السلاح الألماني – معايير التصدير في مواجهة حقوق الإنسان
١٤ ديسمبر ٢٠١٨هل يُعتبر دكتاتور شيلي السابق أوغوستو بينوشيت زبونا مقبولا لشركات الأسلحة الألمانية؟ هذا السؤال أثار في 1980 جدلا حادا في ألمانيا. فعندما أراد المستشار هلموت شميت وقف تصدير غواصتين للنظام العسكري في الشيلي، دخل مئات العمال في مصنع للسفن في إضراب، لأنهم كانوا يخشون على مواطن عملهم وطالبوا بإتمام صنع الغواصتين وتسليمهما للشيلي.
هذا الخلاف كان بمثابة مثال على العلاقة الصعبة للألمان مع صادرات الأسلحة. وبدا بعد الحرب العالمية الثانية أولا أنه من غير الممكن أن تقوم شركات ألمانية مجددا بإنتاج أسلحة أو بيعها إلى الخارج. لكن هذا تغير مع إعادة تسليح الجمهورية الاتحادية إبان الحرب الباردة. وبعد تأسيس الجيش الألماني في 1955 نمت صناعة أسلحة محلية أنتجت دبابات وغواصات ومسدسات للقوات المسلحة. وبعد إدراج هذه الأسلحة في الجيش الألماني وتجربتها، أثارت اهتمام الخارج.
قوانين صارمة
وعلى خلفية التاريخ الألماني كان التعامل مع العتاد العسكري منذ البداية مقننا بصفة متشددة. ويرد في القانون الأساسي أن "الأسلحة الخاصة بخوض الحرب لا يمكن إنتاجها إلا بترخيص من الحكومة الألمانية ودعمها والترويج لها". فقضية إنتاج الأسلحة وصادرات الأسلحة لها مكانتها في الدستور في الجمهورية الاتحادية.
وما يعنيه هذا من الناحية العملية موجود ضمن ما يُسمى بقانون مراقبة أسلحة الحروب من عام 1961: من يريد بيع أسلحة إلى الخارج، يحتاج في كل حالة إلى ترخيص الحكومة الألمانية. أما إنتاج الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية فهي ممنوعة أساسا في ألمانيا إضافة إلى إنتاج الألغام والذخيرة العنقودية.
فقط بترخيص
وهذا يعني بالنسبة إلى شركات الأسلحة الألمانية أنه يجب عليها أولا التوجه إلى الحكومة الألمانية قبل أن تتمكن من تصدير دبابات أو مسدسات. واللجنة المختصة تعقد جلساتها سريا: وتحت رئاسة المستشار تفحص لجنة حكومية أي ما يُسمى مجلس الأمن الاتحادي الطلبات.
ومعايير الفحص حددتها الحكومة الألمانية السابقة برئاسة المستشار غرهارد شرودر في عام 2000: في حال وجود نزاع مسلح في البلد المستقبل أو أنه متورط في حرب؟ هل هناك خطر أن تُستخدم الأسلحة لقمع أقلية؟ أو أنه يتم خرق حقوق الإنسان؟ وفي حال الجواب بنعم على أحد هذه الأسئلة، فإن فرص الحصول على ترخيص تصدير تكون سيئة. ويؤكد بيتر فيزمان، خبير التسلح في معهد بحوث السلم السويدي بأنه بالمقارنة مع مصدري الأسلحة الكبار تتوفر ألمانيا على القوانين الأكثر تشددا.
الاستثناءات ممكنة
لكن حتى القوانين الألمانية المتشددة تترك بعض الثغرات مفتوحة، عندما تكون "مصالح خارجية أو أمنية" لألمانيا واردة، فيمكن للحكومة الألمانية ترخيص التصدير رغم بعض التحفظ. وفي حالة العربية السعودية استخدمت الحكومة الألمانية دوما هذه البطاقة وغضت النظر عن خرقات حقوق الإنسان والتدخل العسكري السعودي في اليمن.
"كمرساة استقرار" في المنطقة و "شريك استراتيجي هام لألمانيا" حصلت العربية السعودية على زوارق دورية وأجهزة رادار من إنتاج ألماني إضافة إلى مقاتلة يوروفايتر. فهذه المقاتلة الأوروبية التي تساهم ألمانيا بشكل كبير في صنعها، اشتراها السعوديون بأعداد كبيرة. ومنذ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي فقط داخل القنصلية السعودية في اسطنبول علقت الحكومة الألمانية الصادرات. وتفيد تقارير إعلامية أن وقف هذه الصادرات لن يستمر أكثر من شهرين.
صادرات إلى مناطق نزاعات
لكن ليس فقط الصادرات إلى العربية السعودية التي يعتبرها منتقدو التسليح مكروهة. فحتى بلدان أخرى تسود فيها نزاعات اشترت في السنوات الماضية أسلحة من إنتاج ألماني، بينها الجزائر ومصر وكولومبيا ونيجيريا. وحتى تركيا حصلت بعد الزحف داخل عفرين السورية في يناير 2018 على أسلحة من ألمانيا. ألمانيا لها قوانين تصدير متشددة "فقط عندما يلائمها ذلك"، كما ينتقد الكاتب ومنتقد التسلح أندري فاينشتاين في حديث مع DW ، معتبراً أن الحكومة الألمانية تغض البصر في كثير من الحالات لاعتبارات سياسية.
ورغم هذه الثغرات في تنفيذ القوانين الألمانية، فإنّ نظام إصدار التراخيص يشكل شوكة في أعين بعض الشركات المنتجة للأسلحة التي تلجأ إلى تأسيس شركات في بلدان تسود فيها قوانين تصدير متساهلة. فشركة راينمتال مثلا تدير شركات إنتاج ذخيرة في إيطاليا وجنوب إفريقيا تزود من خلالها زبائن مثل العربية السعودية.
هل ألمانيا هي حجرة الأسلحة في العالم؟
الأسلحة من ألمانيا مطلوبة في سوق الأسلحة العالمي. فالطلب يطال بشكل خاص الدبابات مثل ليوبارد 2 وعربات مدرعة ومسدسات وغواصات وسفن. ففي عام 2017 أصدرت الحكومة الألمانية تراخيص تصدير بقيمة 6.24 مليار يورو. وفي لائحة أكبر المصدرين للأسلحة في العالم من 2013 حتى 2017 احتلت ألمانيا المرتبة الرابعة. أما خبير الشؤون السياسية يواخيم كراوزه فيرى ألمانيا فقط في المرتبة السادسة، لأن الصين مثلا لا تصدر أرقاما عن صادرات أسلحتها.
ويفيد خبراء بأن ألمانيا تحتل مكانة ثانوية في بيع الأسلحة الخفيفة والصغيرة، ويوجد بين أكبر شركات الأسلحة المائة الأوائل في العالم فقط شركتان ألمانيتان.
فغالبية الأسلحة تبيعها الشركات الألمانية للجيش الألماني ودول صديقة، وهذا يكون سهلا لأن الصادرات للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي لا تخضع لقيود. ويبحث منتجو الأسلحة الألمان دوما عن أسواق فيما يُسمى "دول ثالثة" مثل العربية السعودية وقطر. وفي حال رفض الحكومة الألمانية هذه الصادرات، فإنها تواجه اتهام "تدمير مواطن عمل".
عامل مواطن العمل
يعمل في المجموع في ألمانيا نحو 135.000 عامل في صناعة الأسلحة. ويفيد الخبراء بأن الإشارة إلى مواطن العمل تمثل "ضربة قاتلة"، كما يعلل منتقدو التسليح الذين يشددون على أنه لا يمكن التضحية بحقوق الإنسان لصالح صادرات الأسلحة.
نينا فيركهويزير/ م.أ.م