الحرب في غزة تجدد الجدل في المانيا حول معاداة السامية
٢٣ يوليو ٢٠١٤كشف الإدعاء الألماني العام في برلين أنه ينظر في دعوى منظمة اللجنة الأمريكية اليهودية "ايه.جيه.سي" بعدما كان العديد من المتظاهرين العرب قد رددوا هتافات اعتبرتها المنظمة صاحبة الدعوى معادية لليهود. مشيرة إلى أن هناك مقاطع فيديو مصورة لهذه المظاهرات على الإنترنت. وفي الوقت ذاته طالبت المنظمة الادعاء العام بالتحقيق مع شخص مسلم بتهمة التحريض على اليهود وعلى إسرائيل في كلمة ألقاها في مسجد النور بحي نويكولن بالعاصمة الألمانية.
"شرطة برلين تنحني أمام العداء لليهود" هكذا عنونت صحيفة "تاغستسايتونغ" البرلينية إحدى مقالاتها التي انتقدت عدم تدخل الشرطة بعد ترديد شعارات معادية للسامية، وهو مقال تم تداوله على نطاق واسع في شبكات التواصل الاجتماعية. ياكوف هاداس هاندلسمان سفير إسرائيل في ألمانيا منذ عام 2012 قال في حوار مع DW "لسنا ضد المظاهرات أو ضد حرية التعبير، إن هذا هو جوهر الديمقراطية"، إلا أنه أضاف "حينما يتحول الأمر إلى عنف ضد الشرطة أو ضد متظاهرين مؤيدين لإسرائيل فهذا غير مقبول. أعتقد أن هذا يجب أن يثير قلق الألمان، فهناك شعارات معادية للسامية من قبيل (اليهود لأفران الغاز) ".
بين حرية التعبير وبين معاداة اليهود؟
في حوار مع DW يقر نبيل يعقوب من المنظمة العربية لحقوق الإنسان في لايبتسيغ بأن هناك بالقطع "أصوات فردية ترفع شعارات هنا وهناك معادية لليهود، وهذا غير مناسب ويرفضه الفلسطينيون ويرفضه أيضا منظمو هذه المظاهرات" وأضاف "لا يمكن اتهام هذه المظاهرات في مجملها بأنها معادية للسامية". إلا أن ستيفان غريغا أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيينا يرى أن ما يحدث "معاداة محضة للسامية، كما كان عليه الأمر في ألمانيا قبل سبعين عاما". وأوضح غريغا أن نفس المظاهر تكررت بمناسبة مواجهات سابقة بين إسرائيل وبين حماس، إلا أن الجديد هو أن "كثير من المشاركين (في المظاهرات) يجاهرون صراحة بدعمهم لحماس أو لحزب الله الشيعي في لبنان أو حركة الجهاد الإسلامي". وأضاف غريغا أن الإسلاميين يوظفون صور القتلى المدنيين في غزة لإعادة إحياء عداء قديم للسامية برفع شعارات من قبيل "إسرائيل قاتلة الأطفال"، محذرا من العدوانية المتزايدة لهؤلاء وقدرتهم على حشد الآف الناس.
إلا أن نبيل يعقوب يرى أن هدف المظاهرات هو "التنبيه إلى أن عشرات السنين مضت على الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في خرق للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي"، محذرا من "تحويل النضال من أجل مبادئ وقيم يدعمها القانون الدولي إلى تعاليم تحمل العداء للمسيحيين والمسلمين واليهود".
وفي سياق متصل عبر ستيفان غريغا عن قلقه البالغ للانتشار المتسارع للعداء ضد إسرائيل لدى الألمان. فقد كشف استطلاع للرأي لأسبوعية "شتيرن" أن نصف الألمان تقريبا يلومون إسرائيل ويحملونها مسؤولية الحرب في غزة، فيما يلوم النصف الآخر حركة حماس. نفس الاستطلاع أظهر أن 86% من الألمان لا يوافقون على دعم علني لإسرائيل من قبل الحكومة الألمانية. واعتبر غريغا أن تعبير "نقد إسرائيل" في اللغة الألمانية يعبر في حد ذاته عن استياء مبطن لا يستهدف قرارات معينة للحكومة الإسرائيلية فحسب بل يشمل ايضا حق دولة إسرائيل في الوجود"، وأضاف أن مرادفات لهذا التعبير لا توجد بالنسبة للدول الأخرى فلا أحد يتحدث عن "نقد اليابان" أو "نقد السويد". واستغرب أستاذ العلوم السياسية قائلا "علينا التساؤل لماذا 200 قتيل من الفلسطينيين تكفي لحشد آلاف الناس في الشوارع، ولا أحد يهتم بمقتل مئات الآلاف من السوريين".
نقد أساليب مكافحة العداء للسامية
إحدى مستعملات توتر تساءلت في تغريدة لها "متى يمكن وصف ما يقع ب"الإبادة الجماعية" دون السقوط في العداء للسامية؟". بل إنّ رولف فيرليغه وهو يهودي وعضو سابق في المجلس الأعلى لليهود في ألمانيا حمّل مسؤولية هذه الأجواء المعادية على عاتق الحكومة الإسرائيلية ففي حوار له مع محطة "دويتشلاندفونك" الألمانية وصف قطاع غزة بالسجن الكبير، مؤكدا أن نقد السياسة الإسرائيلية يجب أن يكون متاحا دون اتهام أصحاب النقد بالعداء للسامية. "حينما يقول ساستنا ومعهم وسائل الإعلام إن ما تقوم به إسرائيل صحيح، وحينما يقول ممثلو اليهود في ألمانيا وفرنسا، من يقف ضد إسرائيل يقف ضد اليهود، فهذا بالضبط ما يثير تلك الشعارات المعادية للسامية".
وعلى غرار قيادات الحزب الاشتراكي الديمقراطي طالب الحزب المسيحي الديمقراطي في ألمانيا على لسان أمينه العام بيتر تاوبر بعدم التسامح بأي شكل من الأشكال مع المتظاهرين الذين يرددون هتافات مناهضة للسامية وأكد تاوبر "إننا نعتبر عودة اليهود للعيش بيننا بمثابة هدية كبيرة" مشيرا إلى أن ذلك ليس أمرا بديهيا "في ضوء الفظائع المهينة للإنسان التي ارتكبها النظام النازي بحق اليهود".
وفي جواب له على سؤال ل DW حول ما إذا كان يتفهم حساسية هذا الموضوع وحدة الجدل حوله بحكم تاريخ ألمانيا ومأساة الهولوكست أوضح نبيل يعقوب "إن كان هناك ثمة درس نتعلمه من تاريخ ألمانيا وتاريخ الاضطهاد البشع لليهود وغيرهم من الشعوب، فهو أن على كل شعب أن يقف بحزم ضد مظاهر العنصرية والاضطهاد والاحتلال والقتل". واستطرد نبيل يعقوب موضحا أن العالم اليوم يشهد ظواهر غريبة منها "الإسلاموفوبيا، والعداء للمسيحيين في العراق وسوريا من قبل داعش، وهناك أيضا العداء للسامية. لكن مطالبة إنهاء حصار غزة ووضع حد للحصار والاحتلال لا يمكن أن تلصق به تهمة العداء للسامية".