اليمن - سيناريوهات ما بعد صالح .. ديمقراطية ممكنة لكن عسيرة
٥ أكتوبر ٢٠١١يعتقد بعض المراقبين للأوضاع في اليمن بأن الربيع العربي هناك ينذر بالتحول إلى شتاء، فمبعوث الأمم المتحدة لليمن جمال بن عمر غادر صنعاء في الساعات الأخيرة بخفي حنين، بعد أن باءت جهوده على مدى أسبوعين لتسوية الأزمة هناك بالفشل. حتى تصريحاته لوكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ) تعكس حالة الإحباط التي وصل إليها، إذ قال إن "لصبر اليمنيين حدود"، مشدداً على أن "وضع اليمن نحو الانتقال السلمي مسؤولية جميع القادة". لكن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح لا يبدو مستعداً للتنازل عن السلطة بعد، بينما ترفض المعارضة قبول أي وساطة إذا لم يتنازل صالح عن السلطة. وفي ظل هذا الصراع يبقى السؤال الملح: إلى أين يسير اليمن؟
"اندلاع حرب أهلية سيناريو محتمل"
الصحفي الألماني والخبير في شؤون الشرق الأوسط، ألبريشت ميتسغر، يرى في حوار مع دويتشه فيله أن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لتطور الوضع اليمني. ويقول: "أولها أن يعلن الرئيس اليمني تنحيه عن السلطة بعد أن يدرك أن التظاهرات المناهضة له لم تفتر وأنها متواصلة. أما السيناريو الثاني فهو أن ينشق قسم كبير من الجيش عن ولائه لصالح وينقلب عليه ويُسقط النظام. أما السيناريو الثالث، وهو الأسوأ، أن تندلع حرب أهلية".
وفي الواقع حذر الرئيس صالح أكثر من مرة من أن تنحيه قد يدفع باليمن إلى انزلاق في دوامة الفوضى وربما اندلاع حرب أهلية، التي بدت السيناريو الأكثر احتمالاً، خاصة عندما تتجدد الاشتباكات في صنعاء بين القوات الموالية للرئيس اليمني وأنصار اللواء محسن الأحمر، الذي انشق عن القوات الحكومية، وقادة قبائل، على غرار الشيخ الأحمر، زعيم قبائل حاشد النافذة.
لكن ميستغر يرى أن بقاء صالح في السلطة قد يغذي هذا الاحتمال بل وقد يؤدي إلى تفكك اليمن، مضيفاً أن "التمرد الحوثي (في الشمال) على السلطة المركزية في صنعاء والحراك الانفصالي الجنوبي ليسا أمرين حديثي العهد ووليدي الأحداث الأخيرة في اليمن."
وبالفعل يرى مراقبون أن الصراع السياسي على السلطة قد تسبب في تراجع سيطرة الدولة على معظم أجزاء اليمن، مما تسبب في إطلاق يد المتمردين الحوثيين والحركات الانفصالية في الجنوب، إضافة إلى متشددي تنظيم القاعدة الإرهابي، بينما يعاني سكان البلاد من نقص في الغذاء والماء والوقود والوظائف.
"تنحي صالح عن السلطة جزء من الحل"
ويؤكد ميتسغر أن نقل السلطة سلمياً في اليمن هو "الحل للحيلولة دون تفاقم الوضع السياسي والإنساني" في البلاد، معتبراً أن بقاء صالح في السلطة يشكل "عقبة رئيسية أمام احتواء الأزمة". ويرى أن عائلة الأحمر والإسلاميين في إطار "التجمع الوطني للإصلاح"، أو الجيش، يمكنها أن تشكل بديلاً لنظام صالح وتقود العملية الانتقالية في البلاد إلى حين تنظيم انتخابات. لكنه شدد في الوقت نفسه على ضرورة إشراك القبائل في هذه العملية الانتقالية، نظراً للتركيبة القبلية الطاغية على المجتمع اليمني.
وحذر الصحفي الألماني في الوقت نفسه من تولي القبائل لهذه العملية الانتقالية لوحدها دون إشراف قوى سياسية فاعلة وممثلة للشعب، موضحاً أن "الولاءات القبلية قد تقف حرجة عثرة في عملية إنشاء أسس ديمقراطية، لأن هذه الولاءات يجب أن تكون للدولة وليس للقبيلة ... يظهر ذلك بوضوح عندما يشارك المواطن في الانتخابات انطلاقاً من ولائه القبلي وليس انطلاقاً من قناعاته السياسية". إضافة إلى ذلك فإن القبائل اليمنية مسلحة وطالما أن هناك قوى غير خاضعة للدولة داخلها وتمتلك السلاح فإن ذلك أيضا من شأنه أن يعرقل العملية الديمقراطية.
ويعرب ميتسغر عن اعتقاده بأن الوضع في اليمن أصعب من تونس ومصر وليبيا، نظراً لعدة عوامل، منها افتقار البلاد إلى الثروات النفطية، التي تتمتع بها ليبيا مثلاً، للمساعدة في احتواء الاحتجاجات الشعبية في البلاد، والتركيبة المعقدة للمجتمع اليمني، بالإضافة إلى الحركات التمردية والانفصالية في الشمال والجنوب. إلا أنه يرى أن "الانتقال نحو الديمقراطية مبدئياً أمر ممكن" في اليمن، غير أنه "سيكون طويلاً ومخاضاً عسيراً".
وعلى الصعيد السياسي يتابع ألبريشت ميتسغر بالقول إن القوى الإقليمية والدولية قد تلعب دوراً مهماً في الحيلولة دون تصاعد التوتر في اليمن، مشيراً إلى "أن الحل قد يأتي تحت تأثير ضغوط خارجية، من دول مجلس التعاون الخليجي أو من الغرب مثلاً، من أجل تشكيل حكومة انتقالية ومن أجل بناء أسس ديمقراطية بشكل حقيقي وفعلي في اليمن".
شمس العياري
مراجعة: ياسر أبو معيلق