الرسوم الكاريكاتورية الدانماركية تعود إلى دائرة الضوء
١٣ أبريل ٢٠١٢
تشبه بناية صحيفة "يولاندس بوستن" في كوبنهاغن مؤسسة شديدة الحراسة. فالبناية مزودة بأقفال، وبأجهزة كاشفة عن المعادن، بالإضافة إلى الحراس الذين يحيطون بها وذلك تحسبا لدخول الزوار غير المرغوب فيهم. فالصحيفة الدنماركية لها أعداء بما فيه الكفاية. لأنها هي الصحيفة التي طبعت في خريف عام 2005 الرسوم الكاريكاتورية التي اعتبرها الكثيرون من المسلمين مسيئة للنبي محمد. مما أثار موجة من السخط في بلدان إسلامية عديدة، نتجت عنها مظاهرات عنيفة قُتل فيها 150 شخصا.
لقد أصبحت صحيفة " يولاندس بوستن" ورسام الكاريكاتير كورت فيسترجارد، الذي رسم النبي محمد وهو يرتدي عمامة على شكل قنبلة، رموزا للكراهية بالنسبة للإسلاميين المتطرفين. وشكلت الصحيفة ورساموها مرارا هدفا للتهديدات بالقتل ولخطط هجومية. اليوم تبدأ في كوبنهاغن محاكمة أربعة من المشتبه بهم. ووفقا للنيابة العامة فإن المشتبه بهم كانوا يخططون لمجزرة في مكاتب صحيفة "يولاندس بوستن". وينتمي المتهمون إلى دول عربية مختلفة، كما يُحسبون على التيارات الإسلامية.
الضغط يزداد على رسامي الكاريكاتير
وكاد أندرس يريشوف وهو مراسل صحفي معروف أن يكون ضحية مفترضة للهجوم، لأنه كان في المبنى. فهو يعمل في صحيفة "بوليتيكن" الدنماركية وهي صحيفة، تُصدرها دار النشر نفسها التي تصدر "يولاندس بوستن". في الدنمارك قام يريشوف بنشر كتاب بعنوان "رسامو الكاريكاتير في حقل ألغام عالمي". وقد جال لمدة ثلاثة أشهر حول العالم، بما في ذلك عمان ونيودلهي وباريس للتحقيق في ظروف عمل رسامي الكاريكاتير في حقبة ما بعد الرسوم الكاريكاتورية الدانماركية.
في كتابه يخلص يريشوف إلى أن الضغط ازداد على رسامي الكاريكاتور السياسيين منذ الاحتجاجات ضد الرسوم الكاريكاتورية الدانماركية. بل إنهم يعيشون في وضع أكثر خطورة من زملائهم الصحافيين، الذين يتناولوا القضايا السياسية، وبالتالي صار عملهم عبئا حتى على رؤسائهم. هذا الأمر لا ينطبق فقط على رسامي الكاريكاتور الذين ينتقدون الإسلام، وإنما يحاول ممثلو ديانات أخرى وسياسيين عرقلة عملهم. وخوفا من العواقب المترتبة عن ذلك، تزايدت الرقابة الذاتية، ليس فقط في الدول العربية، ولكن أيضا في أوروبا.
أخذ الحساسيات في عين الاعتبار
وقد أصبح رسامو الكاريكاتير في ألمانيا أكثر حذرا من قبل عند تناولهم الموضوعات المتعلقة بالإسلام. هايكو ساكوراي، رسام كاريكاتير يعمل في صحف ألمانية يومية مثل "دي فيلت" و "فايننشال تايمز دويتشلاند". ولا يريد ساكوراي، الذي يرسم رسوما كاريكاتيرية من وحي الأحداث اليومية، أن يقول إنه يمارس الرقابة الذاتية على نفسه، لكنه يقول إنه أصبح حذرا في السنوات الأخيرة. ويضيف: "أعتقد أن الاحتجاجات ضد الرسوم التي تناولت النبي محمد، شكلت نقطة تحول معينة".
ويتابع رسام الكاريكاتير الألماني قائلا: "عندما أرسم رسما، أتساءل بطبيعة الحال عن الآثار المترتبة عن ذلك: هل ذهبت أبعد مما ينبغي؟ هل لم أذهب بعيدا بما فيه الكفاية؟ منذ قضية الرسوم الدنماركية، وأنا أسأل نفسي هذه الأسئلة. لقد تفاقمت لدي الحساسية فيما يخص بعض المواضيع". حول الفضيحة الجنسية في الكنيسة الكاثوليكية التي حصلت قبل نحو عامين، قال ساكوراي إنه رسم بقدر من الحرية أكثر من تلك التي كانت لديه عندما تناول الإسلام.
رقابة ذاتية في هيئات التحرير
على الرغم من الشعارات التي يرددها رؤساء التحرير عن حرية التعبير خلال مناقشة الرسوم الكاريكاتيرية عن النبي محمد، فإنه كان ينبغي أن تكون هيئات تحرير تلك الصحف في بعض القضايا أكثر حذرا من غيرها. وقد كان هايكو ساكوراي يريد في وقت سابق نشر رسوم عن الإسلام في الصحف الألمانية بعد الاحتجاجات، ويقول: "ثم فكرت إنها صعبة جدا وأنا لا أعرف ما إذا كان من شأنها أن تطبع حتى اليوم".
المعايير التي يحددها الناشرون لتقييم مدى قابلية الرسوم الكاريكاتورية للنشر هي معايير آخذة في التغير. وتقول تيريزا ناب وهي باحثة متخصصة في الإعلام من هانوفر: "حرية الرأي هي بالنسبة لنا حق أساسي، ولكن ينبغي مناقشة حدودها أيضا". قضية الرسوم الكاريكاتورية كانت مناسبة لمثل هذه المناقشة، وكان من الطبيعي على رسامي الكاريكاتير أنفسهم أن يناقشوا الآراء حول الإسلام، تلك التي لا تزال مقبولة وتلك التي لم تعد مقبولة.
الدفاع عن حرية الرسم
ساكوراي نفسه لم يسبق أن تلقى تهديدات بسبب رسومه، ولكن هناك رسامو كاريكاتير ألمان، تلقوا تهديدات. قبل نهائيات كأس العالم، قام زميل لساكوراي، برسم الفريق الإيراني لكرة القدم على شاكلة انتحاريين بأحزمة ناسفة. في الواقع، كان ذلك الرسم انتقادا موجها ضد فكرة سخيفة لبعض السياسيين الألمان، الذين دعوا للجوء للقوات المسلحة خلال نهائيات كأس العالم في ألمانيا.
ولكن رسم اللاعبين الإيرانيين على ذلك الشكل، لم يجلب سوى الغضب من إيران والإيرانيين في المنفى ومن جميع أنحاء العالم. وقد تلقى ذلك الرسام عدة تهديدات بالقتل، وكان عليه أن يختفي لفترة من الوقت. "لقد صدمت جدا"، يعترف ساكوراي. ومع ذلك فإنه يريد الدفاع عن حرية الرسم، على الرغم من أنه قد يكون خطيرا أحيانا.
يان بروك/ ريم نجمي
مراجعة: أحمد حسو