الصراع السعودي الإيراني يهدد بقطع أرزاق اللبنانيين
٣ مارس ٢٠١٦تشهد العلاقة بين السعودية ولبنان توترا غير مسبوق في تاريخ البلدين بعد سلسلة إجراءات اتخذتها المملكة ضد لبنان محملة حزب الله المدعوم من إيران مسؤوليتها، ما يشكل، وفق محللين، ردا واضحا من الرياض على طهران يدفع ثمنه اللبنانيون.
ويقول رئيس قسم العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت هلال خشان لوكالة فرانس برس "التوتر في العلاقة بين البلدين غير مسبوق". ويضيف "تجد السعودية نفسها في مأزق وتشعر بتخبط كبير بعد تفاهم الولايات المتحدة مع إيران (الاتفاق النووي)، ومع روسيا في سوريا، في وقت ترى إيران تتمدد في المنطقة. (...) يعتبر السعوديون انه لا بد من الرد على إيران بطريقة ما، لذا فهم يردون عليها في لبنان بالضغط على حزب الله".
من جانبه، يعتبر الباحث اللبناني وضاح شرارة أن التطورات الأخيرة بين السعودية ولبنان التي توجت الأربعاء بقرار صدر عن مجلس التعاون الخليجي باعتبار حزب الله "منظمة إرهابية"، "جزء من النزاع الإقليمي العريض بين السعودية وإيران".
يشار إلى أن مجلس التعاون الخليجي قرر يوم أمس الأربعاء اعتبار "ميليشيات حزب الله بكافة قادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة عنها، منظمة إرهابية"، وأعلن عزمه اتخاذ إجراءات بحق الحزب اللبناني. واتخذ مجلس وزراء الداخلية العرب خطوة مشابهة بتصنيفه لحزب الله كمنظمة إرهابية.
ويأتي القرار بعد اقل من أسبوعين على وقف السعودية مساعدات إلى الجيش وقوى الأمن اللبنانية بقيمة أكثر من ثلاثة مليارات دولار، بسبب "مواقف لبنانية مناهضة لها على المنابر العربية والإقليمية والدولية في ظل مصادرة ما يسمى حزب الله اللبناني لإرادة الدولة". وأتبع هذا الموقف بطلب دول خليجية من رعاياها مغادرة لبنان وعدم زيارته.
وتأخذ المملكة على لبنان امتناعه عن التصويت على بيانين صدرا عن اجتماعين لوزراء خارجية جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي دانا هجمات تعرضت لها مقار بعثات دبلوماسية سعودية في إيران، على أيدي محتجين على إعدام رجل الدين السعودي الشيعي المعارض نمر باقر النمر.
كما تأخذ دول الخليج على حزب الله المدعوم من إيران والذي يمتلك ترسانة عسكرية ضخمة، قتاله إلى جانب النظام السوري، ودعمه للمتمردين الحوثيين في اليمن.
من جانب آخر، تنقسم الحكومة اللبنانية بين كتلتين سياسيتين كبيرتين إحداهما مدعومة من السعودية (قوى 14 آذار)، وأخرى من إيران (حزب الله وحلفاؤه)، ما يجعلها عاجزة عمليا عن اتخاذ أي قرار.
كما أثار موقف وزير الخارجية جبران باسيل المتحالف مع حزب الله في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي من السعودية في حينه انتقادات واسعة من خصومه داخل لبنان.
ويخشى هؤلاء من انعكاسات الإجراءات السعودية والخليجية على لبنان، لجهة التوترات الأمنية أو خصوصا التداعيات الاقتصادية المحتملة على بلد ينوء تحت حمل عبء اللاجئين السوريين ويقتات عشرات الآلاف من أبنائه من دول الخليج.
في هذا السياق يبدي رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان محمد شقير تخوفه على "مصير عشرات الآلاف من اللبنانيين المرتبطين بالخليج والشركات اللبنانية الموجودة في تلك الدول".
ويقيم ويعمل في السعودية 300 ألف لبناني من إجمالي نصف مليون في دول الخليج. وبلغت قيمة تحويلات اللبنانيين من دول الخليج سبعة مليارات و500 مليون دولار العام 2015، وفق المحلل الاقتصادي ورئيس قسم الأبحاث في بنك بيبلوس نسيب غبريل.
وعبر العديد من اللبنانيين عبر وسائل الإعلام عن خشيتهم من خسارة مورد رزقهم في دول الخليج. ويقول رجل أعمال يعمل في الإمارات العربية رافضا الكشف عن اسمه لوكالة فرانس برس "يجب أن أجدد إقامتي قريبا، وأنا أخشى فعلا ألا احصل على هذا التجديد".
كما تعد الاستثمارات السعودية من ابرز الاستثمارات الأجنبية في لبنان خصوصا في القطاعين العقاري والفندقي.
ويسأل شقير بانفعال عما سيكون عليه "مصير الاقتصاد اللبناني في حال قررت دول الخليج وبينها السعودية إقفال حدودها أمام الصادرات اللبنانية"، لافتا إلى أن وجهة "75 % من الصادرات الزراعية و53 % من الصادرات الصناعية هي دول الخليج".
إلا أن شرارة يعتبر أن تصنيف حزب الله "منظمة إرهابية" من جانب دول الخليج "أشبه بسيف مسلط على رؤوس الجماعات أو المجتمعات" التي يتواجد فيها أو لديه مناصرون فيها، مضيفا "انه سلاح احتياط أكثر مما هو سلاح للأعمال المباشرة".
ويقول غبريل إن المخاوف من ترحيل اللبنانيين وتراجع التحويلات التي تشكل ابرز دعائم الاقتصاد اللبناني، "غير واقعية وتأتي من باب التهويل وبالتالي لا يمكن الجزم بحدوثها". ويشدد على أن "قرار المستثمر السعودي أو الأجنبي عموما لا يرتبط بالتوجهات السياسية الرسمية، وإنما يستند إلى دراسات الجدوى ودراسات السوق وفق معايير علمية".
وتأتي الأزمة اللبنانية ـ السعودية على خلفية أزمة سياسية حادة في لبنان مرتبطة بالانقسام حول النزاع السوري، وجهود متواصلة لعدم وصول التوتر الأمني إلى لبنان كما حصل في سنوات النزاع الأولى.
إلى ذلك يقول المحلل السياسي والسفير السابق في واشنطن عبدالله بو حبيب لفرانس برس "اللبنانيون غير قادرين على خوض حرب السعودية في المنطقة". ويضيف "هناك خلاف سني شيعي في المنطقة، لكن لبنان يحتاج إلى التوازن، وكل اللبنانيين يدركون ذلك"، معتبرا أن "الوحدة الوطنية تبقى أهم من التضامن مع أي بلد صديق في الخارج".
ح.ع.ح/ م.س(أ.ف.ب)