العلاقات الجزائرية الإسبانية ومصير "الحراقة"
١٦ يونيو ٢٠٢٢أثبت تفاعل قضية استقبال إسبانيا لزعيم جبهة البوليساريو، مركزية قضية الصحراء الغربية في الملعب السياسي للمنطقة المغاربية. رد الفعل المغربي حينها، والذي تمثل بشبه قطيعة دبلوماسية، تبعه تراخ بمراقبة الحدود مع جيبي سبتة ومليلية وتدفق آلاف اللاجئين حينها على الجيبين الإسبانيين، ربما أدى بإسبانيا لأن تعيد النظر بسياستها تجاه المملكة انطلاقا من مصالحها المحلية والإقليمية.
فإسبانيا، الحليف التاريخي للمغرب، لطالما كانت متبنية لوجهة نظر الأمم المتحدة حيال قضية الصحراء الغربية، الذي كان يشترط إجراء استفتاء لسكان الصحراء على حق تقرير المصير. لكن تبعات استقبال زعيم جبهة البوليساريو، المنادية باستقلال الصحراء منذ سبعينات القرن الماضي، ربما رأتها مدريد ثقيلة بعض الشيء، بين تهديد لمصالحها في المنطقة وتدفق لآلاف المهاجرين إلى أراضيها دون أي إمكانية لإعادتهم إلى المغرب.
في 18 آذار/مارس الماضي، فجرت إسبانيا مفاجأة سياسية ترددت أصداءها في محيط المنطقة المغاربية، مع دعمها لخطة المغرب لحل النزاع في الصحراء. ومن هنا، كان على إسبانيا استقبال المزيد من ردود الأفعال السلبية، أولها من الجزائر، الحليف التاريخي والداعم الرئيسي للبوليساريو.
بعد ساعات قليلة من إعلان إسبانيا دعمها مبادرة المغرب، استدعت الجزائر سفيرها لدى مدريد احتجاجا. أشهر قليلة مضت لتعاود الجزائر وتعلن تعليق معاهدة "الصداقة وحسن الجوار" مع الجارة الأوروبية.
تردد الإعلان الجزائري في أروقة السياسة الإسبانية. وزارة الخارجية "أسفت" للخطوة الجزائرية، معربة عن رغبتها في الحفاظ على العلاقات الجيدة مع الجزائر، "كما هو الحال مع جميع جيراننا، على أسس الاحترام المتبادل والتعاون والمصالح المشتركة".
تبعات تعليق الاتفاقية على تدفقات المهاجرين
وكما كان الحال مع المغرب، بدأت إسبانيا بالتفكير بعواقب الخطوة الجزائرية. فالاتفاقية المعنية، والتي أبرمت في 2002، تضمنت "تعزيز الحوار السياسي" بين البلدين، فضلا عن تمتين العلاقات التجارية في مجالات متعددة، أهمها الطاقة. فالجزائر، الدولة المنتجة للغاز والنفط، تزود إسبانيا بنحو 40% من حاجتها من الغاز عبر أنابيب ممدودة تحت المتوسط، وتعليق الاتفاقية قد يكون له عواقب لاحقا على ذلك القطاع الاقتصادي الحيوي تحديدا.
أكثر من ذلك، قد يكون لتعليق الاتفاقية أثر مباشر على موضوع الهجرة، الملف الذي تحاول إسبانيا معالجته بشكل يومي. فمن ضمن بنود الاتفاقية، أن "يواصل الطرفان تعاونهما ويعمقانه في السيطرة على تدفقات الهجرة ومكافحة الاتجار بالبشر".
مدريد تخشى أيضا أن يتأثر ذلك البند بالتحديد بموقف الجزائر، التي حتى الآن لم تتوقف عن استقبال المهاجرين المرحلين من إسبانيا على أراضيها.
إبراهيم أومنصور، الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في فرنسا، والمتخصص بالعالم العربي، أوضح لمهاجر نيوز أن "الجزائر تعاونت على الدوام في هذا الموضوع (الهجرة). واستقبلت العام الماضي أيضًا الآلاف من رعاياها الذين وصلوا إلى إسبانيا بطريقة غير شرعية عن طريق البحر".
يذكر ان إسبانيا أعادت في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي وحده أكثر من 300 مهاجر جزائري على متن عبارات استأجرتها خصيصا لتلك المهمة.
بالنسبة لأومنصور، "من خلال مسألة الصحراء الغربية، أظهرت إسبانيا نقطة ضعفها. فهي لم تعد تريد الخلاف مع المغرب لأن العواقب، كما نعلم، مؤسفة للغاية (في أيار/مايو 2021، فتحت المغرب حدودها مع جيب سبتة، ما أدى إلى تدفق حوالي 10 ألاف مهاجر إلى الجيب في ثلاثة أيام)، ويمكن للجزائر أيضا أن تمارس نفس الأساليب".
وفي هذا الإطار يبرز خوف إسبانيا، أن تتساهل الجزائر بمسألة منع "الحراقة" من الإبحار باتجاه سواحلها، فضلا عن قيامها من الآن فصاعدا بالامتناع عن منح التصاريح اللازمة للمهاجرين المرحلين، الجزائريين، ليتمكنوا من العودة إلى بلادهم.
يمكن لإسبانيا أن تستخدم الهجرة كوسيلة ضغط
يعود أومنصور في حديثه لمهاجر نيوز ليقول إن لدى الجانب الإسباني أيضا خيارات، في مجال الهجرة، يمكن له اتباعها، حيث يمكن لمدريد استخدام تدفقات المهاجرين المحتملة كورقة ضغط على الجزائر. "قد يرفع خفر السواحل من أعداد عمليات الصد (لقوارب الحراقة) بالقرب من سواحل البلاد، أو قد يتم إغلاق الحدود". ويضيف أنه يمكن لمدريد "تشديد القيود على منح التأشيرات، المحدودة أصلا، للجزائريين". وحول تلك النقطة، قد تبدو شبيهة بالاستراتيجية التي اتبعتها فرنسا بهذا الخصوص، حين شددت في أيلول/سبتمبر من العام الماضي القيود على التأشيرات الممنوحة لمواطني الدول المغاربية، ردا على رفض دولهم التعاون في ملف إعادة المهاجرين المرحلين.
ومع تحسن الظروف الجوية في منطقة وسط المتوسط، يتوقع أن ترتفع وتيرة قوارب الحراقة المغادرين للسواحل الجزائرية. مطلع الشهر الجاري، غادر قارب سواحل الجزائر العاصمة على متنه ثمانية مهاجرين. السلطات الإسبانية رصدته قبالة سواحل جزيرة إيبيزا الإسبانية في التاسع من حزيران/يونيو. منظمة "هيروز ديل مير" غير الحكومية وفي بيان على صفحتها على فيسبوك، قالت إنه من أصل ثمانية، تمكن خمسة فقط من النجاة.
وحسب الإحصاءات الرسمية، وصل خلال 2021 أكثر من 10 آلاف جزائري إلى سواحل البلاد، بزيادة نسبتها 20% عن العام السابق.
نصرالدين، شاب جزائري من وهران مازال يتقفى أخبار أصدقائه المقربين الذين "نشأ معهم"، غادروا البلاد في منتصف أيار/مايو على متن أحد قوارب الهجرة، وحتى الآن لم ترده أخبار عنهم. قال الشاب لمهاجر نيوز "نشك في أن القارب غرق، لكن ليس لدينا أي فكرة عن المكان الذي انقلب فيه". وبعد أسابيع عدة من انقطاع أخبار الشبان، مازالت عائلاتهم تنتظر خبرا عن انتشال جثثهم. ويختم نصرالدين بقوله، إذا تم انتشال الجثث "على الأقل سنقيم لهم جنازة. سيتسنى لنا فرصة أن نقول وداعا".