اليهود في ألمانيا.. مخاوف قديمة جديدة من معاداة السامية
٨ أكتوبر ٢٠٢٤استُهدف كنيس الحاخام دوفيد روبرتس في شارع برونِنشتراسه بوسط برلين بمحاولة حرق متعمد في تشرين الأول/أكتوبر 2023، وذلك بعد أيام قليلة من هجوم حماس الإرهابيفي السابع من الشهر ذاته. ومنذ ذلك الحين تم تشديد حماية المبنى وبات يقف أمامه على مدار الساعة أفراد من الشرطة.
ويذكر أن حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
وبعد سؤاله من قبل DW إن كان قد تعرَّض هو شخصيًا لمعاداة السامية، أشار الحاخام دوفيد روبرتس في البداية إلى حماية الشرطة. ثم ذكر أنَّه أصبح الآن ينتبه أكثرخلال طريقه ما بين سكن أسرته والكنيس وبات يميل إلى تجنُّب شوارع معينة.
وقد أصيب ذات مرة بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بحجر صغير في رقبته من الخلف، كما يقول: "ارتعدت من هول الصدمة، ولكن عندما درت إلى الخلف ونظرت لم أرى أحدًا". ودوفيد روبرتس مُمتن لحماية الكنيس من قِبَل الشرطة، ويؤكد على دعم السلطات المختصة. وبحسب تعبيره، فإنَّ المنطقة المحيطة بمبنى الجمعية "رائعة" وحيوية جدًا. ولكنها مخيفة بالنسبة لبعض اليهود أيضًا. وأنَّ "كثيرين في جمعيته لديهم خوف كبير".
أصبحت الحياة اليهودية في ألمانيا بعد الهجوم الإرهابي لحركة حماس ضد إسرائيل حياة مليئة بمخاوف والقلق. ويقول إن بعض اليهود غير القليلين يفضلون في الشارع ارتداء قبعة بيسبول بدلًا من الكيباه اليهودية ويتجنَّبون الرموز الأخرى التي تبرز أنَّهم يهود. وكذلك يصف أعضاء الكنيس الذي ينتمي له روبرتس "كاهال أداس يسرول" في شارع برونِنشتراسه البرليني تجارب مشابهة. فعندما تجولوا ذات يوم أحد بآخر الصيف في وسط برلين وهم حاملين لفافة جديدة من التوراة، كان يبدو ذلك كله مثل فعالية أُقيمت في منطقة تخضع لحراسة مشددة.
الكثير من الحوادث المعادية للسامية
ارتفع بسرعة عدد الحوادث المعادية للسامية في ألمانيا بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بحسب معلومات مركز أبحاث ومعلومات معاداة السامية (RIAS). وفي عام 2022، كان عدد هذه الحوادث بمعدل سبعة في اليوم. بينما وصل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى 32 حادثًا في اليوم.
ومن هذه الحوادث كتابات على جدران المباني أو البيوت، وشعارات معادية لليهود في المظاهرات، واعتداءات صريحة في الشوارع، وكذلك أيضًا هجمات حرق متعمد وأضرار جسدية. وبحسب أحدث بيانات مركز أبحاث ومعلومات معاداة السامية فإنَّ العدد ما يزال مرتفعًا.
وفي مؤتمر لمؤسسة كونراد أديناور في برلين، وصف الآن طلاب يهود من عدة مدن جامعية ألمانية انطباعاتهم من داخل الجامعات: تحريض صريح ضد اليهود وإسرائيل، وكثيرًا ما لا يجدون الدعم من إدارة الجامعة للطلاب اليهود.
وكان من المهم بالنسبة لهم التأكيد على أنَّ الضغط غالبًا ما يأتي من طلاب ألمان وغربيين، وليس من الطلاب الفلسطينيين. وفي نهاية حديثهم مع مؤسسة كونراد أديناور، طلب المشاركون عدم ذكر أسمائهم وعدم تصويرهم. وهذا أيضًا من نتائج هذا العام.
ومع ذلك فإنَّ المزاج العام السائد داخل المجتمع اليهودي ليس موحدًا على الإطلاق. حيث ينتقد عدد غير قليل من اليهود حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية، التي يضم مجلسها الوزاري أيضًا وزراء يمينيين متطرِّفين. كما يشارك ممثِّلون لليهود في نقاشات ناقدة ويأملون في إجراء انتخابات جديدة في إسرائيل. وأحيانًا يستخدم المبدعون الثقافيون مسرحهم من أجل انتقاد السياسة الإسرائيلية.
ولكن سواء الحاخام أو الطلاب يعرفون ويصفون كيف يمكن أن يجتمع انتقاد إسرائيل مع معاداة السامية. إذ يشير الحاخام روبرتس إلى تغيرات في المزاج الأساسي. ويقول إنَّ هناك كراهية لليهود في الأوساط الإسلامية وكذلك في حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي المصنف متطرفا في بعض ولايات ألمانيا، كما في أوساط أقصى اليسار.
ظاهرة خاصة ببرلين فقط؟
فهل هذه الظاهرة خاصة ببرلين؟ أم تنتشر في المدن؟ من المعروف أنَّ المؤسسات اليهودية تخضع لحماية الشرطة في كل مكان تقريبًا في ألمانيا. ولننظر إلى ماغدبورغ؛ فقد افتتح كنيس يهودي جديد في هذه المدينة في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2023، بعد نحو 85 عامًا من تدمير مبنى الكنيس السابق من قبل النازيين، وهو واحد من ثلاثة كنس يهودية جديدة افتتحت في ألمانيا منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وكان المجتمع اليهودي قد قرَّر هذا المشروع في عام 1999 وعمل من أجله فترة طويلة.
وعلى العكس مما يحدث في برلين أو كولونيا، لا يلاحظ في شوارع ماغدبورغ وجود كتابات على الجدران معادية لإسرائيل أو المثلثات الحمراء المعروفة كرمز لحماس.
تقول ماريا شوبيرت: نعم حتى الآن لا توجد هجمات ضد الكنيس أو كتابات على الجدران. ولكن منذ افتتاح الكنيس، يقف على الجانب الآخر من الشارع "مركز شرطة متنقل". وغالبًا ما تقف بجانبه سيارة أو سيارتا شرطة.
وماريا شوبرت يهودية عمرها 46 عامًا، تعمل كمساعدة في مجلس المجتمع اليهودي وترشد الزوَّار عبر المبنى الجديد. وهي تلاحظ "بشكل متزايد أنَّ الأحاديث بين الأصدقاء تتغير أو تصمت"، كما تقول لـ DW: "الناس الذين كانوا دائمًا مؤيدين لإسرائيل يتحولون بشكل مستمر إلى منتقدين لها".
وتضيف ماريا شوبرت "يوجد نقص في التمييز الواعي بين الحياة اليهودية في ألمانيا ودولة إسرائيل، مؤكدة أنَّ صور المظاهرات المعادية لليهود أو المعادية لإسرائيل تثير خوفها. وتستطرد شوبرت "من الغريب أن يتطرَّف الناس، سواء كانوا مهاجرين مسلمين أو ألمانًا، لم يسبق لهم زيارة إسرائيل ولا يعرفون التحديات هناك".
مخاوف كبار السن
تصل إلى وسائل الإعلام حالات مذهلة من كراهية اليهود وتثير انتباه الرأي العام. ولكن توجد جوانب لا تظهر في أي من تقارير الشرطة. إذ إنَّ رئيس القسم الاجتماعي في جمعية الرعاية المركزية لليهود في ألمانيا (ZWST)، إيليا دبوش، يصف في أحدث المعلومات الصادرة عن جمعيته العواقب الملموسة بالنسبة لليهود الأكبر سنًا الذين قدموا إلى ألمانيا من الاتحاد السوفيتي السابق.
ويقول إنَّ 7 أكتوبر/ تشرين الأول والفترة التي تلته "أثارا الكثير من الأفكار والذكريات لديهم: فتجاربهم الخاصة كيهود في الاتحاد السوفييتي قد اتَّسمت بالمذابح والتمييز المنهجي والدعاية السوفييتية المعادية للصهيونية". ويضيف أنَّ لديهم منذ فترة كورونا وثم منذ إرهاب حماس "سلسلة متتالية من القلق والتوتر والعزلة والعجز".
ورئيس جمعية الرعاية المركزية لليهود في ألمانيا هو أبراهام ليرَر، وهو أيضًا عضو في مجلس رئاسة المجلس المركزي لليهود في ألمانيا.
وفي حوار مع DW قال إنَّ الجمعية باتت تواجه تحديات متنوعة جديدة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. ولذلك تم بسرعة بعد الهجمات الإرهابية إنشاء خط هاتف ساخن باللغة العبرية للحديث مع الإسرائيليين في ألمانيا، الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى أقاربهم أو سمعوا عن الرهائن المختطفين أو أنَّهم ببساطة يائسون. وبالتوازي مع ذلك قامت الجمعية - كما يقول - بتوسيع مجال استشاراتها المتخصصة من أجل التعامل مع الحوادث المعادية للسامية في المؤسسات التعليمية (OFEK).
وهو يهتم منذ نهاية عام 2023 بتوفير "مساحات آمنة" - مساحات يمكن الانسحاب إليها من أجل التبادل مع متضرِّرين بأضرار مشابهة. ويقول أبراهام ليرَر البالغ من العمر 70 عامًا، والذي ينتمي إلى المجتمع اليهودي في مدينة كولونيا الألمانية، إنَّه يشارك شخصيًا منذ فترة طويلة في محاربة معاداة السامية. "لكن انفجار كراهية اليهود بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول صدمنا".
ويضيف "كنت اعتقد أنَّنا نجحنا أكثر في الحدّ من معاداة السامية"، لكنه يؤكد أنه يشعر "حقًا بالغثيان" من بعض الأوصاف التي تصله.
أعده للعربية: رائد الباش