المثلث الألماني – عندما تلتقي شاعرية الراين بجمال الموزل
٢٤ أغسطس ٢٠١٠
في الأيام الصيفية يمتلئ مرآب الباصات في مدينة كوبلنز الألمانية عن آخره منذ الصباح الباكر، وتتلألأ مياه الراين والموزل تحت أشعة الشمس. وتحت سماء صافية زرقاء يبدو تمثال فارس من فوق الأشجار وكأنه يتمايل مع نسمات الصيف: إنه القيصر فيلهلم الأول، يبدو وكأنه يحي زوار المدينة من بعد، ومن على علو 37 مترا. ولا يوجد ما يعكر صفو الجو الشاعري سوى ضجيج أعمال البناء، بينما يقوم عازف أرغن متجول باستقبال حشود السياح بموسيقاه على ضفاف الراين. هؤلاء يقصدون المنطقة بشتى الوسائل، قادمين من شتى أنحاء العالم، مستخدمين السيارة أو الطائرة، أو الباص، أو حتى سيرا على الأقدام.
"نحن قادمون من فوهان ونقوم بجولة عبر أوروبا، هنا على الراين الجو بالغ الهدوء ورائع الجمال"، تقول أسرة صينية من مكونة من ثلاثة أفراد. وهناك مجموعة سياح إنجليزية نزلت لتوها من إحدى السفن العديدة، التي تجوب نهر الراين، في رحلة عبر أكثر الأنهار ألمانيةً. كلهم متحمسون. وهناك أيضا سياح من إسرائيل "كنا في باريس وهولندا ونريد الآن انطلاقا من هنا السفر عبر طريق النبيذ "فاين شتراسه" (Weinstraße) وصولا إلى الغابة السوداء" كما يقول أب أسرة.
تمثال القيصر فيلهلم – قبلة للسياح رغم أنه مثير للجدل
المثلث البري الألماني الممتد في نقطة التقاء الراين بنهر الموزل والتي تسمى "دويتشه إك" (das deutsche Eck) هو عبارة عن منطقة شاعرية، على شكل رأس ممتد داخل المياه ويطل على النهرين، على يساره يقع مكان لمخيمات السياح، وعلى يمينه تشمخ قلعة إيرينبرايتشتاين، التي يمكن الوصول إليها بواسطة القطار المعلق، ويتوج المكان بكل معنى الكلمة بتمثال فارس عملاق، يبدو أن البعض يجهل تاريخه. "الفارس يبدو جريئا"، تقول سائحة هولندية، وآخرون يحاولون أن يبحثوا في المعلومات المتوفرة لديهم عما إذا كانوا يعرفون شيئا ما عنه، ودراج قدم من مدينة إيسن يقول بإعجاب: "في مدينتا تمثال مماثل، لكنه أصغر بعض الشيء".
من يريد أن يعرف من هو القيصر فيلهلم ما عليه إلا التوجه إلى عازف الأرغن "عرفت هذا التمثال قبل نصبه في هذا المكان"، كما يقول. ويضيف: "الحصان دمر بالرصاص في آخر أيام الحرب عام 1945. واستخدم عندئذ ما تبقى منه لصنع كابلات للحافلة الكهربائية، وكان الحصان المدمر مصنوعا من النحاس الصافي، أما الجديد فهو من البرونز."
واستخدمت القاعدة الفارغة للتمثال كنصب تذكاري للوحدة الألمانية، وهو الشيء الذي فقد معناه بعد سقوط جدار برلين، لكن من كان يظن أنه سيتشكل بعد سقوط غير مجيد للقيصر والرايخ تحالف بين المخلصين للقيصر؟ في مطلع التسعينات سعت مجموعة ملتفة حول زوج من الأثرياء من أجل إعادة بناء تمثال الفارس القيصري، وأثار ذلك عندئذ ضجة كبيرة في المدينة، وكما تقول صاحبة كشك إنها لا تستطيع حتى الآن فهم ذلك "فذكرى القيصر لم تعد تتناسب فعلا مع العصر الحديث".
جارها، الذي يعزف على الأرغن، يعبر بشيء من الغضب عن رأي آخر ويقول: "بعد أن تم إعادة ترميم التمثال بكثير من المال والجهد وإعادة لحمه فوق القاعدة، منع الخضر نصبه في مكانه القديم. "وتلا ذلك محاكمات استغرقت سنوات طويلة، وعندما أمكن إعادة نصب التمثال في مكانه كان الرجل الذي تبرع بالتكاليف قد توفي". واليوم تحول التمثال الذي كان موضع خلاف وجدل إلى مادة تجتذب السياح بأعداد ضخمة.
قصر نوي شفانشتيان – شهرة عالمية
أما بالنسبة إلى الضجيج، الذي يشوش بعض الشيء على سحر المكان، فينبعث من أعمال البناء التي تتم من أجل التحضير لمعرض الحدائق الوطني الذي يقام في كوبلنز عام 2011، ولا يبدو على الزوار أنه يسبب لهم أي إزعاج.
في غالب الأحيان تنتهي الجولات الأوروبية للسياح الأجانب بجولة في الراين وقلاعه، ثم تنتهي الرحلة في كوبلنز، ومن هناك يعود الكثيرون إلى الوطن من مطار فرانكفورت القريب. لذلك يشتري السياح في محطتهم الأخيرة كوبلنز القطع التذكارية بسرعة وبكل سخاء، وينفق كل زائر نحو 300 يورو، كما تقول صاحبة محل لبيع القطع التذكارية بشي من الارتياح. كما لها الكثير من حكايات السياح: "السراويل الجلدية وقصر نوي شفانشتاين (Neuschwanstein) هو أول شيء يعرفه السياح القادمون من وراء البحار، من أمريكا وأمريكا اللاتينية وأستراليا ونيوزيلندا، وهم زاروا أيضا قصر نوي شفانشتاين الأثري، لهذا لدينا هنا الكثير من الأشياء حول هذا القصر، ونبيع منها كميات كبيرة": ثم تطلق في نهاية حديثها العبارة المتعجبة: "ماذا كان قد حدث ياترى لو عرف القيصر فيلهلم أن ملكا أسطوريا بافاريا جرده من مكانته، حتى لو كان ذلك قد تم على يد صائدي القطع التذكارية؟"
كورنيليا رابيتس/منى صالح
مراجعة: شمس العياري