المساواة في الإرث - آخر طموحات المرأة التونسية أم استثناء لا تغيير فيه؟
١٦ ديسمبر ٢٠١٠لا يزال الجدل في تونس قائما منذ عدة سنوات حول قضية مساواة المرأة و الرجل في الإرث. ذلك أن المرأة التونسية وعلى الرغم من الحقوق الواسعة، التي تتمتع بها مقارنة بأخريات في العديد من الدول العربية والإسلامية، إلا أن قانون الإرث المستمد من الشريعة الإسلامية لم تشمله تعديلات مجلة الأحوال الشخصية الصادرة عام 1956. ومنذ سنوات تطالب جمعيات نسائية وحقوقيون بتعديل هذا القانون ليتوافق مع المواثيق العالمية لحقوق الإنسان، لمطالبة أيضا بالمساواة بين الجنسين. ومن بين هؤلاء المحامي والحقوقي التونسي فتحي المولدي، الذي دعا إلى ضرورة إعادة النظر في مسألة توزيع الميراث بين الذكر والأنثى وإلى مراجعة بنود مجلة الأحوال الشخصية لتنال المرأة نفس القدر من المساواة والعدل في مسألة الإرث من وجهة نظر قانونية.
الشريعة ومسألة المساواة في الإرث
بيد أن دعوة رجل القانون فتحي المولدي قد قوبلت بتحفظ شديد من قبل البعض، على غرار الإعلامية، كوثر العربي التي ترفض مناقشة نصوص مستمدة من الشريعة الإسلامية، وهي تعني بذلك ما جاء في القرآن: "وللذكر مثل حظ الأنثيين". وتؤكد كوثر في حديث لدويتشه فيله :"مادام قد نص القرآن على أن المرأة ترث نصف مناب الرجل، فإن هذا العدل صالح لكل زمان و مكان و لا يمكن بأي شكل من الأشكال مخالفة النص القرآني لأي سبب من الأسباب". وتضيف: "مهما طرأ على المجتمع التونسي من تغيرات جعلت المرأة شريكا في العمل و في الدورة الاقتصادية فإن تونس تظل بلدا مسلما تحكمه الشريعة الإسلامية".
لكن كوثر العربي تعد في تونس من الأقلية، التي لا زالت تؤيد عدم التكافؤ في قضية الميراث. ذلك أن رجالا تونسيين متزوجين أصبحوا مقتنعين أيضا بضرورة مراجعة تقسيم الإرث، إذ يقول مجيد وهو موظف بأحد البنوك، لدويتشه فيله: "لدي ابنة و فتى و لا فرق عندي بين هذا أو ذاك و مع أنهما مازالا صغيرين لأخوض في مسألة الإرث، لكني انوي قسمة ثروتي الصغيرة بينهما بالتساوي حتى لا أظلم أحدهما." ويقول إبراهيم بوراس، الذي يملك شركة للإنتاج،:"من غير المعقول أننا مازلنا نتحدث عن حظ أقل للمرأة في الميراث، لا فرق عندي بين ذكر و أنثى."
"تكريس التمييز ضد المرأة"
مساواة المرأة بالرجل في الإرث يعد من التغييرات التي لطالما طالبت بها الجمعية التونسية "النساء الديمقراطيات"، التي ترى في قانون الإرث الجاري العمل به حاليا في تونس "تكريساً للتمييز ضد المرأة". وكانت الجمعية قد وقعت قبل عشرة أعوام، أي منذ انطلاق حملتها المنادية بإقرار المساواة في الإرث، على عريضة وطنية تنادي بفتح الحوار حول الإرث وإقرار المساواة بين الجنسين في هذه المسألة، لكن مطالبها قوبلت برفض وانتقادات واسعة واتهام بالخروج عن النصّ الديني وبالتطاول على أحكام الشريعة. وتقول المحامية و الحقوقية سعيدة بن القراش، عضوة في جمعية النساء الديمقراطيات، لدويتشه فيله: "المساواة في الإرث مطلب ملح في الوقت الراهن، حيث لا يمكن إنكار تنامي المساهمة الاقتصادية للنساء في تنمية الثروات العائلية سواء بالعمل الخالص الأجر أو بإدارة و تدبير الشأن الاقتصادي العائلي." وتضيف الأستاذة القراش : "هل يعقل قبول فكرة اللامساواة في الإرث والحال أنه في أحيان كثيرة تكون النساء هن مصدر الثروة". وتتساءل أيضا: "هل يعقل أيضا الإبقاء على قاعدة اللامساواة في الإرث أمام حالات كثيرة، حيث تكرس الزوجة عمرها من أجل التوفير لاقتناء منزل وتتكبد عبء القروض البنكية وغيرها لتجد نفسها آخر عمرها في الشارع بسبب أعمال قواعد الإرث؟ هل هذا عدل؟".
مطالب لم تجد بعد آذانا صاغية
مطالب جمعية النساء الديمقراطيات لم تجد حتى الآن آذانا صاغية، إذ لم يصدر عن السلطة السياسية الحالية في تونس أي قرارات أو مواقف بشأن المساواة في الإرث بين الجنسين. وكثيرا ما تواجه كل المطالب بصمت سياسي كبير بعكس ما تثيره المسالة من جدل واسع داخل المجتمع التونسي. يذكر أن الرئيس التونسي السابق، الراحل الحبيب بورقيبة، قد حاول في العديد من المناسبات حسم الأمر باعتماد النص القرآني، غير أنه لم يتوفق في إيجاد فتوى مقنعة قادرة على أن تخضع الناس لقانون يسمح بالمساواة في الإرث بين الجنسين، وفق ما نقل مقربون عن بورقيبة.
من جهتها، ترى الباحثة الاجتماعية رجاء بن سلامة في حديث لدويتشه فيله :"أن الإرادة السياسية لتعديل قانون الإرث منعدمة"، لافتة إلى أنه "بالإمكان مساواة المرأة بالرجل في الإرث دون الدخول في تناقض مع الشريعة الإسلامية"، مثل ما كان عليه الأمر عندما تم حظر تعدد الزوجات مثلا في تونس. و في سؤالنا لها عن سبب تكتم السلطة و غياب إرادتها في تشريع المساواة في الإرث بين المرأة و الرجل، قالت الدكتورة رجاء بن سلامة إن "تونس تواجه ضغوطات من بلدان عربية إسلامية مجاورة مازالت تستنكر ما حققته المرأة في تونس من تحرر" وأنه في حال اتخاذ خطوة مماثلة قد يؤدي ذلك إلى "إغضابها". و تلفت بن سلامة إلى أن الممارسات على أرض الواقع "توحي بأن هناك مساواة بين الأبناء في تقسيم الإرث"، مؤكدة في الوقت نفسه أن "التشريع سيأتي حتما حين تتوفر الإرادة لدى نواب البرلمان بوصفهم همزة الوصل بين الشعب و السلطة التشريعية و التنفيذية".
مبروكة خذير- تونس
مراجعة: شمس العياري