الاتحاد الأوروبي وحماس: مأزق الموافقة بين المصداقية وإملاءات الواقع
١٢ أبريل ٢٠٠٦أكد الاتحاد الأوروبي تعليق مساعدته المباشرة للحكومة الفلسطينية التي شكلتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وفق ما أعلنته وزيرة الخارجية النمساوية اورسولا بلاسنيك التي تتولى بلادها الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي يوم أمس. وقالت بلاسنيك خلال مؤتمر صحافي في ختام اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ: "لن نواصل في الوقت الراهن مساعدتنا المباشرة للحكومة". وأوضحت الوزيرة النمساوية أن هذا القرار "لا يشكل تهديدا ولا محاولة ابتزاز ولا عقابا جماعيا بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية في كانون الثاني/يناير الماضي التي حققت فيها حركة حماس فوزا كاسحا". كما أضافت أن هذا القرار ينطبق على المساعدة التي تقدمها المفوضية الأوروبية إلى الحكومة الفلسطينية فضلا عن المساعدات الثنائية التي تقدمها الدول الأعضاء.
لا اتصالات مع حماس "على المستوى السياسي"
أعلنت الرئاسة النمساوية للاتحاد الأوروبي اليوم الاثنين أن الاتحاد لن يجري "أي اتصال على المستوى السياسي" مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لكنه يسمح باتصالات على مستوى "أدنى" تتعلق بـ"قضايا عملية" فقط. وفي هذا السياق اتفق وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعهم في لوكسمبورغ" على عدم إجراء أي اتصال على المستوى السياسي. ستتواصل الاتصالات إذا اقتضت الحاجة على مستويات أدنى وتقتصر على قضايا عملية فقط". كما أوضحت الوزيرة الفرنسية للشؤون الأوروبية كاترين كولوناف في السياق نفسه أن الدول الأعضاء قررت "عدم إجراء أي اتصال مع أعضاء حركة حماس في المجلس التشريعي الفلسطيني أو في الحكومة الفلسطينية". وأضافت كولوناف: "لكن "مسألة اتصالات أخرى على مستويات أدنى لأغراض فنية تتعلق بنقل بعض أشكال المساعدة، ستطرح".
يذكر أن المفوضية الأوروبية قد أعلنت يوم الجمعة الماضي تعليق المساعدة المباشرة إلى الحكومة الفلسطينية وكانت تنظر مصادقة الدول الخمس والعشرين الأعضاء في الاتحاد على هذا القرار. وأعلنت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي، الجمعة تعليق المساعدات المباشرة للسلطة الفلسطينية بعد تولي حماس السلطة الشهر الماضي. وتلا ذلك إعلان مماثل من وزارة الخارجية الاميركية في خطوة يبدو أنها منسقة لزيادة الضغوط الدولية على حماس بعد فوزها المفاجئ في الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني/يناير الماضي. ويعد الاتحاد الأوروبي أكبر مانح للسلطة الفلسطينية منذ تأسيسها بمقتضى اتفاقات أوسلو المرحلية للسلام عام 1993، إذ يقدم نحو 500 مليون يورو سنويا.
وعود عربية
في الوقت الذي تزداد فيه عزلة الشعب الفلسطيني على كافة الأصعدة شدة يؤكد عمر عبد الرازق، وزير المالية الفلسطيني أن حكومته تلقت وعودا عربية ستمكنها من الاستمرار في أداء عملها لأشهر قادمة. وقال عبد الرازق في حديث لموقع حركة حماس على الانترنت "استبعد رضوخ الدول العربية للضغوط (الدولية) وان قضية الرواتب ستسدد من المساعدات العربية". وأضاف هناك "وعود من العالم العربي تمكننا من العمل لبضعة اشهر فقط وان الحكومة تعول على تحويلات الدول العربية والدعم الموعود للشعب الفلسطيني". وأوضح عبد الرازق "من المفترض أن هناك دفعة من المملكة العربية السعودية حولت أو في طريقها إلى التحويل بقيمة 20 مليون دولار، إضافة إلى وعد من الكويت بتحويل 40 مليون وآخر من الإمارات (العربية المتحدة) بقيمة 20 مليون دولار".
مصداقية الرد الأوروبي وإملاءات الواقع
قرار الاتحاد الأوروبي والإدارة الاميركية بتعليق مساعداتهما للسلطة الفلسطينية حتى تستجيب لمطالب الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف والإقرار بالاتفاقات السابقة المبرمة بين الفلسطينيين وإسرائيل يطرح أسئلة لا مفر منها حول مصداقية وعقلانية التعامل الأوروبي مع حركة سياسية توصف من منظور غربي بالراديكالية وبالعداء للسامية، إلا أنها تحمل تفويضاً ديمقراطياً حصلت عليه من خلال أكثر الانتخابات نزاهة في الشرق الأوسط في الخمسين عاماً الأخيرة. مبدئياً ينبغي على النخبة السياسية الأوروبية احترام الخيار الديمقراطي للشعب الفلسطيني وتجنب "التشنيع الأيديولوجي" بقادة حركة حماس قبل منحهم فرصة العمل السياسي الفعال والمسئول على أرض الواقع. وسيكولوجياً ينبغي التذكير بأن عزل وعقاب حماس يمثل إهانة وعقاباً للناخبين الفلسطينين، خاصة وأن الشعب الفلسطيني لا يعاني من "شذوذ سلوكي جماعي"!
أما على الصعيد السياسي فينبغي التذكير بأن مشاركة حماس في الانتخابات الشرعية الفلسطينية الأخيرة التي أجريت تحت سقف معاهدة أوسلو هو اعتراف ضمني بإسرائيل وبالاتفاقات السياسية المبرمة معها. كما أن حماس "لا تستطيع إنكار ذاتها والتنصل من هويتها بين عشية وضحاها" على حد قول آفي بريمور، سفير إسرائيل السابق في ألمانيا، خاصة وان حماس تسعى منذ فوزها في الانتخابات إلى إعادة تحديد موقعها في إطار السياسة الخارجية. وفيما يتعلق بقادة حركة حماس و"مصداقية الوعود العربية" قينبغي دق أجراس الإنذار للتذكير بأن القادة العرب، من المحيط إلى الخليج، طالما قاموا بالتلاعب بالقضية الفلسطينية وتوظيفها لخدمة أهدافهم السياسية والإقليمية على حساب معاناة الشعب الفلسطيني. فبرغم عدم وضوح الإستراتيجية الأوروبية في التعامل مع حماس، إلا أن الإتحاد الاوروبي يبقي الشريك السياسي الوحيد الذي وقف بجانب الشعب الفلسطيني في السنوات العشر الأخيرة، لا سيما وفائه بوعوده المالية على الأقل.
من هذا المنطلق ترى العقلانية السياسية ضرورة مساعدة التيار الواقعي المعتدل داخل حماس في جهوده الرامية إلى تسريع صيرورة تحولها السياسي من حركة معارضة تميل إلى الشعبوية الدينية إلى حزب سياسي يدافع عن حقوق مشروعة، لكنه يملك في نفس الوقت القدرة على التعاطي البناء مع متغيرات وإملاءات الواقع.