زواج المسلمات من غير المسلمين في ألمانيا
٣١ أكتوبر ٢٠١٣هل يجوز للمسلمة أن تتزوج من غير مسلم؟ سؤال أرق عائلة حنيفة ذات الأصول التركية، عندما أعلنت عن رغبتها في الارتباط برجل ألماني غير مسلم. وتروي حنيفة لـDW عربية بداية قصتها: "فوجئت بمجيء الدعم الأكبر من والدتي ومن أخي، وسررت لأن كبار العائلة كانوا في صفي من البداية. وكان لأختي الكبيرتين تحفظات واضحة على شرعية عقد القران مع رجل لم يسلم".
لكن حنيفة لم تفقد الإيمان بقضيتها، وقامت بالاتصال بالاتحاد الإسلامي الليبرالي، الذي قدم لها ولعائلتها المعلومات والحجج الإسلامية اللازمة، "وسرعان ما نجحنا في إقناع أختي بفكرة زواجنا". وتشدد العروس على أنها لن تعبأ برأي الناقدين لأنها تعتبر تحليل زواج المسلم من غير المسلمة مقابل عدم السماح بذلك للمرأة المسلمة "أمراً غير عادل"، وبالتالي "فهو بعيد عن طبيعة الخالق" كما تتخيله هي.
ويستند الرأي السائد في هذه القضية إلى اتفاق كبار علماء الفقه والتفسير عبر العصور في رفضهم لزواج المسلمة من غير المسلم، مشددين على عدم ذكر الإناث في الآيات القرآنية التي تحلل زواج المسلم من المسيحية أو اليهودية بشكل صريح، كما ورد في سورة المائدة. ويدعم علماء الفقه رأيهم بآية قرآنية أخرى تحرم "نكاح المشركين والمشركات".
تفسير مغاير
أما الاتحاد الإسلامي الليبرالي المغاير من قضية زواج المسلمة من غير المسلم فيتخذ موقفاً مغايراً لتفسير غالبية علماء المسلمين، إذ يستند في رأيه إلى انعدام آية تحرم زواج المسلمة من المسيحي أو اليهودي بشكل صريح. كما ينظر الاتحاد إلى الآية الخامسة من سورة المائدة من زاوية أخرى، فيشرح على موقعه الإلكتروني أن الآية تحتمل تفسيران: "إما تحريم طعام أهل الكتاب على المسلمات لأنهن لم يذكرن في الآية أو – أن تعم هذه الآية كلا الجنسين مما يحلل للمسلمة الزواج من أهل الكتاب رغم عدم ذكرها بوضوح في الآية".
لكن ما الداعي لعقد قران إسلامي إذا كان الدولة الألمانية تسمح بالزواج المدني الذي يغض النظر كلياً عن الانتماء الديني أو الطائفي؟ سؤال تجيب عليه رئيسة الاتحاد لميا قدور بالقول: "للعقد الإسلامي أهمية خاصة لدى الكثير من المسلمين، من العلماني إلى التقليدي. إنهم يرغبون في الارتباط من أزواجهم أمام الله. ويرتبط الزواج الإسلامي بعقد الزواج الإسلامي الذي يشمل المهر على سبيل المثال".
حنيفة، وهي من أوائل العرائس اللواتي عقد الاتحاد الإسلامي الليبرالي قرانهن، تدرك أيضاً أهمية عقد القران الإسلامي، وتقول عن ذلك: "كنت بحاجة إلى عقد إسلامي ليطمأن قلبي، فقد نشأت وتربيت على فلسفة الحياة الإسلامية، والتي تتضمن ضرورة السعي وراء مباركة الله لكل القرارات المصيرية في الحياة".
وتضيف قائلة: "شعرت بالراحة لحظة عقد القران. كُنتُ دائماً أشعر بأنه من غير العادل أن أضغط على شريك حياتي ليدخل الإسلام كي نتمكن من الزواج. فهذا يتعارض مع ما تعلمت في صغري بأن لا إكراه في الدين".
تربية الأطفال في الزواج المختلط
رغم إفساح الاتحاد وغيره من المؤسسات الإسلامية الصغيرة الأخرى المجال أمام المسلمات للزواج من غير المسلم، تبقى قضية تربية الأطفال في زواج مختلط قضية إشكالية كثيراً، يتجنب الزوجان مواجهتها في فترة التعارف. لكنها لا تظهر في أغلب الأحيان إلا حين يدخل الطفل مرحلة الاهتمام بالجوانب الدينية وهي مرحلة قد تبدأ في سن الحضانة أو المدرسة حسب نضوج الطفل. ثم تعود إشكالية التربية للظهور من جديد بشكل أكبر عندما يدخل الأطفال مرحلة المراهقة.
هذه المرحلة لم تواجهها بعد الزوجات المسلمات اللواتي تم عقد قرانهن في الاتحاد، فالزيجات لا تزال حديثة، وعليه فإن الاتفاق والتناغم في الرأي لا يزال سائداً بين الزوجين. عن هذا تقول شابة عُقد قرانها في الاتحاد الإسلامي الليبرالي: "سنعلم أولادنا الديانتين دون تفضيل إحداهن أو تهميش الأخرى، وسنركز في تربيتنا على العناصر المشتركة بين الديانتين. ففي النهاية تبقى كل الأديان معنية بالتعايش السلمي والعادل بين البشر".
وعن سياسة الاتحاد الإسلامي الليبرالي فيما يخص تربية الأطفال تقول لميا قدور: "لم نقدم أي توجيهات حول طريقة تربية الأطفال في الزواج المختلط. لكن مواجهة هذه القضية قبل عقد القران تبقى أمراً مهماً، وعلى الزوجين أن يتفقا على الأسس التربوية وعلى الدين الذي سينشأ عليه الطفل. وهنا يشجع الاتحاد على تدوين الاتفاق في عقد الزواج".
ردود فعل مختلفة
وتبقى ردود أفعال الأهالي والمحيط الاجتماعي مصدر قلق للفتيات المسلمات اللواتي يرغبن في الارتباط بغير مسلم، فكثيراً ما تناقلت وسائل الإعلام الألمانية أخبار قتل فتيات أو سيدات مسلمات إثر ارتباطهن برجل غير مسلم. وبات المجتمع كله متخوفاً مما تسميه الصحف بـ"جرائم الشرف"، وكثيراً ما نسبته للإسلام ككل.
بيد أن ردود الأفعال التي واجهها الاتحاد منذ انطلاق هذه الخدمة كانت إيجابية، كما تقول قدور، التي تضيف: "كانت أغلب ردود الفعل إيجابية، وتلقينا الكثير من الرسائل من أزواج مختلطة، يرغبون الآن في عقد قرانهم على الطريقة الإسلامية. وكان ذلك من دواعي سرورنا لأن البعض اعتبر الإسلام عائقاً أمام زواجهم. أما بالنسبة لمعارضينا فليس لديهم حُجة حيث أن القرآن لم يُحرم على المسلمة الاقتران بمن ينتمي إلى دين آخر".
وكان الصدى الإعلامي الألماني للخدمات الجديدة التي يقدمها الاتحاد ورؤيته المغايرة للأعراف الإسلامية التقليدية ملموساً وإيجابياً في الغالب، لكن ردود أفعال المؤسسات الإسلامية الكبرى لم تُعلن بعد، ويبقى قبول فئات واسعة من المسلمين بهذه الأفكار المجددة مسألة غير محسومة بعد.