الفقر ينهش الأفغان.. البعض قالوا إنهم اضطروا لبيع أطفالهم
٢٠ نوفمبر ٢٠٢١
في الوقت الذي تسعى فيه طالبان إلى الحصول على اعتراف دولي بعد استيلائها على السلطة في منتصف أغسطس / آب، لا يزال الفقراء في هذا البلد الذي مزقته الحروب.
وقد سلط تقرير حديث نشرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) الضوء على تفاقم الأزمة في أفغانستان إذ ذكر التقرير أن "جائحة كورونا وأزمة الغذاء المستمرة وقرب فصل الشتاء قد أدت إلى تفاقم ظروف الأسر (الأفغانية)".
وأضاف التقرير أنه "في عام 2020، كان قرابة نصف سكان أفغانستان في حالة فقر لدرجة أنهم كانوا يفتقرون إلى الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء ومياه الشرب النظيفة".
لكن مع سيطرة طالبان على زمام الأمور، تفاقمت الأزمة أكثر ما دفع بعض الآباء إلى الإقدام على بيع أطفالهم كما كان الحال مع محمد إبراهيم الذي يعيش في كابول، إذ لم يجد أي خيار سوى بيع طفلته الجميلة التي لم تتجاوز عامها السابع لسداد الديون.
وفي مقابلة مع DW، قال "جاء شخص وقال لي إما أن أسدد له الدين أو أنه سيحرق منزلي ويحوله إلى رماد"، مضيفا أن هذا الرجل عرض عليه "التخلي عن ابنته" مقابل سداد ديونه. وقال إن هذا الرجل "كان غنيا. لم يكن لدي أي خيار سوى قبول العرض بالتخلي عن طفلتي مقابل سداد الدين البالغ 65 ألف أفغاني (عملة أفغانستان)" أي ما يعادل 620 دولار أو 700 يورو.
وحذرت اليونيسيف من أن ملايين الأطفال في أفغانستان باتوا في أمس الحاجة إلى الخدمات الأساسية بما في ذلك التغذية والتعليم والمأوى والمياه والصرف الصحي والرعاية الصحية والتحصينات الضرورية ضد أمراض مثل شلل الأطفال والحصبة.
نصف سكان أفغانستان "فقراء"
وكان برنامج الغذاء العالمي قد ذكر أن أكثر من نصف سكان أفغانستان باتوا يعيشون تحت خط الفقر مع ارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي جراء الصراع وتدهور الوضع الأمني الذي يهدد البلاد بأكملها.
وقال البرنامج إن ما يقدر بنحو 22.8 مليون شخص من تعداد سكان أفغانستان البالغ 35 مليون نسمة يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي بما في ذلك مئات آلاف النازحين بسبب الصراع منذ بداية العام.
وبنبرة يغلب عليها الحسرة والأسى، قالت نازو – زوجة إبراهيم – "من الصعب على أي أب أو أم بيع أطفالهما مقابل سداد الديون، لكن ليس لدينا أي شيء آخر سوى بيع طفلتنا".
وكانت الأزمة الاقتصادية والأمنية التي أعقبت انهيار الحكومة الافغانية بالتزامن مع الانسحاب الأمريكي، قد دفعت الكثير من الأفغان إلى حافة الهاوية فقد تزايدت محاولات الانتحار وانتشرت الأمراض النفسية والعقلية فيما باتت معالم الفقر والبؤس والعوز جلية في شوارع العاصمة الأفغانية كابول.
بناتي للبيع.. ماذا افعل؟
مأساة بيع الأفغاني إبراهيم طفلته لسداد ديون أسرته تكررت في مناطق أخرى من أفغانستان وإن اختلفت الدوافع وراء بيع الأفغان فلذات أكبادهم.
ففي غرب البلاد وتحديدا في إقليم بادغيس، يعاني السكان بشدة من الجفاف الطويل ما أجبرهم على ترك منازلهم وقراهم. وبسبب الفقر قالت طفلة أفغانية تعيش في مخيم أن أسرتها قامت بمبادلتها في مقابل 50 ألف أفغاني.
وفي مقابلة مع DW، قالت الطفلة وتدعى نجيبة "الجو بارد جدا أثناء الليل ونفتقر إلى أي شيء قد يجعل منازلنا دافئة. نريد أن تساعدنا المنظمات غير الحكومية. ما زلت فتاة ولدي شقيقان وأخت وأم. أنا لا أريد أن أتزوج وأريد أكمل تعليمي".
وفي الوقت الذي لا يزال فيه حكام أفغانستان الجدد من حركة طالبان يسعون إلى نيل اعتراف دولي ومنع انهيار اقتصاد البلاد، تدعو منظمات الإغاثة الدولية إلى تقديم مساعدات إنسانية فورية إلى أفغانستان.
الآن.. لا يمكن الانتظار
وفي إطار المناشدات الدولية، خرج ديفيد بيزلي - المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي– خلال مؤتمر رفيع المستوى في جنيف عقد هذا الأسبوع ليؤكد الحاجة الفورية إلى تقديم الدعم إلى أفغانستان فورا.
وقال "حان الوقت فلا يمكننا الانتظار ستة أشهر آخرى إذ نحتاج إلى الأموال على الفور حتى نتمكن من نقل الإمدادات لتخزينها بشكل مسبق قبل حلول الشتاء.. لا يمكننا أن ندير ظهورنا عن الشعب الأفغاني".
أما والد جول أحمد – والد الطفلة نجيبة- لا يرى أي خيار آخر سوى بيع بناته الأخريات لتغطية نفقاتهم، مضيفا "ليس لدي أي خيار آخر إذا تم التخلي عنا فسوف اضطر إلى بيع بناتي الأخريات مقابل 50 أو 30 أو حتى مائتي ألف أفغاني".
وإزاء هذا الوضع المتردي، أعربت الأمم المتحدة عن بالغ قلقها إزاء تداعيات الصراع في أفغانستان على الأطفال والنساء خاصة وان النساء والأطفال شكلوا نسبة 80٪ من ربع مليون أفغاني أجبروا على الفرار منذ نهاية مايو / أيار الماضي.
وفي ذلك، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إنه في ما بين الأول من يناير / كانون الثاني و18 أكتوبر / تشرين الأول، فر أكثر من 667 ألف شخص من منازلهم بسبب الصراع فيما سُجلت معدلات مماثلة من النزوح القسري في 33 من 34 مقاطعة أفغانية.
حالات الانتحار
صاحب ارتفاع معدلات البطالة في أفغانستان وانتشار الفقر زيادة في حالات الانتحار. وبسبب ضيق الحال أقدم روح الله وهو أب أفغاني شارف على الستين عاما، على إنهاء حياته تاركا وراءه عائلة فقيرة كانت في أمس الحاجة إلى أب يعيلها.
وكان روح الله يعمل حارسا في مدرسة حكومية شمال ولاية بدخشان، لكنه لم يتسلم راتبه منذ ثلاثة أشهر، ما أدى تفاقم حال الأسرة، وفقا لما ذكرته ابنته طيبة.
وفي مقابلة مع DW، أضافت "لم يقل أبي أي شيء. وفي إحدى الأيام كنا جميعا في المنزل وطلب قلما وورقة لكتابة الديون التي يتعين علينا سدادها. اعتقدنا في البداية أنه يمزح، لكنه كان جادا فبعد أيام انتحر".
وعلى وقع واقعة الانتحار، تفاقمت أوضاع أسرة روح الله أكثر وأكثر وهو ما أكدته عليه ابنته الأخرى كتيبة إذ قالت "نواجه الآن الكثير من المشاكل فمنذ وفاة والدنا، لم يعد لدينا ما نأكله".
ويبدو أن التوقيعات الاقتصادية عن الوضع في أفغانستان لا تعطي أي بريق أمل في تحسن الأمور إذ ذكر صندوق النقد الدولي أن اقتصاد البلاد سوف ينكمش بنسبة تصل إلى 30٪ العام الجاري.
وفقا للبنك الدولي، فقد وصل الناتج المحلي الإجمالي في أفغانستان العام الماضي إلى نحو 20 مليار دولار وأن نسبة 43 في المائة من هذا المبلغ تأتي من المساعدات الخارجية.
تراجع المساعدات الخارجية
وقبل استيلاء طالبان على السلطة، كانت المساعدات والمنح الخارجية تشكل 75 بالمائة من حجم الإنفاق العام.
لكن مع سيطرة الحركة على زمام الأمور، تجمدت المساعدات الخارجية فيما تكافح حكومة طالبان لدفع الرواتب المستحقة لموظفي الدولة وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأزمة سيولة تعصف بالمصارف الأفغانية.
وقد دفع هذا الوضع الكثير من الأفغان إلى البدء في بيع ممتلكاتهم لشراء الطعام، إلا أن جول أحمد ليس لديه ما يبيعه سوى بناته الأخريات بعد بيع طفلته الكبرى نجيبة ما لم يحصل مثله مثل باقي سكان أفغانستان على مساعدات خارجية تعينهم على تحمل وطأة هذه الأزمة.
أحمد حكيمي / م.ع