الحرب في لبنان تصيغ تحالفات جديدة في أوروبا
١ أغسطس ٢٠٠٦مرة جديدة فشل الأوروبيون في اتخاذ موقف مشترك ازاء الوضع القائم في لبنان. وتجلى هذا الفشل حسب المحللين في رفض عدد من الدول لمسودة البيان الختامي الذي قدمته الرئاسة الفنلندية للمجلس ودعت فيه الى وقف فوري لاطلاق النار بين اسرائيل وحزب الله. وتبنى الوزراء في اجتماعهم الطارئ في بروكسيل صياغة أقل حدة حين دعو الى "وضع نهاية فورية للعمليات الحربية في لبنان يعقبه وقف مستديم لاطلاق النار". واتفق على هذه الصيغة المخففة التي نقلها بعض الدبلوماسيين بعد محادثات استغرقت اربع ساعات في الوقت الذي صعدت فيه اسرائيل هجماتها على مقاتلي حزب الله متعهدة بتكثيف العمليات البرية في تحد لدعوات وقف اطلاق النار. وقال البيان ايضا ان اعضاء الاتحاد الاوروبي مستعدون للمساهمة بقوات لتشكيل قوة دولية لحفظ السلام في لبنان. وقال دبلوماسيون ان فرنسا والسويد واسبانيا واليونان ايدت مسودة البيان لكن بريطانيا والمانيا وجمهورية التشيك وبولندا ارادت صياغة اخرى بديلة تطالب بوقف "العمليات الحربية". ويبدو ان الحرب الحالية في لبنان أعادت تشكيل صيغة التحالفات في الاتحاد الاوروبي بسبب تغير الحكومات التي كانت تعارض أو تؤيد الولايات المتحدة في حربها على العراق. فاسبانيا وايطاليا انتقلت من الخندق المؤيد للسياسات الأمريكية ابان حكم رئيسي الوزراء أزنار وبيروسكوني الى خندق المعارض المهذب في عهد ساباتيرو وبرودي، في حين اقتربت المانيا من الولايات المتحدة في عهد المستشارة الجديدة أنجيلا ميركل.
وكانت مسودة بيان صدرت عن رئاسة الاتحاد الأوروبي التي تتولاها فنلندا قد قالت أن وزراء خارجية الاتحاد يعتزمون الدعوة الى وقف فوري لاطلاق النار، كما حذرت أيضا من انتهاك القانون الدولي في القتال الدائر منذ ثلاثة اسابيع بين اسرائيل ومقاتلي حزب الله. وقالت مسودة البيان: "ان التغاضي عن الاحتياطات اللازمة لتجنب خسارة ارواح المدنيين يمثل انتهاكا صارخا للقانون الانساني الدولي." واختلفت الدول الاعضاء حول المطالبة بوقف فوري لاطلاق النار واصدار بيان موحد يفصح عن الخلاف مع الولايات المتحدة التي تؤيد اسرائيل وترفض الدعوة الى وقف فوري للعنف. ووصفت فنلندا في وقت سابق اليوم قرار اسرائيل بتصعيد العمل العسكري ضد جماعة حزب الله بأنه غير مقبول.
" سياسة إسرائيل في لبنان غير مقبولة"
وفي السياق ذاته قالت فنلندا اليوم الثلاثاء ان قرار إسرائيل تصعيد عملياتها العسكرية في لبنان غير مقبول ولن يؤدي إلا لإذكاء التطرف في الشرق الأوسط. وقال وزير خارجية فنلندا اركي تيوميويا الذي رأس الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي للصحفيين ان على الاتحاد البالغ عدد أعضائه 25 دولة اتخاذ موقف موحد مجازفا بتوضيح خلافه مع الولايات المتحدة التي تدعم إسرائيل. وقال قبيل مخاطبته لقادة البرلمان الأوروبي: "من غير المقبول ان تستمر إسرائيل في سياستها الحالية. "كلمات السيد /رئيس الوزراء ايهود/ اولمرت وخططه لشن مزيد من الهجمات العسكرية تثير القلق ونوجه له هذه الرسالة.. من غير المرجح تحقيق نجاح عسكري فهذا لن يؤدي الا لاذكاء الدعم لحزب الله والمتطرفين الاخرين في المنطقة."
ورغم الانقسام في موقف الاتحاد الأوروبي حتى الان بشأن المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار سيعمل الاتحاد على توحيد كلمته للضغط من اجل التوصل لتسوية سياسية يمكن على اثرها إرسال قوات أوروبية للاشراف على الوضع في جنوب لبنان. وقالت مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية بنيتا فيريرو فالدنر لرويترز ان مصداقية الاتحاد الاوروبي اصبحت على المحك، مضيفة أن "اوروبا ستفقد مصداقيتها اذا لم تعمل بقوة كافية للتوصل الى حل قصير الاجل من اجل وقف العنف ثم تتحرك بفاعلية للحصول على حل طويل الاجل اكثر قوة." وتابعت "اعتقد ان الضغط على اسرائيل سيتصاعد من جانب الاتحاد الاوروبي وسنرى ضعف الجهد المبذول او ثلاثة اضعافه لوقف الاعمال العدائية." وقال دبلوماسيون أوروبيون ان الوزراء متأهبون للضغط من اجل الإسراع بإصدار قرار من مجلس الأمن الدولي ومناقشة تشكيل قوة حفظ سلام دولية دون تعهدات محددة بشان تلك القوة.
المناخ غير مهيأ لقوة سلام دولية
وفي تجاهل للدعوات المتنامية المطالبة بوقف اطلاق النار قصفت اسرائيل مناطق في شرق وجنوب لبنان اليوم الثلاثاء وتحاول الآن التوغل اكثر عمقا في الاراضي اللبنانية لدفع حزب الله بعيدا عن الحدود. وعقب ثلاثة اسابيع من اندلاع الحرب قال وزير اسرائيلي ان القوات الاسرائيلية بحاجة الى عشرة ايام اخرى على الاقل لاستكمال عملياتها العسكرية. هذه التصريحات وغيرها دعت وزير الخارجية الايطالي ماسيمو داليما، الذي اجرى محادثات مع رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت ووزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس في القدس يوم الاحد الماضي الى القول: "في مناخ كهذا لن يرسل احد جنوده." واضاف "اما ان يكون هناك وقف لاطلاق النار وجهد من المجتمع الدولي او تكون هناك حرب..المجتمع الدولي لا يعتزم المشاركة في حرب." وتدرس كل من ايطاليا وفرنسا وفنلندا وبولندا والسويد واسبانيا ارسال قوات الى لبنان. كما قالت تركيا واندونيسيا انهما ربما تساهمان في قوات لحفظ السلام. وقال وزير خارجية فنلندا اركي تيوميويا "اي قوة دولية يتعين ان تحظى بتفويض من الامم المتحدة ولن تكون قوة اوروبية، لكن الاتحاد الاوروبي سيتحمل القدر الاكبر من المسؤولية عن هذه القوة وانجازها لتفويضها."
يذكر ان المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل كانت قد رفضت في حديث الى صحيفة "بيلد أم زونتاغ" يوم الأحد الماضي أن المانيا لن ترسل جنودا الى لبنان، بل ستشارك في دعم القوة المحتمل إرسالها بطرق وأساليب أخرى.
بريطانيا تغرد خارج السرب
من بين دول الاتحاد الاوروبي حذت بريطانيا حتى الان حذو الولايات المتحدة قائلة ان اي وقف لاطلاق النار يجب ان يكون "مستداما" وهو ما يراه منتقدون ضوءا اخضر لاسرائيل للمضي قدما في قصف حزب الله، في حين ترغب الغالبية من الدول الأعضاء بالاتحاد في وقف فوري لإطلاق النار. لكن متحدث باسم الخارجية البريطانية قال ان الانقسامات يجري رأبها. وقال دبلوماسيون ان العمل على التوصل لوقف اطلاق النار ستليه تسوية سياسية للازمة. وكان مسؤول بريطاني قد قال اليوم الثلاثاء ان بريطانيا لا يمكنها ان تقبل مشروع قرار للاتحاد الاوروبي يدعو الى وقف اطلاق النار على الفور بين اسرائيل وجماعة حزب الله في لبنان.