اوركسترا ديوان الشرق والغرب تحتفي بالقيم الإنسانية
٢ سبتمبر ٢٠٠٦من الصعب اختزال شخصية دانييل بارينبويم في قالب محدد أو في وظيفة معينة أو عمل واحد، فعاشق الفن والموسيقي وابن ثقاقة التفاهم والمحبة يجمع في شخصه قيم الإنسانية جمعاء، التي يحملها معه وحيدا بعد وفاة رفيق روحه ودربه المفكر العالمي إدوارد سعيد. وبعد مرور عام على حفله الموسيقي في رام الله مع أوركسترا ديوان الغرب والشرق، الذي صادف نجاحا واسعا، وصل الفنان الإسرائيلي دانييل بارينبويم وقائد الاوركسترا إلى برلين في إطار جولة أوروبية قدم خلالها حفلا افتتاحيا في قاعة برلين الفيلهارمونية يوم الأحد الماضي. يذكر أن الاوركسترا، الذي تأسس عام 1999 في مدينة فيمر الألمانية تجسيد على أرض الوقع لـ"فكرة إنسانية" وفقا لبارينبويم.
لا يترك بارينبويم فرصة مناسبة دون ان يشير إلى صديقه الراحل ادوارد سعيد، الذي شاركه في تأسيس هذه الاوركسترا الفريدة. ويصف المايسترو البرليني دور إدوراد سعيد قائلا:"لقد استحوذت الاوركسترا على حياة ادوارد سعيد حتى أصبحت أهم شئ فيها مثلما لا يزال في حياتي ومن خلاله سوف تظل مثله العليا حية." وفي تعبير عن رفضه لكل توظيف سياسي لرسالة الاوركسترا الفنية والإنسانية الخالصة شدد بارينبويم امام الصحفيين في برلين قبيل الحفل الموسيقي انه "على الرغم من من التوتر السائد بين إسرائيل وبين دول الجوار العربية، فانه لا يرغب في تحويل الاوركسترا إلى ساحة للمواجهات السياسية."
فكرة إنسانية تجمع ولا تفرق
وفي معرض وصفه لهذه الاوركسترا الفريدة من نوعها قال بارينبويم: "لم نكن نرغب في أن يكون مشروعا سياسيا. وعندما أقول للناس إن أوركسترا ديوان الغرب والشرق ليس مشروعا سياسيا فإنهم يبتسمون. كيف يمكن أن تتحدث عن الشرق الأوسط ومنتدى يجمع سويا الفلسطينيين والإسرائيليين والعرب الآخرين ثم تقول انه ليس سياسيا." واستطرد قائلا: "إنه ليس سياسيا، لان الفكرة من وراء إقامته كانت توفير منتدى للموسيقيين الذين لا ينظرون إلى الموسيقى من برج عاجي فقط، بل على أنها صلة دائمة بين الموسيقى وبين الحياة الحقيقية."
دانيل بابرينبوم: الموسيقى تترك برجها العاجي
ولد بارينبويم في بوينس ايرس عاصمة الأرجنتين عام 1942 لوالدين يهوديين من أصول روسية كانا كلاهما مدرسا لآلة البيانو. وفي سن الخامسة بدأ بارينبويم دروس تعلم البيانو على يد والدته ولم يكد يمر عامان حتى أقام حفله الموسيقي الأول. وهاجر بارينبويم وأسرته إلى إسرائيل عام 1952. وفي عام 1967 ظهر بارينبويم بصفته قائدا لاوركسترا لندن الفيلهارموني للمرة الأولى. ويقدم أوركسترا ديوان الغرب والشرق حفلات حاليا في 13 مدينة في أسبانيا وتركيا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا ثم يقدم حفلا ختاميا في مدينة ميلانو الإيطالية.
ومن جانبه يصف عازف الفيولا (الكمان الأوسط) الفلسطيني رمزي عبده رضوان، البالغ من العمر 26 عاما والذي تربى في بلدة رام الله في الضفة الغربية ولم يتعرف على الإسرائيليين في حياته إلا جنودا خلال خدمتهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى ضمه بارينبويم إلى أوركسترا هذا الديوان الفريد من نوعه، يصف جملة تجربته الفنية في إطار فريق هذه الاوركسترا، التي تجمع فنانيين شبان من الشرق والغرب، قائلا: "كنا نلقي بالحجارة على سيارات الجيب التابعة للجيش الإسرائيلي، ومنذ عام 1997 أصبحت أعزف الفيولا. أما الآن فأصبح الأمر مختلفا. وأضاف الموسيقار الفلسطيني الشاب:"فأصبحت أجد متنفسا جميلا لطاقتي وبعد اكتشافي الموسيقى وما تتيحه لي من سبيل للتعبير عن نفسي أود حقيقة أن أنقل هذه الخبرة إلى أطفالي في فلسطين."
الموسيقى وسيلة التفاهم
أما عازفة الاوبوا الإسرائيلية، ميراف كاديتشفسكي، فقد تربت في إسرائيل وقالت إنها لم يكن لها أي اتصال بالعرب حتى انضمت إلى الاوركسترا. وتروي كاديتشفسكي تجربتها فتقول: "لقد نشأنا سويا في حقيقة الأمر." كما تضيف: "فبينما كنت أعتقد فيما سبق أن جميع العرب يتسمون بالعنف فإنني لم أعد أعتقد ذلك. إنهم أناس طيبون للغاية وهم بشر مثلي تماما." وفي الوقت ذاته فان بارينبويم أوضح "أن الاوركسترا الخاص بنا ليس أوركسترا للسلام." وأضاف "فلسنا من السذاجة لنظن أنه لمجرد أننا نعزف الموسيقى وربما كنا نعزف بصورة متقنة للغاية وننسجم جميعا مع بعضنا بعضا فان هذا كفيل بتسوية النزاع." لكن بارينبويم أضاف ان "الجميع سواسية أمام سيمفونية من أعمال بيتهوفن. فلا يهتم أحد بما اذا كان من يعزف فلسطينيا أو إسرائيليا أو سوريا."