التقنية الصديقة للبيئة محور لقاء منتدى التنمية المستدامة الألماني
١٣ نوفمبر ٢٠٠٨تتمتع التكنولوجيا الألمانية عامةً بسمعة طيبة لجودتها ودقة أدائها، كما تعد ألمانيا رائدة في مجال التكنولوجيا الخاصة بإنتاج الطاقة المتجددة والحفاظ على البيئة على الصعيد العالمي. غير أن وجود تقنيات حديثة صديقة للبيئة لا يكفي بالضرورة لمواجهة التغيرات المناخية، إذ يتعين وجود أرضية سياسية واقتصادية واجتماعية تسمح بتطبيق هذه التقنيات الحديثة في المجتمع وجعلها في متناول اليد. لذلك كان المحور الأساسي هذا العام للقاء السنوي لمنتدى ايكونسينس econsense (منتدى التنمية المستدامة للاقتصاد الألماني) هو كيف يمكن لصناع القرار السياسي والاقتصادي التعاون من أجل خلق أرضية صالحة لدعم وتطبيق التقنيات الصديقة للبيئة.
حوار بين السياسة والاقتصاد
في البداية أوضح سكرتير الدولة في وزارة الاقتصاد والتقنية، يوخن هومان، أن الحل الصحيح من أجل التصدي للتغيرات المناخية ليس فرض ضرائب جديدة أو التقليل من استخدام تقنيات معينة، وإنما يكمن مفتاح الحل من وجهة نظره في دعم التقنيات الجديدة الصديقة للبيئة، وهو ما تسعى وزارته لعمله من خلال برامج عديدة لدعم الشركات والأفراد. كما أشار هومان إلى حزمة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الألمانية في الصيف الماضي من أجل الحفاظ على البيئة وتقليل انبعاث الغازات.
غير أن دعم التقنيات الحديثة من قبل الدولة، رغم حسناته، لا يكفي وحده من وجهة نظر الشركات. فقد طالب توماس كروب المسؤول في شركة لوفتهانزا للطيران، السياسيين الألمان بلعب دور أكبر من أجل اتخاذ قرارات على الصعيد المحلي والأوروبي، لما من شأنه تقليل انبعاث الغازات دون تحميل الشركات عبئا أكبر. وأوضح أن الطائرات لا تستطيع أن تسلك أقصر الطرق، وبالتالي أقلها استهلاكا للوقود، أثناء رحلاتها الأوروبية وذلك بسبب قوانين حماية المجال الجوي المختلفة لكل دولة، إذ تضطر الطائرات دائما لسلك طرق أطول. وقال كروب إن توحيد القوانين الأوروبية في هذا المجال سيخفض من انبعاث الغازات أثناء الطيران والذي يعد مصدرا هاما من مصادر تلويث الهواء.
الدكتور فرانك ماستيكس، مسؤول قسم الطاقات المتجددة في شركة ايون العملاقة للطاقة، طالب السياسيين من ناحيته بإيجاد أرضية قانونية تسهل بناء محطات توليد الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية. وأوضح أن قطاع الطاقة المتجددة لايزال حديث العهد، لكنه يحمل مقومات عديدة تبشر بالنمو والازدهار، وأضاف أن الطاقة المتجددة ليست أمرا ضروريا لحماية البيئة فحسب، بل أنها ستلعب دورا كبيرا في المستقبل، حيث من المنتظر نضوب مصادر الطاقة التقليدية مثل النفط والفحم خلال العقود القادمة، مشيرا إلى دراسات حديثة أوضحت أن الطلب على الطاقة سيزداد بنسبة 60 بالمائة بحلول عام 2030.
أهمية الوعي الاجتماعي
وبجانب البعد السياسي والاقتصادي هناك بعد اجتماعي لقضية التصدي للتغيرات المناخية. هذا البعد كان محور مداخلة الدكتور اندرياس ريشكمار، المسؤول في الأمم المتحدة عن برنامج "الإنسان كبعد في التغير المناخي.“، حيث أوضح أن من الصعب تطبيق التقنيات الجديدة ما لم يتحقق تغير في وعي البشر، وهو ما يسعى برنامجه لتحقيقه من خلال المؤتمرات العامة ودورات التوعية بمخاطر التغيرات المناخية.
ويرى السيد ريشكمار أن مسؤولية التصدي للتغيرات المناخية لا تقع على عاتق دولة أو جهة بعينها وإنما على عاتق الجميع، ولا يمكن النجاح في هذه المهمة إلا عبر تنسيق الجهود الدولية. وضرب مثلا لما يعتقد أنه تغير نوعي ناجح في طريقة التفكير، مشيرا في هذا السياق إلى الحملة الواسعة للاستغناء عن غاز الفريون المستخدم في صناعات البرادات والثلاجات لتأثيره السلبي علي ثقب الأوزون. وقال إن تضافر جهود السياسيين والإعلاميين واستجابة الشركات أدى إلى خلق وعي عالمي بمخاطر المشكلة في فترة الثمانينات، وبالتالي في إيجاد علاج لها.
وبخصوص مسؤولية الدول الفقيرة في معركة التصدي للتغيرات المناخية قال السيد ريشكمار إنه الأمم المتحدة تقوم بحملات للتوعية بمخاطر التحولات المناخية في الدول الفقيرة كما تدعم الوسائل المحلية البسيطة والمفيدة التي تحافظ على البيئة. وأضاف أنه يجب تركيز الجهود في الوقت الحاضر على تطوير تقنيات بواسطة الدول المتطورة صناعيا، باعتبارها أكبر مصدر لتلويث الهواء حاليا.
نماذج من التقنية الجديدة
وبمناسبة انعقاد اللقاء السنوي لمنتدى ايكونسينس أمس الأربعاء (12 نوفمبر / تشرين ثاني) أعلن المتحدث باسم المنتدى إطلاق موقع على شبكة الانترنت يقدم معلومات وافية عن أحدث التقنيات الصديقة للبيئة تحت عنوان (www.klimatech-atlas.de). كما قدمت شركات عديدة أحدث ما لديها في هذا المجال، فعلى سبيل المثال عرضت شركة هايدلبرجر للأسمنت HeidelbergCement اختراعا فريدا وهو أحجار للبناء مطلية بمادة كيميائية تستطيع القيام بعملية شبيهة لعملية التمثيل الضوئي التي تقوم بها النباتات، فتقوم بامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الضارة من الجو. كذلك يمكن استخدام المادة الكيميائية في طلاء الطرق، وقد استخدمت هذه الطريقة في ايطاليا وفرنسا وأثبتت فعاليتها في تقليل انبعاث الغازات الضارة في الجو.
شركة سيمنس قدمت ديودات ضوئية LED يمكن استخدامها لتحل محل المصابيح (اللمبات) الكهربية التقليدية حيث توفر 80 بالمائة من الطاقة، كما أن عمرها الافتراضي يزيد عن عمر المصابيح العادية بنحو 50 مرة. ويمكن استخدام الديودات في المطارات أو في السيارات أو في غيرها من الأماكن.
أما شركة RWE للطاقة فقدمت عدادا ذكيا للكهرباء يستطيع توضيح استهلاك الكهرباء في المنزل على شكل رسوم بيانية يستطيع المستخدم من خلالها معرفة حجم الطاقة المستخدم لكل جهاز على حدة، كما يمكن تحديد كمية الغاز المنبعثة المكافئة للطاقة المستخدمة. مشروع العداد الذكي هو مشروع قامت به الشركة بالتنسيق مع وزارة الاستثمار والتقنية، وقد تطبيقه على نطاق واسع في مدينة مولهايم ومن المنتظر أن يتم استخدامه في مناطق أخرى في المستقبل القريب.
منتدى التنمية المستدامة للاقتصاد الألماني (ايكونسينس econsense) هو اتحاد يضم عددا من كبريات الشركات الألمانية، كالعملاقة سيمنس ودايملر ولوفتهانزا وتيسن كروب وغيرها، ويهدف إلي دعم التنمية المستديمة للشركات وتعزيز مسؤوليتها المشتركة تجاه المجتمع، ويشكل المنتدى منبرا يجمع رجال السياسة والاقتصاد والإعلام من أجل تطوير أفكار اقتصادية تنموية يمكن تطبيقها في المجتمع.