السوريون على الحدود: رهائن الحسابات السياسية
٣١ مايو ٢٠١٧في الوقت الذي أشادت فيه منظمات حقوقية دولية بجهود المغرب في إدماج اللاجئين والمهاجرين المنحدرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، جاءت أزمة اللاجئين السوريين العالقين على الحدود بين المغرب والجزائر لأكثر من شهر لتجلب معها انتقادات واسعة من منظمات حقوقية دولية لرفض المغرب استقبال هؤلاء السوريين. كما انتقد مراقبون موقف المغرب من اللاجئين السوريين، في حين يستقبل المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين من خلال إطلاق خطة حكومية خاصة لإدماجهم وتسوية أوضاعهم قانونياً داخل البلاد.
وأعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الثلاثاء (30 مايو/ أيار 2017) أن سيدة وجنينها الذي لم يولد بعد يواجهان خطر الموت على الحدود المغربية الجزائرية، مطالبة حكومتي البلدين بإنقاذ المجموعة المؤلفة من 41 لاجئاً سريعاً.
هل اختلف تعاطي المغرب مع قضية السوريين ؟
يستغرب شاب سوري مقيم بالمغرب منذ سنوات موقف المغرب من أزمة اللاجئين السوريين العالقين على الحدود، إذ أنه شخصياً لم يواجه أي صعوبات في بداية إقامته بالمغرب، بخلاف ما حدث معه مؤخراً عندما أراد تجديد إقامته ورُفض طلبه لعدم حصوله على مقعد دراسي بالجامعة لمتابعة الدراسة.
عن ذلك يقول الطالب السوري في حواره مع DW عربية: "استقبل المغرب أعداداً كبيرة من السوريين ووفرلهم إمكانيات العيش بكرامة. لكن مؤخراً بدأنا نلمس صعوبات في التعاطي مع قضية اللاجئين السوريين بالمغرب". وأضاف الشاب السوري أنه لا يستطيع الجزم بوجود تمييز في التعامل بين اللاجئين السوريين والمهاجرين الأفارقة، إلا أنه بات يلمس هذا التمييز انطلاقاً من تجربته الشخصية ومعاينته لتجارب بعض المهاجرين الأفارقة.
ويعزو الطالب السوري موقف المغرب من أزمة اللاجئين السوريين العالقين على الحدود إلى وجود مبررات لذلك، ويوضح بالقول: "السلطات المغربية من حقها تأمين حدودها، لأن بالفعل هناك من يستغلون الحصول على الإقامة بالمغرب للتسول أو ارتكاب جرائم كالسرقة، ولكن لا يجب تعميم ذلك على الجميع".
بدوره استغرب طارق (اسم مستعار)، وهو شاب سوري مقيم بالمغرب مع زوجته وأولاده، موقف الحكومة الأخير ويرى أن المغرب - بخلاف بلدان عربية أخرى - استقبل عدداً لا بأس به من اللاجئين السوريين وقام بتسوية أوضاعهم داخل البلاد. ويتحدث طارق إلى DW عربية: "هناك تغير في تعاطي المغرب مع قضية اللاجئين السوريين. من المؤكد أن هناك أسباباً لهذا التغير ولكن نتمنى من المغرب إنهاء معاناة أهلنا على الحدود واستقبالهم، بغض النظر عن الاعتبارات السياسية".
من جهته نفى علي خضر، وهو سوري وناشط في المجتمع المدني يقيم بالمغرب منذ ما يقارب ثلاث سنوات، وجود أي تعامل تمييزي بين المهاجرين الأفارقة واللاجئين السوريين. ويقول في مقابلة مع DW عربية: "من تجربتي الشخصية وعملي في المجتمع المدني بالمغرب أرى أن هناك تساوياً في التعامل مع جميع ملفات المهاجرين واللاجئين، وربما أن للسوري بالمغرب أولوية عن باقي اللاجئين من دول عربية أخرى كالفلسطينيين والعراقيين واليمنيين وذلك لحجم معاناة هذا الشعب".
وزار الناشط المدني رفقة طبيب مغربي اللاجئين السوريين العالقين على الحدود المغربية الجزائرية، إلا أنهم مُنعوا من تقديم المساعدة لهم، وعن سبب ذلك يقول: "مُنعنا من تقديم المساعدة للعائلات السورية العالقة على على الحدود، لأنهم ليسوا على الأراضي المغربية وإنما بالجزائر ونحن نحمَل الجزائر مسؤولية هؤلاء اللاجئين لأنهم دخلوا من أراضيها وهم الآن على أراضيها". ويضيف خضر: "نحن كجالية سورية نناشد المملكة المغربية بالنظر للوضع الكارثي لهؤلاء اللاجئين السوريين ونطلب من المغرب استقبالهم".
على أرض المغرب أم الجزائر؟
بعد مرور زهاء 40 يوماً، تستمر أزمة اللاجئين السوريين العالقين على الحدود المغربية الجزائرية في ظل غياب أي رد فعل من سلطات البلدين على نداءات الاستغاثة من المنظمات الحقوقية والناشطين واللاجئين العالقين أنفسهم، حيث انتشرت نداءات استغاثة وصورعلى مواقع التواصل الاجتماعي تُظهرالأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها هؤلاء اللاجئون السوريون في الصحراء. وفي السياق نفسه، خرج عدد من سكان مدينة بوعرفة في وقفة احتجاجية تضامناً مع اللاجئين السوريين العالقين على الحدود، ورفع المتظاهرون لافتات كتبت عليها شعارات منددة باستمرار الوضع المأساوي للاجئين السوريين، ومطالبين بلدهم المغرب باستقبالهم.
ولا زال المغرب والجزائر يتبادلان الاتهامات بخصوص اللاجئين السوريين العالقين على الحدود، إذ صرح المغرب أن هؤلاء اللاجئين عبروا الأراضي الجزائرية قبل محاولة الدخول للمغرب، بينما تقول الجزائر إنها لاحظت يوم التاسع عشر من نيسان/ أبريل محاولة السلطات المغربية طرد عدد من هؤلاء اللاجئين قدموا من التراب المغربي نحو التراب الجزائري.
ولتسليط الضوء على موقف المغرب من أزمة اللاجئين السوريين على الحدود، حاولت DW عربية الاتصال بالوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، عبد الكريم بنعتيق، لكنه اعتذرعن المقابلة. وكان بعنتيق قد أدلى بتصريح صحفي لوكالة الأنباء الإسبانية بأن "المغرب لديه قانون هجرة صارم ولا يستطيع استقبال عشرات المهاجرين السوريين العالقين في المنطقة الحدودية مع الجزائر". وجدد الوزير المنتدب في لقاء جمعه بفعاليات المجتمع المدني الناشطة في قطاع الهجرة يوم السابع والعشرين من أيار/ مايو، والذي نشرت تغطية له بجريدة "هسبريس" المغربية، رفض بلاده استقبال اللاجئين السوريين العالقين على الحدود، لأنهم موجودون على الأراضي الجزائرية، حسب تعبيره. وأضاف بنعتيق: "اللاجئون السوريون يوجدون على التراب الجزائري، لذلك فليس من حق المغاربة التدخل بأي شكل من الأشكال، لتبقى الكرة في ملعب الدولة الجزائرية والمنظمات الأممية، ومن بينهما مفوضية اللاجئين بالجزائر".
"لا ينبغي الرد على الخطأ بالخطأ"
وفي ضوء تطورات أزمة هؤلاء اللاجئين العالقين على الحدود بين المغرب والجزائر، يرى الكاتب والناشط الحقوقي المغربي أحمد عصيد أن هؤلاء اللاجئين هم ضحية لتصفية حسابات سياسية بين البلدين، ويقول في حواره مع DW عربية: "ليست هناك مشكلة في سياسة الدولة الرسمية. هناك مشكلة تتعلق بواقعة جزئية وهي نوع من تصفية حسابات سياسية بين البلدين، ونحن كحقوقيين نرى بأنه ينبغي إعطاء الأولوية للجانب الإنساني". ويضيف عصيد أن الرد بالمثل سيخلق دائماً ضحية جديدة.
وعن سؤاله عما إذا كانت هذه الأزمة بداية مرحلة سياسية جديدة في التعامل، أجاب الناشط الحقوقي بأنه ينبغي إنهاء هذا النوع من التعامل كي لا يصبح تقليداً ولا ينبغي الرد على الخطأ بالخطأ: "المفروض أن المغرب قطع أشواطاً متقدمة في مجال حقوق الإنسان، ولهذا نحن نطالب بتغليب الجانب الإنساني".
ويوضح عصيد سبب انتقاد البعض لتعاطي المغرب مع قضية اللاجئين السوريين بأن السياسة التي وضعها المغرب في التعامل مع المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء كانت بدعم من بلدان أوروبية: "لا يوجد نفس الدعم للسوريين ولكن هذا لا يعني أن يكون هناك تمييز بين المهاجرين الأفارقة والسوريين، وإن وجد فهذا شيء سلبي وينبغي نقده والبحث عن حلول له".
يذكر أن حوالي 50 لاجئاً سورياً، بينهم 20 امرأة - اثنتان منهن حوامل - و22 طفلاً، عالقون منذ الثامن عشر من أبريل/ نيسان الماضي على الحدود الجزائرية المغربية، في منطقة صحراوية، تقع بين مدينتي بني ونيف وتبعد حوالي ثلاثة كيلومترات عن مدينة فكيك المغربية، وهي منطقة حدودية معزولة.
إيمان ملوك