الانتخابات البرلمانية في العراق: تحالفات سياسية جديدة تضع التجربة الديمقراطية على المحك
١ مارس ٢٠١٠في السابع من مارس/آذار 2010 يتوجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في انتخابات برلمانية هي الثالثة منذ سقوط نظام صدام حسين. انتخابات لن تكون سهلة حتى للناخب، فإلى جانب التهديدات الإرهابية باستهداف الدوائر الانتخابية سيتعين على الناخبين الاختيار بين عدد لا حصر له من الأحزاب والقوائم. وفي الوقت الذي يشارك فيه قرابة ثلاثمائة حزب وكيان سياسي في هذه الانتخابات، يتنافس أكثر من 6 آلاف مرشح على مقاعد البرلمان الجديد البالغة 325 مقعدا.
بيد أن المراقبين يرجحون أن النتيجة ستحسم بين عدد محدود من التحالفات الاثني عشر المعلنة، والتي ضمت العدد الأكبر من الأحزاب والقوى السياسية المؤثرة. وتأتي الانتخابات وسط خلافات شديدة وبعد تغييرات عميقة شهدتها الساحة السياسية العراقية في خريف عام 2009.
ولعل أهم هذه التطورات هو انفراط عقد أهم تحالفين قائمين على الانتماء المذهبي. فقد انقسم الائتلاف الشيعي على نفسه لينبثق منه تحالفان جديدان هما ائتلاف دولة القانون والائتلاف الوطني العراقي. هذه التطور لوحظ أيضا في صفوف السنة حيث خرجت شخصيات سنية هامة من جبهة التوافق الوطني لتنضم إلى قوى أخرى، وأهمها القائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي. وفيما تزداد الحملة الانتخابية سخونة تحاول مختلف القوى استمالة الناخب ببرامج انتخابية ووعود جديدة.
شعارات وطنية بدلا من الطائفية
أدى تفاقم العنف الطائفي في عامي 2006/2007 إلى مقتل عشرات الآلاف من العراقيين. لذلك لا غرابة في أن يبدي الكثير من العراقيين استهجانهم للصراعات الطائفية، وهو الأمر الذي دفع مختلف القوى لتغيير شعاراتها والبحث عن حلفاء جدد بهدف إبراز طابعها الوطني العام.
ويحاول ائتلاف دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء نوري المالكي تقديم نفسه ممثلا لجميع العراقيين. ويسعى هذا التحالف للتأكيد على دور المالكي في تحسين الوضع الأمني ومحاربة الإرهاب وضرب الميليشيات الشيعية وكذلك في رفع المستوى المعيشي لفئات واسعة من السكان.
وبطبيعة الحال يستفيد المالكي من هيبة منصبه وحضوره الإعلامي المكثف. إلا أن تكرر الاعتداءات الدامية في الأشهر الأخيرة هز من صورته وأثر سلبا على حظوظه بالفوز بولاية ثانية، وهو ما تحاول القوى الأخرى استغلاله، لاسيما حلفاؤه السابقون الذين توحدوا في إطار الائتلاف الوطني العراقي، الذي ويضم هذا التحالف أهم القوى الشيعية، ويأمل بلعب دور حاسم في تشكيل الحكومة المقبلة. غير أن البعض يعيب عليه أن طابعه المذهبي الشيعي لا يزال واضحا للعيان. كما ينتقده آخرون، لأنه لا يتورع عن استغلال الرموز الدينية، وعلى رأسها آية الله على السيستاني، واستخدام المساجد كمنابر لدعايته الانتخابية بأمل تحسين حظوظه وتفويت الفرصة على المالكي، الذي يحلم بولاية ثانية.
العلمانية مقابل الدين
هذا الانقسام الشيعي يمكن أن يصب في مصلحة القائمة العراقية وزعيمها إياد علاوي، الذي ما فتئ يحذر من أخطار تسييس الدين. ويراهن علاوي إلى حد بعيد على أصوات العلمانيين وكذلك الناخبين، الذين يشعرون بخيبة أمل من الأحزاب الإسلامية، محاولا في الوقت ذاته تسويق نفسه على أنه رجل العراق القوي. وبالفعل نجح علاوي أيضا في كسب شخصيات بارزة من الطائفة السنية وفي مقدمتها نائب الرئيس الحالي طارق الهاشمي، إضافة إلى صالح المطلك وظافر العاني. وعلاوة على تأكيدها على الطابع العلماني تنفرد القائمة العراقية بطرح شعارات قومية عربية.
ولهذا السبب يتهمها خصومها بأنها أصبحت ملاذا لبقايا حزب البعث المنحل. وبالفعل صدرت تصريحات من بعض قيادي القائمة فُسرت بأنها محاولة للتهوين من جرائم نظام صدام حسين الدكتاتوري وتبريرها. وكان ذلك سببا لجعل قائمة علاوي هدفا مفضلا لما يسمى بهيئة المساءلة والعدالة (هيئة اجتثاث البعث سابقا)، التي عمدت إلى منع مئات المرشحين من المشاركة في الانتخابات بحجة أنهم كانوا كوادر في حزب البعث المنحل، مما دفع نحو مائة وخمسين منهم إلى الطعن بقرار الحظر. غير أن الهيئة التمييزية أكدت معظم قرارات المنع، وبما يشمل صالح المطلك وظافر العاني. ولا يستبعد أن تلقي هذه المشكلة بظلالها حتى على فترة ما بعد الانتخابات.
الفيدرالية مقابل المركزية
ينص الدستور على أن العراق دولة اتحادية، بيد أن إقليم كردستان هو المنطقة الوحيدة التي تتمتع باستقلال ذاتي. وبسبب حداثة النظام الفيدرالي فإن الخلافات كثيرا ما تحتدم بين أربيل وبغداد. وفيما يصر المالكي على تقوية دور المركز، يسعى التحالف الكردستاني لتوسيع صلاحيات الإقليم السياسية والاقتصادية.
ومع أن هيمنة الحزبين الكرديين الرئيسين لم تعد مطلقة في كردستان في ظل نشوء قوى معارضة هناك، إلا أن التحالف الكردستاني يعتبر عمليا التحالف الكبير الوحيد، الذي حافظ على استمراريته منذ عام 2004. وهو يحرص على إبقاء الأبواب مفتوحة أمام إمكانية التحالف مع القوى الأخرى آملا أن يشارك في تشكيل الحكومة المقبلة أيضا.
نتائج مفتوحة ومفاجآت محتملة
من سيفوز بالانتخابات؟ سؤال يصعب الإجابة عليه في ظل غياب استطلاعات رأي موثوقة وحداثة التجربة الديمقراطية في العراق. فهل ستكون هناك منافسة قوية بين المالكي وعلاوي؟ أم أن الائتلاف الوطني العراقي سينجح في حشد أصوات الشيعة؟ أو يتوصل إلى حل وسط مع ائتلاف المالكي؟ أو تنجح وجوه غير معروفة في مفاجأة الجميع؟
الشيء المؤكد الوحيد هو أن قوة سياسية لوحدها لن تتمكن من حكم العراق، الأمر الذي يرجح إجراء مفاوضات ائتلافية شاقة بعد الانتخابات. ومع أهمية التحالفات المعروفة إلا أنه لا يجوز تجاهل القوى الأخرى. وفي هذا السياق يتوقع بعض المراقبين أن يحصل ائتلاف وحدة العراق بقيادة جواد البولاني وأحمد أبو ريشة على نتائج جيدة نسبيا، خاصة وأن القوى المنضوية تحت هذا التحالف سبق وأن حققت نتائج لا بأس بها في الانتخابات المحلية في منتصف عام 2009.
أما الحزب الشيوعي العراقي، فقد قرر خوض الانتخابات ضمن قائمة اتحاد الشعب مع القليل من حلفائه المتبقين. ومن الصعب التنبؤ بما إذا كان البرلمان القادم سيضم نوابا من أقدم حزب في تاريخ العراق المعاصر. ومن جهة أخرى يأمل عدة مرشحين مستقلين بحجز مقاعد في مجلس النواب المقبل.
وبغض النظر عمن سيفوز بالانتخابات المقبلة يبقى الأمل بأن تكون حرة ونزيهة وان تشكل خطوة نحو الأمام على الطريق الوعر للديمقراطية الوليدة في العراق.
الكاتب: ناجح العبيدي
مراجعة: لؤي المدهون