"البيت الأبيض افتقر إلى خطة واضحة لفترة ما بعد الحرب"
١٠ يوليو ٢٠٠٧من المؤكد أن رئاسة الحكومة العراقية ليست بالمهمة السهلة. لكن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد أغرق نفسه في المشاكل أكثر من سابقيه، فالرجل البالغ من العمر سبعة وخمسين عاما والذي يشغل منصب نائب رئيس حزب الدعوة الشيعي، يُنظر إليه على أنه دمية في يد الولايات المتحدة، في حين تصفه الولايات المتحدة بأنه ضعيف ومتردد. وهو يتُهم من قبل الطائفة الشيعية التي ينتمي إليها بأنه يتعامل برفق شديد مع مرتكبي أعمال العنف من السنة ويبدي خنوعا شديدا تجاه الولايات المتحدة. كما أنه على خلاف مع إيران التي وفرت له في الماضي الحماية من صدام حسين، لأن حكومته تتهم طهران بالتدخل في شؤون البلاد من خلال دعم مرتكبي أعمال العنف. والسعودية من جانبها تتهم المالكي بالتحيز ضد السنة وتتجاهله حيثما أمكن ذلك.
لذلك فلا عجب ألا يجد المالكي أي هناء في منصبه. منذ أشهر وهو يتحدث عن أنه على الأغلب لن يستنفذ تماما ما تبقى له من فترة ولايته، أي ما يزيد عن عامين، وأنه لن يرشح نفسه بأي حال من الأحوال لولاية ثانية. وعلى كل حال لم يكن المالكي هو الخيار الأول لرئاسة الحكومة بل تولى المنصب، بعد عدة أشهر من البحث، كمرشح ترضى به جميع الأطراف، وأعتقد الجميع أنهم يستطيعون العمل معه.
غياب استراتيجية أمريكية واضحة
واكتشاف أن ذلك كان خطأ كبيرا، لا يعني رغم هذا أن تُلقى كل التبعات على كاهل المالكي. من المؤكد أن ارتباك البيت الأبيض وافتقاده لخطة واضحة كان بالأحرى هو المتسبب في وقوع هذا الخطأ، فقد كانت هناك خطة واضحة لحرب العراق، لكن لم توضع أية خطط أو استراتيجيات لفترة ما بعد الحرب. ما أدى بدوره إلى عدم وجود ما يسمى بفترة ما بعد الحرب، فحرب العراق لا تزال مستمرة، صحيح أن جبهاتها تتغير، لكن وتيرة العنف والخسائر تتزايد بإطراد، بخاصة على جانب المدنيين.
وفي ظل هذه الظروف لا يمكن التفكير في انسحاب قريب للقوات الأمريكية من العراق. وحتى ممثلو حكومة المالكي يحذرون من الفوضى التي تتهدد البلاد في حال انسحاب تلك القوات. كذلك لم تحقق فكرة الرئيس الأمريكي بتعزيز القوات في بغداد لتحجيم أعمال العنف ونقل قواعد القوات الأمريكية إلى مناطق نائية أية نتيجة ملموسة، فالهجمات وأعمال القتل تتزايد باستمرار في بغداد. والشهر الحالي يعد أكثر الشهور دموية منذ دخول القوات الأمريكية إلى العراق.
"النتيجة في التقسيم الواضح للعراق"
ويتبدى انعدام حيلة الولايات المتحدة وافتقادها لخطة واضحة في العراق أيضا في دعم المسلحين السنة الذين كانوا يحاربون الأمريكيين ثم قرروا حسبما يقال التعاون معهم. واشنطن تدعم هؤلاء ضد المتشددين الشيعة، لكن "شبح إيران المرعب" يقف في الخلفية: يسعى البيت الأبيض إلى تقليص النفوذ الإيراني في العراق، وفي سبيل ذلك يدعم أيضا جماعات كردية عراقية تتسلل إلى إيران لتنفيذ هجمات هناك.
والنتيجة هي التقسيم الواضح للعراق، جغرافيا وأيضا في مجالات أخرى، وهكذا يتواصل نزاع العراقيين حول قانون النفط الذي قدمته الحكومة والذي يقضي بضمان توزيع الثروة النفطية على الأقاليم وفقا للنسب السكانية، وسط عجز الحكومة عن تقليص العداوات داخلها، حيث انسحب وزراء سنة وأنصار لرجل الدين الشيعي المتشدد مقتدى الصدر من الائتلاف الحكومي، وباقي الحكومة لا يتمكن من الإمساك بزمام الأمور.