مقترح شراكة أوروبا مع تونس يثير المخاوف بشأن حقوق الإنسان
١٦ يونيو ٢٠٢٣قد تحدد الأسابيع القادمة ملامح مستقبل العلاقات بين الاتحاد الاوروبي وتونس، فخلال الأسبوعين المقبلين وقبل انعقاد قمة الاتحاد الأوروبي أواخر يونيو / حزيران سوف يتعين على الرئيس التونسي قيس سعيد أن يقرر ما إذا كان سيقبل "برنامج الشراكة" الذي اقترحته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
قبل أيام اقترحت فون دير لاين حزمة مساعدات اقتصادية بقيمة 900 مليون يورو (971 مليون دولار) لتقديمها إلى تونس فضلا عن 150 مليون يورو أخرى في صورة مساعدات فورية لدعم ميزانيتها و 105 ملايين يورو أخرى لإدارة الحدود ومكافحة أنشطة التهريب مع التركيز على مكافحة الهجرة السرية، وهو ما يسلط الضوء على الدور الذي قد تلعبه تونس كحارس للبوابة الجنوبية لأوروبا.
وفي مقابلة مع DW، يرى حمزة المؤدب الباحث المقيم في تونس في مركز كارنيغي للشرق الأوسط أن الحزمة الأوروبية المقترحة سوف تعمل على "استقرار الاقتصاد التونسي"، لكنه قال إن الاتفاق مرتبط "بتعاون تونس الكامل في قضية الهجرة بما يشمل إعادة المهاجرين الذين رُفضت طلبات لجوئهم (في أوروبا) سواء من تونس أو بلدان جنوب الصحراء".
ويأتي الاقتراح بعد أيام من إعلان دول الاتحاد الأوروبي عن توصلها لاتفاق حول تقاسم مسؤولية رعاية اللاجئين والمهاجرين بما يقضي وجوب تقاسم الأعباء المترتبة جراء ذلك، وهذا ما يمهد الطريق أمام السماح لإيطاليا بترحيل طالبي لجوء ومهاجرين إلى دول مثل تونس.
مآسي عمليات تهريب المهاجرين
وبسبب قربها من السواحل الإيطالية كونها لا تبعد عنها سوى 150 كيلومترا، أصبحت تونس مركزا رئيسيا للمهاجرين القاصدين أوروبا حيث أفادت وزارة الداخلية الإيطالية بوصول قرابة 54 ألف مهاجر قادمين من الشواطئ التونسية منذ بداية العام الجاري، ما يشكل ضعف عدد العام الماضي إجمالا.
وكان وصول هؤلاء بفضل شبكات المهربين الذين يخاطرون بحياة المهاجرين لتحقيق مكاسب مالية رغم المآسي التي ترافق عمليات التهريب. فخلال العام الماضي 2022 توفي 3789 شخصا، أي بزيادة 11 بالمئة عن العام الذي سبقه، وفقا للبيانات الصادرة عن "مشروع المهاجرين المفقودين" التابع للمنظمة الدولية للهجرة.
وخلال زيارتها إلى تونس، قالت فون دير لاين الإثنين (13 مايو / أيار) إن "من مصلحتنا المشتركة كسر نموذج عمل مهربي البشر. إنه لأمر مروع أن نرى كيف يخاطرون عمداً بالأرواح البشرية من أجل الربح".
بدورها، تقول هايكه لوشمان، مديرة مكتب تونس في مؤسسة "هاينريش بول" الألمانية، إن "نية معالجة شبكات المافيا الضخمة في إطار جهد منسق هو أهم إعلان من وجهة نظري". وفي مقابلة مع DW، أضافت: "آمل أن يكونوا ملتزمين بصدق، لكنني أخشى أن تكون مكافحة عمليات تهريب البشر واستعباد المهاجرين والتربح منهم عالية التكلفة .. مثل هذا الجهد يحتاج إلى معالجة قضايا في بلدان المنشأ وإلى محاربة المافيا في أوروبا كذلك".
يعد محمد حامد وهو لاجئ سوداني ينتظر تأشيرة دخول إلى الاتحاد الأوروبي من بين المشككين في أن المقترح الأوروبي سوف يحسن وضع المهاجرين واللاجئين في تونس. وقال في مقابلة مع DW "من المؤسف أنه مهما كان شكل الاتفاق بين تونس والاتحاد الأوروبي، فإن المهاجرين واللاجئين هم الخاسر الأكبر".
ضغوط اقتصادية
في سياق متصل، قال المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو منظمة حقوقية غير حكومية، إن تفاصيل المقترح الأوروبي ليست جديدة. وفي مقابلة مع DW، قال الناطق باسم المنتدى رمضان بن عمر إن الجانب الأوروبي قدم عرضا مشابها عام 2014، مضيفا بأن "تونس رفضته في ذلك الوقت لكن الأمر عاد إلى الواجهة الآن بهدف محاربة عمليات الهجرة غير النظامية عن طريق تقديم مساعدات إلى للحكومة التونسية".
ومع ذلك، فإنه من المرجح أن يكون الرئيس التونسي أكثر استعداد للانخراط في هذا الأمر حاليا مقارنة بما كان الأمر عليه عام 2014 عندما كان يُنظر إلى تونس وعلى نطاق واسع على أنها تجربة ديمقراطية ناجحة في أعقاب موجة الربيع العربي.
يشار إلى أن الاقتصاد التونسي يئن تحت وطأة حالة تدهور سريع ما دفع وكالة فيتش للتصنيف الائتماني إلى تصنيف الديون التونسية إلى "منطقة غير المرغوب فيها" ما يعني أنها تواجه مخاطر حقيقية تتمثل في التخلف عن سداد قروضها مما قد يؤدي إلى انهيار منظومة المالية العامة للدولة.
بيد أن المقترح الأوروبي قد يغير قواعد اللعبة الاقتصادية، لكن الحصول على المساعدات الأوروبية لن يكون بالأمر السهل إذ يجب على قيس سعيد في بادئ الأمر التغلب على عقبة أخرى تتمثل في ارتباط مقترح الاتحاد الأوروبي بمصير برنامج الائتمان بين تونس وصندوق النقد الدولي بقيمة 1.7 مليار يورو. وتعثرت الصفقة منذ أشهر بعد أن رفضها الاتحاد العام التونسي للشغل والرئيس قيس سعيد. وفيما يخص صندوق النقد الدولي قال الرئيس إنّ "الإملاءات التي تأتي من الخارج وتؤدّي لمزيد من الفقر مرفوضة".
مهاجرو جنوب الصحراء غير مرحب بهم
في غضون ذلك، انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش اتفاق الهجرة المقترح، إذ قالت لورين سايبرت، الباحثة في قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين في المنظمة، إن هناك "إشكالية تتمثل في سعي الاتحاد الأوروبي للحد من عمليات الهجرة غير النظامية من تونس".
وفي مقابلة مع DW، أضافت "لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده ولكل فرد الحق في طلب اللجوء. والسعي لمنع الناس من المغادرة يمثل انتهاكا لهذا الحق". وأضافت أن "الاتحاد الأوروبي ينفق بالفعل ملايين اليورو منذ سنوات بهدف دعم ما يُطلق عليه إدارة الهجرة التي تعني في الأساس مراقبة الهجرة وضبط الحدود في تونس."
وتخشى سايبرت من أن الاتفاق المقترح من الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى تعزيز قوة "عناصر الأمن التونسي خاصة الشرطة وخفر السواحل، وكلاهما ارتكب انتهاكات جسيمة ضد المهاجرين وطالبي اللجوء".
جنيفر هوليس و طارق القيزاني/ م. ع