التعددية النقابية في تونس: مكسب للعمال وعبء على الاقتصاد
٢٤ أبريل ٢٠١٤"لقد ولّى اليوم عهد الحزب الواحد والنقابة الواحدة، فالقانون الدولي والدستور التونسي الجديد يضمنان حق تكوين النقابات وتعددها وحرية الانضمام إليها". هكذا بدأ حبيب قيزة، رئيس "الجامعة العامة التونسية للشغل"، التي منحتها السلطات ترخيصاً سنة 2011، حديثه مع DW عربية.
ويقول قيزة، الذي أمضى 40 عاماً من العمل النقابي في "الاتحاد العام التونسي للشغل" (الجسم النقابي المركزي في البلاد) قبل أن ينشق عنه، إن عدد أعضاء نقابته الفتية يصل اليوم إلى 70 ألف شخص، مضيفاً أن "90 في المائة من العمال في تونس ليسوا في أي نقابة (10 في المائة أعضاء في المركزية النقابية) ونحن نعمل على هذا الأمر".
وبعد الثورة التونسية، التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي مطلع عام 2011، رخّصت تونس أربع نقابات جديدة، هي "الجامعة العامة التونسية للشغل" و"اتحاد عمال تونس" و"المنظمة التونسية للشغل" و"رابطة عمال تونس". وفي 2013 لفتت بعض هذه النقابات الاهتمام إليها عبر تنظيم إضرابات في قطاعات حيوية للمواطنين، مثل النقل.
"تعددية مفاجئة تربك الاقتصاد"
من جانبه، يقول المحلل الاقتصادي خميس الكريمي، لـ DW عربية إن تونس "لم تكن مهيأة للتعددية النقابية" التي ظهرت "فجأة" بعد الثورة. ويعتبر الكريمي أن "أسوأ ما في هذه التعددية هو سقوط النقابات الناشئة في المزايدات وابتزاز المؤسسات الاقتصادية وإرباكها بالإضرابات لانتزاع أكبر قدر ممكن من المكاسب والامتيازات لأعضائها، طمعاً في ضمان إخلاصهم النقابي".
ويحمل المحلل الاقتصادي بعض النقابات الناشئة مسؤولية تراجع الإنتاجية في عدد من المؤسسات الاقتصادية "لأنها غالباً ما تطالب بحقوق العمال وتتغاضى عن حقوق المؤسسة التي تراجعت فيها الإنتاجية". كما يحملها مسؤولية "حرمان البلاد من هدنة اجتماعية باتت اليوم مطلوبة لإنعاش اقتصاد البلاد المتعثر".
وبسبب تواصل الإضرابات وتعطيل عملية الإنتاج في عدة قطاعات حيوية، مثل إنتاج الفوسفات، الذي توفر صادراته إيرادات مالية كبيرة، عدّلت حكومة رئيس الوزراء مهدي جمعة خلال الشهر الجاري توقعات النمو الاقتصادي في تونس لسنة 2014 من 3.5 إلى 2.8 في المائة.
ومنذ 2011 تنام تونس وتصحو على أخبار الإضرابات العمالية التي تنفذها النقابات في القطاعين العام والخاص. وقد فرضت نقابات القطاع العام على الحكومة تثبيت عشرات الآلاف من الموظفين، بالإضافة إلى رفع رواتب العمال القدامى ومنحهم ترقيات وامتيازات حرموا منها في عهد بن علي.
ويقول مسؤول بوزارة المالية التونسية لـ DW عربية إن "الترسيم (التثبيت) ورفع الرواتب هي من بين الأسباب التي جعلت الحصة السنوية لرواتب الموظفين في القطاع العام ترتفع من ستة مليارات دينار تونسي (حوالي ثلاثة مليارات يورو) قبل الثورة إلى 10.5 مليار دينار (حوالي خمسة مليارات يورو) سنة 2014 وهو مبلغ يساوي أكثر من ثلث ميزانية تونس للعام الحالي، التي تفوق 28 مليار دينار (حوالي 14 مليار يورو)".
ويوضح نفس المسؤول أن الحكومة "كادت تعجز عن دفع رواتب الشهر الحالي لحوالي 700 ألف موظف بالقطاع العام بسبب نقص في السيولة المالية، إلا أنها تداركت الأمر باقتراض 350 مليون دينار (حوالي 175 مليون يور) من السوق المالية الداخلية". وكان رئيس الحكومة قد دعا التونسيين خلال الشهر الجاري إلى "العودة إلى العمل"، محذراً من أن الاقتصاد أصبح في وضع "كارثي" ولم يعد يتحمل تعطيل الإنتاج.
لكن إسماعيل السحباني، رئيس "اتحاد عمال تونس"، عزا تزايد الإضرابات العمالية إلى "سخط" العمال على غلاء المعيشة وتدهور أوضاعهم المادية بعد "الثورة"، لكن باحثين اجتماعيين فسروه على أنه يعود إلى "تراكم المظالم وهضم حقوق العمال" خلال الفترة السابقة للثورة.
تفعيل قوانين التعددية
كذلك، تطالب النقابات الناشئة في تونس الحكومة بتفعيل قوانين التعددية النقابية، التي يعتبر أهمها إشراك النقابات الجديدة في مفاوضات مع الحكومة حول زيادة الأجور والسماح لها باقتطاع اشتراك العضوية من رواتب الأعضاء مباشرة، بالإضافة إلى تمكين موظفي القطاع العام من التفرّغ للعمل النقابي والحصول على رواتبهم كاملة.
وحتى الآن لا يحظى بكل هذه الامتيازات مجتمعة سوى الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يبلغ عدد أعضائه نحو 800 ألف شخص ويعتبر المنظمة النقابية الأكثر تمثيلاً للعمال في تونس. وفي تعليقه على مطالب النقابات الناشئة، يقول خليل الغرياني، عضو المكتب التنفيذي لمنظمة أرباب العمل الرئيسية في تونس (أوتيكا) لـDW عربية، إن "هذه الهياكل هي مشاريع نقابات في انتظار أن تتأكّد شرعيّتها التمثيلية"، أي عدد العمال الذين تمثّلهم.
لكن حبيب قيزة، رئيس "الجامعة العامة التونسية للشغل"، يتهم المركزية النقابية "باحتكار التمثيل النقابي لطبقة العمال في تونس. وهي تضغط على الحكومة حتى لا تفعّل قوانين التعددية النقابية".
الوقت مطلوب لتقبل التعددية
هذا وكان حسين العباسي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، قد أعلن قبل أسبوع أن الاتحاد ليس ضد التعددية النقابية "إذا كانت نابعة من إرادة العمّال"، ودعا إلى "تحديد مقاييس للتمثيل النقابي". وكان قياديون في المركزية النقابية قد أعربوا في 2011 عن رفضهم إنشاء نقابات جديدة لأنها "تشتّت العمال ووحدة الصف النقابي" ولأن "أغلب الدول الديمقراطية والمتقدمة اقتصادياً، مثل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وألمانيا، فيها مركزية نقابية واحدة".
كما اتهم هؤلاء رجال أعمال وجهات سياسية بالتشجيع على إنشاء نقابات جديدة بهدف "إضعاف وضرب" المركزية النقابية، التي باتت تتمتع بثقل سياسي هام في تونس منذ أن لعبت دوراً محورياً في إخراج البلاد من أزمة سياسية حادة اندلعت سنة 2013 إثر اغتيال اثنين من قادة المعارضة العلمانية. وتزامنت هذه الاتهامات مع تعرّض مقرات للمركزية النقابية داخل البلاد لهجمات وتلقي قيادات بارزة فيها تهديدات بالقتل من مجهولين.
ويوضح عبد الجبار الرقيقي، المختص في التأهيل النقابي والتثقيف العمالي لـ DW عربية أن "الاتحاد العام التونسي للشغل يحتاج إلى مزيد من الوقت ليتقبل واقع التعددية الحالية و ينسى التجارب الماضية (قبل الثورة) التي كانت تهدف إلى إضعاف الاتحاد والقضاء عليه في فترات الأزمة مع السلطة وعند تمسكه باستقلاليته".