الموت يتهدد حياة أول سجين رأي في مصر بعد الثورة
٢ سبتمبر ٢٠١١في إطار اليوم العالمي للتضامن مع أول سجين رأي في مصر بعد اندلاع الثورة التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك، تجمع عشرات الناشطين أمام نقابة الصحفيين في القاهرة وفي الميادين في مدن مصرية أخرى، للمطالبة بالإفراج عن مايكل نبيل سند ( 26 عاماً) الذي حكمت عليه محكمة عسكرية في أبريل/نيسان 2011 بالسجن ثلاث سنوات. وجاءت هذه المبادرة بدعوة من المنظمة العالمية لمناهضة الحروب، التي خصصت الثاني من سبتمبر/أيلول للدفاع عن مايكل نبيل وحقه في ممارسة حريته في التعبير عن رأيه طالما يعبر عنه بطريقة سلمية، بعد أن أعلن مايكل إضرابه عن الطعام منذ 23 أغسطس/آب وتلاه إضرابه عن الشراب وتناول دواء القلب في الثلاثين من الشهر نفسه.
وفي هذا السياق تقول المتحدثة باسم المنظمة سحر ماهر في مقابلة خصت بها دويتشه فيله إن فكرة الحملة هي الدفاع عن كل سجين رأي وعن كل المدنيين الذين يحاكمون أمام محاكم عسكرية، وأضافت أن مايكل هو الوحيد الذي سجن بسبب آرائه، وأن هناك أشخاص وجهت إليهم اتهامات أو تم استدعاؤهم من قبل المجلس العسكري مثل بثينة كامل وأسماء محفوظ وريم ماجد ولؤي نجاتي، لكنه تم الإفراج عنهم، على عكس مايكل نبيل الذي حكم عليه بشكل سريع.
"هل قامت الثورة حقاً؟ "
وترجع الناشطة الحقوقية هذا الأمر إلى كون مايكل أطلق منذ عامين حملة "لا للتجنيد الإجباري" وأنه يتعرض منذ ذلك الوقت لاضطهاد واضح، على حد قولها. ويوافقها الرأي الناشط والمدون كريم عامر، وأحد المشاركين في تنظيم حملة المساندة لمايكل، ويضيف: "لقد حكم على مايكل لأنه فضح تجاوزات الجيش، وهذه هي التهمة التي وجهت إليه". كريم عامر، الذي قضى أربع سنوات في السجن بسبب ما نشره على مدونته في عصر مبارك، يتعاطف مع مايكل بشكل شخصي، ويضيف: "أنا متعاطف معه لأني تعرضت لتجربة مشابهة، وإن كنت قد حوكمت أمام محكمة مدنية، أما هو فإنه معتقل بسبب آرائه وتعرض لمحاكمة عسكرية استثنائية لا توفر له أي ضمانات أو حقوق وحكمها نهائي ونافذ".
في هذا الإطار يتهم مارك نبيل، شقيق مايكل في حديث مع دويتشه فيله، المجلس العسكري بالقيام بإجراءات تعسفية ضد شقيقه، مشيراً إلى أن جلسات المحاكمة كانت تتم بشكل مفاجئ، ولم يسمح لمحاميه بالتواجد في الوقت المناسب في قاعة المحكمة، وأن الحكم عليه تم بعد إبلاغ محاميه وأسرته أن الجلسة قد تأجلت، ويضيف أنه تم تقليل عدد الزيارات لمايكل رغم أنها حق مكفول لبقية المساجين، بالإضافة إلى عدم الالتفات للالتماسات المتعددة التي يتقدم بها، ولا يعرض على طبيب رغم حالته الصحية المتردية. ويرجع مارك هذا التعنت إلى كون مايكل أول من انتقد الجيش، حيث حذر في مدونته "الجيش والشعب عمرهم ما كانوا إيد واحدة" من أن يسرق الجيش الثورة. ويتساءل مارك: "لو كان الجيش يدعم الثورة فلماذا يمنعنا الآن من التجمع في ميدان التحرير؟".
ومن جانبه، يعبر كريم عامر عن إحباطه من هذا الحكم، لأنه جاء بعد الثورة التي كان من المفترض أنها وفرت المزيد من الحريات، وهو بالتالي لا يفهم لماذا يتم التعامل مع المعارضين بنفس طريقة النظام السابق ويضيف: "هناك خطأ ما فيما يحدث.. هل قامت الثورة أم لم تقم؟"
من ناحية أخرى، يتهم مارك المجلس العسكري بأنه يحاول تشويه صورة مايكل من خلال نشر إشاعات تقول بأنه "عميل إسرائيلي" و"سافر إلى إسرائيل عدة مرات" كما جاء في تقارير صحافية، لأنه كتب في مدونته عن الديمقراطية في إسرائيل. وكان أحد المتحدثين باسم المجلس العسكري قد صرح لقناة أون تي في الخاصة أنه لم يتم توجيه تهمة العمالة لمايكل بسبب صغر سنه. لكن مارك ينفي هذه التهم مشيراً إلى أن أخاه لم يسافر أبداً إلى إسرائيل ويتهم هذه التقارير الصحفية بعدم الدقة.
وفي هذا السياق، تضيف سحر ماهر أن هناك محاولات لتوجيه الرأي العام لقضية جانبية لتناسي القضية الأساسية، وتروي أنها أثناء زيارتها لمايكل في السجن، سمعت تعليقاً من جندي بسيط يقول: "أليس هذا هو الجاسوس الإسرائيلي؟" وتضيف: "كونه شخصاً محباً للسلام ويرفض الحرب في المطلق ويطالب بالسلام مع كل الدول لا يعني أنه عميل". وترى سحر أن الشعب المصري "تربى على كره إسرائيل بسبب أو بدون سبب. ولا يعرفون كيف يفرقون بين الشعب والحكومة"، وتوضح قائلة إن هناك محاولة لاستغلال هذه النقطة الحساسة لدى الشعب المصري لتحويل مسار القضية إلى مسار مختلف، وهذا أمر غير عادل "لأن القضية قضية إنسانية في المقام الأول، فهي قضية شخص سجن من أجل آرائه وحوكم عسكرياً رغم كونه مدنياً".
الاختلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية
ويرى كريم عامر أنه ليس من الممكن محاكمة مايكل على مدحه لإسرائيل لأن الموقف الرسمي للدولة هو السلام مع إسرائيل والتطبيع معها. ويستشهد بما كتبه مايكل نفسه على مدونته: "عندما قام السادات بمعاهدة السلام كان قرارا استراتيجيا حكيماً وعندما تحدث مايكل عن السلام كان عميلاً". ويشدد المدون الشاب على أن الرأي-حتى لو كان رأياً متطرفا- يجب أن يتم الرد عليه برأي وليس بالمحاكمة أو الحبس. ورغم عدم اتفاقه مع كثير من آراء مايكل، إلا أنه يدافع عنه ويقول في هذا الإطار: "هناك الكثير من الخلافات بيني وبين مايكل بسبب آرائه، لكن الوقت الحالي ليس الوقت المناسب لمناقشة هذه الآراء. فهناك إنسان يمكن أن يموت في أي لحظة بسبب تعنت الجيش".
"ليبرالى، علمانى، رأسمالي، نسوى، مناصر للغرب، منحاز لإسرائيل، ملحد، مادى، واقعى، مناصر للعولمة، معادى للختان، معادى للتجنيد الإجباري"، هكذا يصف مايكل نبيل نفسه على مدونته، الأمر الذي يفقده تعاطف كثيرين،. لكن مواقفه من إسرائيل لم تكن السبب في محاكمته، فالتهم الموجهة إليه هي "الإساءة للمجلس العسكري ونشر أكاذيب عنه"، وهو ما توضحه سحر قائلة :"هناك فجوة بين ما يكتبه وبين الناس، لكن الأهم هو أننا نحاول أن نوضح للناس أنه بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه فهو مدني يحاكم عسكريا وهو ما نرفضه".
وتشير سحر إلى أن كثيراً من الإعلاميين كانوا يرفضون التضامن معه "خوفاً على شعبيتهم"، لكنهم قاموا بضغوط دولية للتأثير على الإعلام المصري، كما قاموا بتنظيم وقفات احتجاجية أما المهمة الأصعب فكانت الوصول للرأي العام، كما تقول. وتشير إلى أن هناك تنسيقاً مع عدد من الناشطين على رأسهم حركة "لا للمحاكمات العسكرية"، كما أن عدداً من المنظمات الحقوقية أرسلت مناشدة الجيش للإفراج عنه، خاصة وقد دخل مايكل في غيبوبة بعد أن أضرب عن الماء والدواء.
سمر كرم
مراجعة: عارف جابو