الجدل الأمازيغي يلون الحملة الانتخابية في المغرب
٢٣ نوفمبر ٢٠١١يلاحظ كل من يتجول هذه الأيام في المدن المغربية للوهلة الأولى أن هناك ما يميز الحملة الانتخابية التي يعرفها المغرب حاليا مقارنة بالحملات السابقة، وأول ما تلمحه العين هو انتشار حروف "تيفيناغ" (الحروف التي تستعمل في كتابة الأمازيغية) في كل مكان، الشعارات، المنشورات، اللافتات، وحتى الوقفات والمهرجانات الخطابية للأحزاب لم تغب عنها الأمازيغية في إشارة واضحة إلى أن القضية الأمازيغية في المغرب تحولت إلى موضوع جدل سياسي عززه ترسيمها في الدستور المغربي. والمثير للانتباه أن "الأحزاب نفسها التي رفضت ترسيم الأمازيغية في الدستور هي من تستعين بها اليوم في الحملة الإنتخابية" على حد قول أحمد عصيد عضو المرصد الأمازيغي للحقوق و الحريات في حوار مع دويتشه فيله.
جدل لن ينتهي
"حزبا العدالة و التنمية (معارضة إسلامية) والاستقلال (قائد الائتلاف الحكومي الحالي) اللذان عارضا ترسيم الأمازيغية سيدفعان ثمن مواقفها تلك لأنها عنصرية وتعتبر أن العربية أسمى من الأمازيغية" تقول مريم دمناتي عضوة المرصد الأمازيغي للحقوق و الحريات، وهي مؤسسة تشن إلى جانب جمعيات و نشطاء أمازيغ حملة ضد لأحزاب التي يصفونها ب"المحافظة". ونزلت أزيد من 198 جمعية أمازيغية إلى الشارع خلال الحملة الانتخابية لتعبئة المواطنين وحثهم على عدم التصويت لحزبين المذكورين.
وعرفت الفترة ما قبل المصادقة على الدستور المغربي الجديد جدلا ونقاشات حادة حول عدد من المواضيع و من أبرزها وضع الأمازيغية في المغرب حيث تباينت مواقف الأحزاب. وأججت من حدة تلك النقاشات تصريحات بعض القياديين في حزبي العدالة و التنمية و الإستقلال، ومن ضمنها تصريحات محمد الخليفة العضو القيادي في حزب الاستقلال والذي صب الزيت على النار حين قال إن "ترسيم الأمازيغية سيؤدي إلى حرب بين المغاربة" معتبرا أن الأمازيغية هي لهجات متفرقة وينبغي أن تبقى كذلك". ووصف الخليفة حرف تيفيناغ بأنه حرف "فينيقي" لاشرعية وطنية له. ثم ما لبث عبد الإله بنكيران الكاتب العام لحزب العدالة والتنمية أن انتقد بدوره حرف "تيفناغ"، ودعا إلى اعتماد الحرف العربي في كتابة الأمازيغية بدل الحروف التي أقرها المعهد الملكي للثقافة الامازيغية قبل سنوات، والتي شبهها بنكيران آنذاك ب"الحروف الصينية" وهو ما أثار امتعاض الفعاليات الامازيغية في المغرب.الأخيرة اعتبرت هذه التصريحات تهكما و سخرية من ثقافة المغاربة الأمازيغ وسعيا لتقليص مكتسبات قضيتهم. ويقول الباحث الأمازيغي أحمد عصيد "الخطير في هذا الأمر أن تصريحاتهم لم تنته عند موقف رفض ترسيم الأمازيغية بل تجاوزته إلى التهديد بتقليص ما حققته الأمازيغية، في القانون التنظيمي المقبل الذي من ِانه ترجمة مقتضيات الدستور إلى أرض الواقع. "بيد أن الأمين العام لحزب العدالة و التنمية الإسلامي قال لدويتشه فيله في معرض تعليقه على الموضوع "إنه كذب وبهتان..الأمازيغية رسمية في الدستور ونحن صوتنا على الأخير بنعم". وكان بنكيران قد اعتذر للأمازيغ خلال اجتماع دعائي لحزبه عن استعماله كلمة "صينية".
غضب الأمازيغ
وحول مدى إمكانية تأيثر دعوة الجمعيات الأمازيغية إلى معاقبة حزبه قال بنكيران لدويتشه فيله "لا أعتقد أن ذلك سيكون له تأثير لأن الأمازيغ يعرفون جيدا من هم أعضاء العدالة و التنمية وقد استقبلونا جيدا...". وحول الأساليب التي تعمدها الجمعيات الأمازيغية لدعوة الناس إلى مقاطعة الحزبين قالت دمناتي لدويتشه فيله "نحن نستعمل كافة الوسائل الممكنة من خلال توزيع منشورات أو النزول إلى الشارع و إقناع المواطنين بعواقب تحمل هذين الحزبين للمسؤولية. كما أن أنصارنا يعملون معنا في مختلف المدن المغربية". وتشن مختلف فروع هذه الجمعيات في شتى المدن المغربية حملة مضادة لحزبي العدالة و التنمية والاستقلال. ويقول الباحث الأمازيغي عصيد بهذا الصدد "لقد كنا نقاطع الانتخابات وحملاتها لأنه لم يكن معترفا بنا في الدستور. لكن اليوم بعد أن تم ذلك ارتأينا أن نشارك أيضا وذلك من خلال توعية الناس بخطر التصويت على هذين الحزبين على المكتسبات التي حققتها قضيتنا".
ولطالما اعتبرت القضية الأمازيغية من أبرز الملفات السياسة في المغرب حيث كانت الحركة الثقافية الامازيغية تتهم الدولة بتهميش الثقافة واللغة الأمازيغيتين لصالح العربية. واعتبر مراقبون أن ترسيم الأمازيغية في الدستور جاء في سياق تطورات "الربيع العربي" بهدف امتصاص غضب الأمازيغ وتحقيق مطالبهم مخافة أن يشكل ذلك سببا إضافيا في انلاع أي ثورة في المغرب.
من جهته أخرى قال توفيق احجيرة العضو القيادي في حزب الاستقلال ووزير الإسكان في الحكومة الحالية إن حزبه لم يكن يوما ضد الأمازيغية مشيرا إلى أن الناطق الرسمي باسم الحزب هو أمينه العام و الأخير "لم يسبق أن أدلى بأي تصريح فيه مساس بمكتسبات الأمازيغية". يشار إلى أن تصريحات الخليفة كانت أثارت جدلا ونقاشا بين أعضاء الحزب أنفسهم وتبرأ بعضهم من تصريحات زميلهم معتبرينها "موقفا شخصيا لا يخص الحزب". أما فيما يخص تداعيات الموضوع وعلاقته بنتائج الانتخابات الحالية قال احجيرة "لن يؤثر الأمر فينا لان هناك فرقا بين الحقيقة والفعل السياسي، و الناس يميزون بين الاثنين" ويشير احجيرة إلى أنه بالإضافة إلى وعي الناس بذلك فإن حزبه يغطي كل الدوائر أينما وجد المغاربة.
أي تأثير لحملة "المعاقبة"؟
ويعتبر عدد من المراقبين تراجع الحزبين عن موقفيهما، أو على الأقل التقليل من أهمية التصريحات المثيرة للجدل حول الأمازيغية، نابع من الخوف من أن يؤثر ذلك على فرص فوزهم في الانتخابات خاصة بالنظر لنسبة الأمازيغ المرتفعة في المغرب. لكن عبد العزيز قراقي المحلل السياسي و أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس في الرباط، يقلل من احتمال تأثير الأمر على نتائج الانتخابات المقبلة لأن "الكثير من المؤيدين لهذه الأحزاب يرتبطون بها بعلاقات تتجاوز لحظة التصويت كما أن مسألة التصويت في المغرب غير مرتبطة بأمور ثقافية بل يمليها ما هو شخصي أساسا. ومن ثم فإن التأثير سيكون محدودا" ويضيف قراقي "الكثير من الأمازيغ في المغرب بعيدون عن السياسة وغير منخرطين فيها".
ويفسر قراقي ما يحدث اليوم بخصوص الأمازيغية بما يسميه بتحولها من "قضية ثقافية" إلى مسألة سياسية و"القضية الأمازيغية اليوم بعد أن صوت المغاربة على دستور 2011 لم يعد بإمكان أحد أن يحتكرها لفائدته ويؤكد على أن ما ينبغي القيام به الآن هو تنزيل النص الدستوري ب"شكل رزين" إلى الواقع والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يتوفر على الكفاءات والقدرات التي يمكنها المساهمة في ذلك بشكل فعال ويرفض قراقي ما أسماه "إخضاع الأمور التي نص عليها الدستور إلى مزايدات سياسية بسبب العواقب التي قد تنجم عن استمرار توظيف قضايا ثقافية في صراعات سياسية.
سهام أشطو / الرباط
مراجعة: حسن زنيند