النمسا ورئاسة الاتحاد الأوروبي: حلقة وصل بين شرق وغرب أوروبا
٢ يناير ٢٠٠٦تولت النمسا يوم أمس الأحد الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي وسط تراجع تأييد مواطنيها لمشروع الوحدة الأوروبية من ناحية، وتزامن ذلك مع تراكم ملفات سياسية عالقة بداية بتمرير الدستور الأوروبي ومروراً بتحسين العلاقات الأوروبيةـ الأمريكية وانتهاء بإنعاش الاقتصاد في منطقة اليورو. وعلى الرغم من جسامة هذه المهام وصعوبة تحقيقيها على أرض الواقع، إلا أن المستشار النمساوي فولفغانغ شوسل يتعهد بمنح الإتحاد الأوروبي "دفعة جديدة" من خلال اعادة إطلاق النقاش حول الدستور الأوروبي وإدارة عمليات توسيع الإتحاد المستقبلية.
وهذه الأهداف تبدو مهمة صعبة لا سيما بعد العام 2005 الذي شكل نوعا من التهديد لتماسك الاتحاد الأوروبي. واستهل المستشار النمساوي ولفغانغ شوسل هذه الرئاسة بحضور الحفل الموسيقي الشهير الذي يقام في عيد راس السنة في فيينا الى جانب نظيرته الألمانية انجيلا ميركل التي تنتمي مثله إلى الطيف السياسي الأوروبي المحافظ. والى جانب موسيقى الفالس التقليدية لعائلة شتراوس عزفت مقطوعات لموتسارت الذي تحتفل النمسا هذه السنة بذكرى ميلاده الخمسين بعد المائتين. ومساء السبت، وجه شوسل الى النمساويين المشككين بغالبيتهم في الاتحاد الأوروبي رسالة عبر شبكة الانترنت قال فيها: "النمسا تريد أن تكون هذه الرئاسة أداة لتقريب المواطنين والمواطنات من اوروبا وتعزيز الثقة في المشروع الأوروبي. يجب ان تكون أوروبا مفيدة وان تتم حمايتها". وشدد المستشار على "فكرة قارة موحدة ومتنوعة"، وقال "معا نريد إعطاء دفعة جديدة لأوروبا!".
ملفات عالقة ومهام جسيمة
بعد لندن تتولى فيينا رئاسة الاتحاد الأوروبي الذي يعيش أزمة هوية حادة على الرغم من نجاح توني بلير في اللحظة الأخيرة في التوصل الى تسوية حول موازنة الاتحاد لفترة 2003- 2007 من خلال قبوله لخفض الخصم الذي تستفيد منه بريطانيا، لذلك سيتوجب على الرئاسة النمساوية التوصل الى وفاق مؤسساتي مع المفوضية والبرلمان الأوروبيين. والمعروف أن المستشار النمساوي شوسل يؤيد انشاء ضريبة أوروبية ويطالب بـ"تغيرات جذرية" في طريقة تمويل الاتحاد الأوروبي. كما يقترح على الدول الأعضاء زيادة اعتمادات الابحاث العلمية بنسبة 3% من اجمالي ناتجها المحلي، بالإضافة الى اتخاذ "اجراءات لتعزيز النمو وخلق فرص عمل". يذكر في هذا السياق أن على الدول الأعضاء الـ25 أن تقرر هذه السنة مصير التصديق على الدستور الأوروبي الذي بات موضوعا شائكا بعد الرفض المدوي للشعبين الفرنسي والهولندي له خلال استفتائين شعبيين في ربيع 2005.
تقلب في علاقة النمسا مع الإتحاد الأوروبي
يعد الشعب النمساوي من أكثر شعوب دول الاتحاد الأوروبي تشكيكا في المشروع الأوروبي، علما ان اقتصاد بلاده يستفيد بصورة كبيرة من انضمام الدول العشرة الجدد الى الاتحاد عام 2004 وهي معظمها من وسط اوروبا. كما تتميز علاقات النمسا مع الاتحاد الأوروبي، الذي انضمت اليه عام 1995 بالتقلب، فبعد ان تولت رئاسته للمرة الأولى في النصف الاول من العام 1998، عاقبتها الدول الأعضاء الـ14 آنذاك عام 2000 لمدة ستة اشهر بسبب مشاركة الحزب اليميني المتطرف بزعامة يورغ هايدر في الحكومة.
توسيع الإتحاد وإنقاذ الدستور
ومن جانبها أكدت وزيرة الخارجية النمساوية اورسولا بلاسنيك ان توسيع الاتحاد الأوروبي سيكون الاولوية الأخرى للنمسا الواقعة بين غرب أوروبا وشرقها والتي تسعى إلى تعزيز الاستقرار في منطقة البلقان باسم "مشروع السلام الاوروبي". واضطرت النمسا الى القبول ببدء المفاوضات حول انضمام تركيا الى الاتحاد وهو ما ترفضه غالبية الشعب النمساوي، في حين تمكنت من اقناع الدول الاعضاء الآخرين ببدء المفاوضات مع كرواتيا للغاية ذاتها. ومن المتوقع ان تدير النمسا ملف انضمام بلغاريا ورومانيا الى الاتحاد بحلول 2007. كذلك ستستقبل قمة على ارفع مستوى بين اوروبا واميركا الجنوبية في ايار/مايو وربما قمة بين الولايات المتحدة واوروبا بحضور الرئيس جورج بوش. كما ستسعى النمسا في الأشهر الستة المقبلة الى المساعدة في دفع عجلة النمو في غرب أوروبا من جديد وحمل البرلمان الأوروبي المتشكك على الموافقة على ميزانية الاتحاد للفترة بين 2007 و 2013 التي جرى التوصل اليها بصعوبة فضلا عن محاولة انقاذ مسودة الدستور الاوروبي المتعثرة. ومع اقتراب الانتخابات العامة التي ستجرى هذا العام فقد التزم شوسل الحذر والغموض بشأن الأهداف التي تسعى النمسا لتحقيقها من خلال توليها الرئاسة محذرا من الإفراط في التوقعات. وأشار شوسل الذي ينتمي للتيار المحافظ الى أن المخاوف من فقدان السيادة الوطنية أثارت أزمة لأعظم مشروع لإرساء السلام والرخاء في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وقال في الإطار ذاته: "ربما كان هناك بعض العقلانية للاعتقاد بأن القدرات الوطنية تقوض من خلال الوحدة الأوروبية."
النمسا نموذج للنجاح
وفي معرض تعليقه على بدء الرئاسة النمساوية للإتحاد الأوروبي قال رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو انه يشعر بالحيرة ازاء سبب قول أقل من ثلث النمساويين فقط في استطلاعات للرأي ان انضمام بلادهم للاتحاد الاوروبي في عام 1995 عاد عليهم بالنفع رغم أنهم أصبحوا ثالث أغنى أمة في التكتل منذ ذلك الوقت. ونقلت مجلة بروفيل الاخبارية النمساوية عن باروزو قوله أمس الاحد: "ربما تكون رئاسة النمسا مناسبة جيدة لتوضيح مميزات العضوية /اقتصاديا/ بشكل افضل. النمسا كانت المستفيد الاكبر من هذا التوسع." وكان باروزو يشير بذلك إلى جارات النمسا من دول أوروبا الشرقية الشيوعية سابقا التي تملك فيينا استثمارات ضخمة بها. كما شدد على أن "احدى المهام الرئيسية التي ستضطلع بها فيينا تتمثل في إعطاء دفعة لمسعى المفوضية لجعل اقتصاد الاتحاد الاوروبي الاكثر قدرة على المنافسة عالميا بحلول عام 2010." وأنه "لابد من نجاح قمة ستعقد في مارس / اذار بخصوص هذه القضية بحيث يرى المواطنون الأوروبيون أن توجهاتنا فعالة على أرض الواقع وليست مجرد ثرثرة"