اللاجئون بين مخاطر الطريق والبحث عن وطن آمن
١ أكتوبر ٢٠١٠يغادر الكثيرون أوطانهم طواعية باحثين عن حياة جديدة في مكان آخر غير الذي يقيمون فيه. وهذا أمر طبيعي تسيره فطرة الإنسان الذي يرغب في تحسين أوضاعه بالبحث عن الأفضل سعيا منه للوصول إلى غايته المنشودة. وهذا ما يطلق عليه بالهجرة من مكان إلى آخر. إلا أن الكثيرين يغادرون أوطانهم بالقوة، مكرهين على ترك الديار والأهل والوطن بحثاً عن الأمان والطمأنينة المنشودة في بلد آخر، أو ربما هرباً من خطر محدق بهم يدفعهم إلى اللجوء لمكان ما طلباً للحماية. أو ربما يضطرون إلى اللجوء من داخل اوطانهم. ويخوض البعض منهم حرباً ضد قوانين الطبيعة وحتى ضد أنفسهم لغرض بلوغ الهدف المرجو. ولعل البعض ينهار تحت الضغوط أو يفقد حياته ثمناً لمغامرة كان عليه خوضها.
طريق ملفوف بالمخاطر
تواجه اللاجئ تحديات كبيرة منذ اللحظة الأولى لاتخاذ قرار الهروب من الوطن متجهاً إلى هدفه. وأولى هذه التحديات هو الطريق الذي يجب عليه سلوكه للوصول إلى الوطن الجديد الذي يمنحه الأمان. فهناك من يعبر البحار والمحيطات مواجهاً خطر الغرق والنسيان في أعماقها. وهناك من يجتاز الغابات الكثيفة، مثل تلك التي تمتد في شرق أوربا. معرضاً نفسه لخطر الضياع فيها أو ربما القتل من قبل المهربين وعصابات المافيا، ليدفن تحت شجرة ما ويبقى قبراً لمهاجر مجهول الاسم في تلك الغابة الباردة. كما يصف ذلك احمد من العراق، الذي اضطر إلى عبور آلاف الكيلومترات مستخدماً كل وسائل النقل الممكنة، وأحياناً اضطر لعبور الحدود من بلد إلى آخر مشياً على الأقدام لمئات الكيلومترات، وقول احمد :" عبرنا من تركيا إلى اليونان عن طريق مهربين مختصين، دفعنا لهم أجرة العبور وكانت 500 دولار. انتقلت بعدها إلى العاصمة أثينا، حاولت بلوغ ايطاليا عن طريق البحر إلا أن الأمر كان غير ممكن. مما دفعتني الظروف إلى العبور عن طريق مهرب أيضا إلى ألبانيا ومن ثم إلى يوغسلافيا سابقة".فأحمد الذي يقول إنه ما دفعه إلى عبور البحار و الغابات كان سببه " ظلم النظام العراقي السابق و القمع الذي كان يمارسه ." ويكمل احمد قصته التي تنتابه رغبة شديدة بنسيانها من شدة معاناة الطريق وحتى وصوله إلى ألمانيا والتي استغرقت عامين بالقول:" لم نكن نشعر بالحياة هناك، كان على المرء أن يخضع إلى سلطة النظام، وإذا ما رفض ذلك، فان مصيره ومصير أهله هو النهاية". ويعيش احمد منذ أكثر من عشرة أعوام في ألمانيا، وهو الآن متزوج ولديه طفل رضيع، يخاطبه مازحاً بين الحين والآخر قائلاً :" لا تدري كم عانيت حتى وصلت إلى هنا، أما أنت فانك تفتحت عيناك تحت ظل الأمان من دون مشقة تذكر".
لاجئون بالولادة
وليست كل قصة لجوء تنتهي بنهاية سعيدة، فهناك الكثير ممن ضاقت بهم الأرض لتضطرهم الظروف أن يكونوا لاجئين في داخل أوطانهم، كما هو الحال في إقليم دارفور في السودان، أو الكثير من العراقيين الذين دفعتهم أحداث ما بعد 2003 إلى ترك ديارهم نتيجة الحرب الأهلية غير المعلنة. ولعل اللاجئين الفلسطينيين هم خير مثال على كل أنواع اللجوء، فالكثير منهم انتشروا في كل بقاع الأرض. ومنهم من لجأ إلى البلدان المجاورة ومنهم من اضطر إلى اللجوء داخل الأراضي الفلسطينية، كما هو حال لاجئي مخيم جباليا في قطاع غزة. إذ يقول الصحافي الفلسطيني سامي أبو سالم الذي ولد لاجئاً لينضم إلى قائمة من يسمون بلاجئ الجيل الثاني من الفلسطينيين :"أنا لاجئ في وطني، أنا لا شعر أني في وطني، فانا لا اسكن ارضي ولا وبيتي. اشعر أن هناك امتهان لكرامتي، أن اضطر للعيش خارجي ارضي وبيت، أنا لا أعيش في المكان الذي أريد، بل في مخيم جباليا رغماً عن انفي. واحمل بطاقة لاجئ رغم أني في غزة ومسجل في الاونروا".
ويحاول سامي، المولود لاجئا،ً تعريف نفسه كلاجئ بالقول:" اللاجئ من يعيش في مكان مخصص له رغماً عن انفه وبعيداً عن بيته". أما اغرب ما يكون حسب تعبيره فهو التطور الخطير، حين يتغير المكان وتتغير الأشكال ولكن المضمون يبقى نفسه، إذ يضيف:" لقد أصبحت الخيمة بيتاً والمخيمات مدناً عامرة، إلا أننا مازلنا جميعاً لاجئين".
العراقيون والأفغان في قمة عدد طالبي اللجوء
وحسب آخر إحصائيات منظمة الأمم المتحدة لشئون اللاجئين فان هناك ما يقارب 42 مليون لاجئ حول العالم، وتشير أيضا إلى أن هناك ما يقارب الأربعمائة ألف طلب لجوء جديد، حسب إحصائيات عام 2009. وتتوزع معظم طلبات اللجوء بين شطري المحيط الأطلسي، حيث احتلت الولايات المتحدة الأميركية المرتبة الأولى في عدد طلبات اللجوء، لتليها فرنسا ثم كندا والمملكة المتحدة. أما المرتبة الخامسة فتحتلها ألمانيا، حيث وصلت طلبات اللجوء المقدمة لألمانيا في عام 2009، إلى 27.600 طلب لجوء. ويبدو أن حوالي نصف عدد طلبات اللجوء تأتي من قارة آسيا. ولأفغانستان والعراق حصة الأسد منها، حيث يحتل كل منهما السبعة بالمائة من عدد طالبي اللجوء حول العالم.
عباس الخشالي
مراجعة: يوسف بوفيجلين