الطفل غدي.. ثمرة أول زواج مدني على أرض لبنان
٥ نوفمبر ٢٠١٣بينما كان نضال درويش وخلود سكرية يحتفلان بمرور سنة على زواجهما، الذي افتتح عهداً جديداً من الزواج المدني في بلد الطوائف، زارت DWعربية العائلة في بيتها في الضاحية الجنوبية لبيروت. وقد عبّرت العائلة عن سعادتها بالمساهمة في وضع أسس لنظام مدني غير طائفي في بلاد الأرز.
كان الشعور بالفخر والسعادة بولادة الطفل غدي يعبق بالمكان، إذ يعبّر نضال عن فرحته بأول طفل يولد من زواج مدني عُقد على الأراضي اللبنانية، متمنياً أن يكون طفله ورفاقه في المستقبل نواة لبنان الحقيقي. وخصوصية الطفل غدي هي أنه وُلد من دون ذكر طائفته على قيده، بينما تم شطب الطائفة من قيد بعض الأطفال الآخرين بطلب من ذويهم.
يحكي نضال قصة زواجه من خلود لـ DWعربية، قائلاً "كنا ننوي السفر إلى قبرص بهدف إجراء زواج مدني بحكم أن لبنان يخضع للمحاكم الشرعية الدينية في هذا المجال. بالصدفة قال لنا أحدهم إن هذا يمكن عمله في لبنان أيضا، إذا كان أحد الطرفين شاطبا لمذهبه عن القيود، لكنه يحتاج إلى شخصين جريئين ليتابعا الموضوع. وقام السيد طلال الحسيني بعمل دراسة حول هذا الموضوع وأوضح لنا ما يمكن عمله وأن هذا يتطلب تحديات عديدة. واتفقت مع خلود على السير في هذا المشروع حتى نهايته"، ويضيف نضال: "في 2 تشرين الثاني 2012، عقدنا زواجنا. يعني (اليوم) عيد زواجنا".
"هدّدوني بإسقاط جنيني"
أما زوجته فتحدثت عن التحديات التي واجهتها قبل تحقيق هذه الخطوة، خصوصاً أنها كانت مُحجّبة وخلعت حجابها لأنها لم تقتنع به. تقول لـ DWعربية: "تربيت في بيت لا يعتبر الفتاة شخصاً ضعيفاً. أنا كفتاة عشت حياتي في قرية لم يكن طبيعياً أن أكون متحررة بهذا الشكل، لكن والدي كان يشدد على أن تكون البنت قوية وقادرة على الدفاع عن نفسها. لذلك انخرطت في طريق التغيير على صعيد المجتمع حتى لا أكون هامشية. وقمت ببعض النشاطات. وحين نزلت إلى بيروت تعرفت إلى نضال وشعرنا أننا نتفق في العديد من الأمور، فقررنا أن نتزوج في محكمة مدنية. أهلي عارضوا هذه الخطوة في البداية قليلاً من منطلق خوفهم أن يهضم هذا الزواج حقوقي لاحقاً، لكنهم احترموا رأينا ووافقوا بعد نقاشات طويلة". وتؤكد خلود على حرصها أن يكون موضوع هذا الزواج بأقل خسائر ممكنة لذلك شددت على إجرائه وفق التقاليد العائلية.
وحول طريقة تعاطي المحيط معها توضح أن الناس انقسمت إلى ثلاثة أقسام: "البعض لم يفهم ما معنى زواج مدني فاتخذ قراراته فقط على أساس ديني، وفئة مؤيدة للزواج المدني احتفلت معنا بهذا الزواج، وفئة تنطلق من رؤية دينية حاربتنا وخاصمتنا"، مشيرة إلى تعرضها لتهديد من أحدهم بأنه سيقوم بإسقاط جنينها "لأنه غير شرعي".
وعن حجابها توضح خلود: "كنت محجبة نتيجة البيئة والتربية وتمردت على ذلك لأني شعرت أن شخصيتي لا يناسبها الحجاب، ليس لأني غير مؤمنة، بل لأني شعرت أن هذا لا يناسب حياتي".
"حياتنا في خطر"
نضال من ناحيته أشار إلى فتوى مفتي الجمهورية محمد قباني والتي اعتبر فيها الزواج المدني ارتداداً عن الدين قائلاً "الردة تفسيرها في الدين الإسلامي هي الرجوع عن الدين وعقابها القتل"، متخوفاً من أن يكون هذا الحكم مصدر خطر على حياته وحياة زوجته وطفلهما لأن "الموضوع الطائفي يتنامى بسرعة في لبنان ونحن أصبحنا معروفين بحكم إطلالاتنا الإعلامية. المخيف أن أي تحريض سياسي ضدنا قد تكون نتيجته التعرض لنا بالعنف". ويؤكد نضال أنه أصبح يخاف أكثر بوجود الطفل، إذ أصبح يفكر بالسفر إلى الخارج ريثما تعود الأوضاع إلى طبيعتها لأن لبنان غير آمن.
من ابن طائفة إلى مواطن
الكاتب طلال الحسيني، الذي تابع موضوع الزواج المدني وتداعياته في بحث طويل ومعمّق، يقول لـ DWعربية، "هناك قانون ساري المفعول ينص على أن من لا يملك إشارة إلى الطائفة في سجلاته (بالمعنى الإداري لا الاجتماعي) يعتبر من الناحية القانونية لا ينتمي إلى طائفة فيخضع للقانون المدني. حسب نص (القرار 60 ل. ر) عام 1936".
لقد كانت المشكلة في فهم عبارة "يخضعون للقانون المدني" وهذا شيء معرّف ومعروف، حسبما يوضح الحسيني، مشيراً إلى أن "أي مجموعة أحكام تستوفي تنظيم العلاقات الزوجية والعائلية، أو أي قانون له صفة مدنية يختاره الزوجان سواء القانون الفرنسي أو غيره يحكم العلاقة في ما بينهم وعلاقتهم بأولادهم". مشيراً إلى أن المحاكم المدنية اللبنانية تطبّق عدة قوانين أجنبية، لذا لا يوجد مشكلة في ذلك. والمرجع القضائي لشاطبي طائفتهم هو المحاكم المدنية اللبنانية. ويضيف الحسيني أن نضال وخلود اختارا القانون المدني الفرنسي وهذا تطبقه المحكمة المدنية اللبنانية.
حق الميراث محفوظ
وعن إشكاليات هذا الزواج ينفي الباحث الحقوقي وجود أي مشاكل قانونية، لافتاً إلى موضوع التوريث بالنسبة إلى شاطبي المذهب بالقول: "يطبق القانون المدني على الناس الذين يرثون كونهم هم من اختار هذا القانون. لا يوجد أي وجه لإثبات أنك كنت تابعاً لهذا الدين أو أنك خرجت منه. المورث يورثك لأنك ابنه وليس لأنك تنتسب إلى طائفة. هناك قانون مدني لغير المحمديين في لبنان يُطبّق على غير المسلمين السنة والشيعة والعلويين والدروز والإسماعيليين، مؤكداً أن شطب الإشارة إلى الطائفة لا يؤدي إلى تفريط في الحقوق.
ويختم الحسيني: "حين تشطب الإشارة تصبح مواطناً وليس ابن طائفة، هؤلاء الناس يسيرون نحو أن يكونوا بشراً أحراراً. لكن ولأننا في نظام طائفي، تتصاعد النبرة المذهبية. حين يكون لدينا نظام مدني سيختفي هذا النوع من العداء وعدم المساواة بين الناس. إذا كان لديك بيت ستحاول أن يكون بيتك نظيفا ومرتباً وهذا ما نقوم به في لبنان. ولا قيام للدولة اللبنانية إلا بنظام مدني".