"الجهاد" لصالح الأسد
٢٠ يناير ٢٠١٤الصور التي نُشرت مؤخرا على الإنترنت كانت صادمة: يشاهد عليها جثث دامية لرجال وقد ذبحوا من العنق. وبحسب ما ذُكر فقد وجدت تلك الجثث في المناطق التي تخضع لسيطرة التنظيم الإرهابي "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (المعروفة اختصارا بـ"داعش"). ورغم أنه لم تثبت صحة الصور كما لم يثبت تزويرها، إلا أن الغرض منها قد تحقق، ألا وهو تنبيه سكان العالم إلى خطر الرعب، الذي تنشره الجماعات الجهادية القادمة من الخارج والتي تنتشر الآن في سوريا – وخاصة تنظيم "داعش".
ومن خلال هذا التنظيم تفتّت خط الجبهة بالنسبة لمعارضي الأسد. في البداية وجد هؤلاء الجهاديون الأجانب ترحيبا من مقاتلي المعارضة السورية، بسبب أسلحتهم و خبرتهم القتالية. ولكن الأنباء المتواترة عن الانتهاكات الجسيمة التي قام بها تنظيم داعش غيرت الأمور كليا: وهكذا تحول الثوار السوريون إلى أعداء للجهاديين. وفي غضون الأسبوعين الأخيرين فقط، قتل أكثر من ألف شخص في المعارك المندلعة بين مقاتلي المعارضة المسلحة والجهاديين، كما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره لندن، والذي يوثق ضحايا الحرب في سوريا. ووفقا للمرصد فإنه بين الألف قتيل 130 من المدنيين، عشرون منهم أعدموا ميدانيا.
الصراع بين المعارضة السورية وتنظيم داعش يزداد ضراوة: ميليشيات داعش أعدمت حوالي 100 من المقاتلين المعارضين، فيما أعدم المعارضون ما يقرب من 60 جهاديا، وفقا للمرصد.
نبوءات نظام الأسد تتحقق
معظم الصور والتقارير المتداولة على الانترنت نشرت من قبل مدنيين غير مشاركين في القتال على ما يبدو. هذه الحرب الإعلامية تصب في المقام الأول في صالح نظام الأسد. فمنذ بداية الثورة في سوريا، سارع النظام السوري إلى وصف معارضيه جميعا بـ"الإرهابيين"، بغض النظر عما إذا كان هؤلاء مواطنين سوريين أو أجانب، ممن دخلوا لاحقا بعد شهور على انطلاق الانتفاضية ضد الأسد.
مصطلح الإرهابيين كان يظهر بشكل يومي على موقع وكالة الأنباء الرسمية "سانا". وبفضل المتطرفين الأجانب الذين دخلوا البلاد، صار يمكن للنظام استخدام ذلك المصطلح دون أن يشكك أحد به: فالكلمة التي كانت في البداية مجرد دعاية للتنديد بالمعارضين، تحولت رويدا رويدا لتمسي واقعا سياسيا. "يفرك النظام يديه فرحا ويراقب كيف تحولت النبوؤة التي اخترعها لتمسي بالتدريج واقعا"، كما كتب الموقع السياسي الشهير المتخصص بشؤون الشرق الأوسط "المونيتور".
انفتاح غربي على الأسد
هذا الواقع جاء لصالح النظام من الناحية السياسية. لتتحول أولويات الدول الغربية إلى مواجهة التهديدات الإرهابية. فبعد أن كانت في بداية الانتفاضة إلى جانب المتظاهرين، تحولت الآن لتصبح إلى جانب نظام الأسد – ليس بدافع التعاطف معه وإنما خشية من انتشار الإرهاب. فصار هناك خشية من تحول المجاهدين للهجوم على الغرب يوما ما.
الحرب على الإرهاب باتت ركيزة شراكة أمريكية – روسية – أوروبية – صينية، كما كتبت المحللة السياسية والكاتبة راغدة درغام في صحيفة "الحياة" الصادرة في لندن. والحكومة السورية تستغل عامل الإرهاب كي تقدم نفسها كعضو في هذه الشراكة. " الحكومة السورية وجدت في الإرهاب على أراضيها وسيلة لتكون جزءا من تلك الشراكة، لا بل أيقونة لها ولخلاصها من المحاسبة".
الإرهاب يمكن أن ينقذ الأسد
وإذا ما قررت الحكومات الغربية مكافحة الإرهاب، كما ترى درغام، فإن الدول الغربية تتخلى عن أهدافها الأساسية. "إن ما يحصل في سوريا اليوم، تحت شعار الحرب على الإرهاب، يشكل تخاذلا أميركيا – أوروبيا وارتماء في أحضان ما رسمته دمشق وحلفاؤها من خطوات تسير فيها واشنطن ولندن وعواصم أوروبية أخرى".
ويبدو أن الأمور تسير بهذا الاتجاه، وهو ما يراه الخبير في شؤون الشرق الأوسط غيدو شتاينبرغ من معهد الدراسات السياسية والأمنية في برلين، الذي يرى أن التطور الحالي يقوي موقف الأسد. لأن الواقع يظهر أن الأمريكيين باتوا، فيما يتعلق بسياستهم تجاه سوريا، يأخذون الحرب على الإرهاب بعين الاعتبار. "وإذا انتقلوا إلى تلك الخطوة، فإن الأسد يكون قد أنقذ تماما".
موضوع جديد لمؤتمر جنيف-2
حكومة الأسد تريد التحر بهذا الاتجاه من خلال مؤتمر جنيف-2 الخاص بسوريا. فقد ذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا) على موقعها الإلكتروني أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره السوري وليد المعلم تباحثا في ذلك خلال لقائهما في موسكو في 17 يناير/ كانون الثاني الجاري. وذكرت سانا أن كلا الوزيرين متفقان على الأهداف المراد تحقيقها في جنيف. "نريد من مؤتمر جنيف-2 أن يؤمن الحل السياسي للأزمة"، كما قال الوزير وليد المعلم، الذي أضاف بالقول: هذا هو "الطريق الأسلم" لتلبية "تطلعات الشعب السوري وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب".
الهدف الأصلي من المؤتمر كان إنهاء العنف في سوريا وتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات. لكن سوريا وحليفتها روسيا تريدان إدراج موضوع مكافحة الإرهاب في المفاوضات.
معضلة سياسية
وبهذا تواجه الدول الغربية معضلة حقيقية: وهي أنها من جهة تتعاون مع نظام، يتم تحميلة المسؤولية عن مقتل أكثر من مئة ألف من السوريين. ومن ناحية أخرى، تجد نفسها مضطرة لمواجهة متطرفين دينيين يشكلون تهديدا ليس لسوريا فقط. وهكذا فإذا تعاونت الدول الغربية مع نظام الأسد فسيكون ذلك عملا غير أخلاقي. وإذا لم تفعل ذلك، فسيواجهها الاتهام بانتهاك واجب حماية مواطنيها.
وعلى أي حال، فإن خطر الإرهاب الإسلاموي يخفي تحته فتيلا لانفجار سياسي، كما يقول غيدو شتاينبيرغ: "خطر الجهاديين بلغ بالفعل بُعدا غيّر وجهة نظرنا بخصوص هذا الصراع".