الجيش الألماني من ماكينة للحرب إلى أداة لحفظ السلام
كان نزع سلاح الجيش هو شرط الحلفاء الأساسي للقبول باستسلام ألمانيا في الحرب العالمية الثانية. وخرجت المؤسسة العسكرية الألمانية من الحرب منهارة أشد الانهيار. وظلت ألمانيا بدون جيش حتى بعد تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية عام 1949، حيث تولد لدى الألمان نفور من الحرب والمؤسسات العسكرية بعد الويلات التي شهدوها وعايشوها. لذلك تعالت أصوات المحتجين من داخل ألمانيا نفسها عند الإعلان عن إعادة تشكيل الجيش الألماني مرة أخرى عام 1955.
وقتها كان التهديد السوفييتي لكيان جمهورية ألمانيا الاتحادية الهاجس الأكبر الذي قض مضجع أديناور، أول مستشار لجمهورية ألمانيا الاتحادية السابقة، وهذا ما دفعه إلى التشديد على ضرورة تكافل العالم الحر للوقوف في وجه هذا الخطر. كما رأى أديناور أن إعادة تسليح الجيش الألماني والدخول في حلف أوروبي غربي تتحول فيه ألمانيا الاتحادية إلى حصن قوي يقاوم خطر الامتداد الشيوعي يمثل الإمكانية الوحيدة المتوفرة على أرض الواقع لضمان حرية ألمانيا الغربية سابقاً واستقلالها.
من الدفاع إلى حفظ السلام
لم يكن لأحد من المحتجين آنذاك أن يتنبأ أن بعد عقدين من الزمان سيقوم جنود ألمان بمهام حفظ السلام في أنحاء متفرقة من الكرة الأرضية. في الواقع لم تخضع أي مؤسسة حكومية ألمانية لكم من التغييرات مثلما فعل الجيش الألماني. فمن عام 1955 وحتى عام 1989 كانت مهام الجيش الألماني لجمهورية ألمانيا الاتحادية السابقة تتمثل وبشكل رئيس في الدفاع عن الأمن القومي. وكانت الترسانة العسكرية تتكون من 7300 دبابة و1200 طائرة حربية.
أما التغيير الأكبر في الجيش الألماني، الذي يحتفل هذا العام بعيد ميلاده الخمسين، فجاء بعد إتمام الوحدة الألمانية عام 1989. إذ اندمج الجيشان (الشرقي والغربي) في جيش واحد يحمل اسم ألمانيا الموحدة، وانتهت الحرب الباردة وما رافقها من مخاوف من التهديد الروسي. مما جعل من الجيش الألماني مؤسسة وظيفتها حفظ الأمن والسلام أكثر من كونها قوة ردع أمام الأخطار العسكرية التي تتهدد أمن البلاد. واليوم ينشط الجيش الألماني في حل النزاعات وحفظ الأمن في العديد من الحروب الصغيرة في مناطق مختلفة من العالم، من أوروبا وحتى أفغانستان. ومن أهم التغييرات الحاسمة التي حصلت مؤخراً في الجيش الألماني هو فتح الباب أمام النساء للالتحاق بالجيش، اعتباراً من 1 يناير/ كانون الثاني 2001.
يخضع الذكور من الشباب الألماني بعد بلوغ الثامنة عشرة من العمر للتجنيد الإلزامي الذي تبلغ مدته تسعة أشهر. وينص القانون الأساسي على أنه لا يجوز إجبار أي شخص على حمل السلاح ضد ضميره. ويتوجب على من يرفض أداء الخدمة العسكرية لأسباب تتعلق بالضمير، الالتزام بأداء خدمة بديلة، تبلغ مدتها اعتبارا من تسعة أشهر أيضاً، وتتضمن على وجه الخصوص أداء مهام في مجال الخدمة الاجتماعية، وحماية البيئة، والطبيعة، ورعاية الأراضي.
مهام وواجبات الجيش الألماني
يلعب الجيش الألماني في مناطق النزاع والحروب دور الشرطي والتقني. فبالإضافة إلى مساهمته في حفظ الأمن والسلام في هذه المناطق، يحاول في الوقت ذاته المشاركة والمساعدة في عملية إعادة إعمار المناطق المتضررة من الحروب وذلك من خلال تقديم المساعدات والخبرات التقنية اللازمة.
تبعاً للدستور الألماني، فإن واجبات ومهام الجيش الألماني تتمثل في الدفاع عن أمن ألمانيا واستقرارها وحماية مواطنيها، بالإضافة إلى دعم الاستقرار في الإطار الأوروبي والعالمي والمساهمة في الدفاع عن الحلفاء (حلف الناتو) ودعم العمل المشترك متعدد الجنسيات. ومن مهام الجيش الأخرى عمليات الإنقاذ والإجلاء عند الكوارث، والشراكة والتعاون وتقديم المساعدة. ولقد برز دور الجيش أثناء كارثة الفيضانات التي اجتاحت ألمانيا قبل عامين، إذ استطاع الوصول إلى المناطق المنكوبة وإجلاء ساكنيها، كما نجح في تشييد أماكن إيواء سريعة لهم.
مناطق تمركز القوات الألمانية في الخارج
أفغانستان ومنطقة البلقان هما المنطقتان الرئيسيتان اللتان تتمركز فيهما قوات من الجيش الألماني. ففي إطار قوة حفظ الأمن الدولية (إساف) هناك 2000 جندي يتمركز معظمهم في العاصمة كابول، في حين تتمركز فرق إعادة الإعمار في مدينتي قندس وفايس أباد في شمال البلاد. وتخطط الحكومة لإرسال فريق إعادة إعمار آخر إلى منطقة الشمال. ويتم إمداد وتموين القوات من خلال قاعدة تيرميس العسكرية في أوزبيكستان. وفي إطار قوة حفظ الأمن الدولية (كفور) في الكوسوفو تقوم ومنذ عام 1999 قوات من الجيش الألماني وقوامها 2600 جندي بتأمين السلام في منطقة بريزرن، هذا وتنطوي مهمة المراقبة في البوسنا والهرسك منذ ديسمبر عام 2004 تحت جناح الإتحاد الأوروبي. وفي إطار مهمة محاربة الإرهاب يشارك الجيش الألماني بوحدات بحرية في القرن الإفريقي. وإلى جانب كل ذلك يتم الاستعانة وبشكل دوري بوحدات من القوات الخاصة (KSK) في أفغانستان. كما تقوم وحدات بحرية أيضاً بحراسة سير الملاحة البحرية في شرق وغرب البحر الأبيض المتوسط. أما أحدث المهمات فستتمثل في إرسال مراقبين عسكريين إلى جنوب السودان.