمانية السابقة خلال الخمسين عام الماضية.
كما أن حزب العدالة والتنمية نجح في إقناع الكثير من المواطنين الأتراك بمصداقية تحوله إلى حزب جديد يحتل وسط اليمين السياسي على خارطة الأحزاب التركية. فقد حسن الحزب من صورته أمام الناخب التركي وجعلها أكثر جاذبية، وهو ما يفسر استبدال الإسلاميين من أنصار اردوغان السابقين بشخصيات ليبرالية ويسارية معروفة تمثله في البرلمان الجديد.
تغيير جذري في بنية المجتمع التركي
مما لا شك فيه أن النصر الساحق الذي حققه حزب العدالة والتنمية يعتبر دليلا واضحا على جملة من التغييرات البنيوية في بنية المجتمع التركي. ففي العقدين الأخيرين نشأت طبقة وسطية من المحافظين الإسلاميين الأثرياء أخذت تنافس النخب العمانية القديمة في البلد على مكانتها. وبسبب صعود طبقات المحافظين الإسلاميين الجديدة، والمنحدرة بشكل كبير من المناطق الريفية الواقعة في منطفة الأناضول، أخذت الطبقة العلمانية العليا تشعر بخطر فقدانها لمميزاتها.
وفي ضوء ذلك لم يتعلق الأمر في المعركة الانتخابية الضروس في المقام الأول بصراع بين الإسلام السياسي والعلمانية، لأن الإسلام السياسي الراديكالي في تركيا لا يلعب إلا دورا هامشيا على خارطة الأحزاب التركية. الصراع على أرض الواقع تعلق بصراع حقيقي على السلطة بين النخب القديمة والجديدة.
ومن هذا المنطلق يجب أن يُنظر إلى النزعات القوموية الجديدة لممثلي النخب العلمانية القديمة على أنها مجرد ردود فعل معتادة لنخبة سياسية خاسرة.