الإسلاميون في الجزائر: "لن نكون الاستثناء العربي"
٨ مايو ٢٠١٢بشغف كبير يترقب الاسلاميون في الجزائر حلول "ربيعهم في البلاد". ويأتي ذلك بعد سنوات طويلة من الصراع مع السلطة وبعد أعمال العنف التي أغرقت البلاد في عشرية سوداء وراح ضحيتها ما يزيد عن 200 ألف قتيل. ويبدو أن الإسلاميين بدأوا يستعدون لمرحلة ما بعد الإنتخابات حيث إنهم يصرحون بأنهم لن يشكلوا "الاستثناء" في العالم العربي، وأنهم سيحققون نفس الفوز الذي تم في تونس والمغرب ومصر. كما يؤكدون في مداخلاتهم أن الانتخابات النزيهة والشفافة لن تفرز إلا الاسلامين الذين كانوا ضحية التزوير والقمع منذ استقلال البلاد عام 1962.
ائتلاف موسع للإسلاميين
وقد كشف عزالدين جرافة، مهندس مبادرة التحالف الإسلامي التي انبثق عنها تكتل "الجزائر الخضراء" و تشمل ثلاثة أحزاب إسلامية (النهضة و الإصلاح وحمس) عن مشروع تحالف جديد من المقرر أن يضم بعد الانتخابات كل الأحزاب الإسلامية وغيرها من " الأحزاب التي لا تعادي المشروع الإسلامي ولا ترفضه". وذكر جرافة أن عددا من هذه الأحزاب أبدت موافقتها المبدئية على الفكرة. وحول الهدف من مشروع الائتلاف الجديد، قال جرافة لـ DW:"نحن بحاجة إلى توافق واسع داخل البرلمان المقبل، في ظل المؤشرات الراهنة التي تؤكد استحالة حصول أي تيار على الأغلبية المريحة، التي تمكنه من تشكيل الحكومة، وتعديل الدستور وفق طروحاته وتوجهاته". وأضاف جرافة قائلا: "سيكون ربيعنا في الجزائر متميزاً، لأن الواقع الجزائري مختلف عن بقية الأقطار العربية" واعتبر المتحدث أن تجربة التيار الإسلامي متقدمة جدا، حيث "لا توجد أي تخوفات منه سواءا من السلطة أو التيارات الأخرى المنافسة له، أو من الدول الغربية، لأن الوسطية والاعتدال خياره، وإشراك الآخرين في معالجة مشاكل البلاد منهجه".
رؤية جديدة للغرب تجاه الاسلاميين
ويزيد من ترسيخ هذه القناعة لدى الاسلاميين الزيارات التي قام بها عدد من الدبلوماسيين الغربيين لعدد من الأحزاب الاسلامية، حيث يرى بعضهم أن الغرب غير من رؤيته التقليدية تجاه الإسلاميين، وأنه مستعد للتعاون معهم في حالة وصولهم الى السلطة. ويعبر فاتح ربيعي الأمين العام لحركة النهضة- وهو طرف في" تكتل الجزائر الخضراء"- عن تفاؤله الكبير من نتائج الانتخابات، ويقول لـ DW:"كل المؤشرات تؤكد أننا سنحصد أغلبية مقاعد البرلمان المقبل، وأن الشعب الجزائري التف حول مشروعنا الانتخابي وتحمس كثيرا له، وسيدفع به يوم الاقتراع للفوز"، ويرى ربيعي أن تجربة "تكتل الجزائر الخضراء" أثبثت بأنه أحسن وسيلة للقضاء على حالة التشرذم التي عانى منها التيار الإسلامي كثيرا خلال السنوات الماضية، فهو " تيار متناغم له نفس المرجعية، والأهداف والطموحات".
وعن مستقبل الاسلاميين بعد الانتخابات يؤكد فاتح ربيعي، بأن الاسلاميين قادرون على مواجهة التحدي والوصول إلى السلطة، رغم سياسة التفكيك والاحتواء والإقصاء من قبل السلطة، لذلك فإننا "نسعى لأن نكون قوة في البرلمان القادم من خلال ائتلاف موسع يجمع كل أبناء التيار الإسلامي والمشاطرين لهذه القناعات من التيار الوطني. ومن برامج العمل المنتظرة أضاف المتحدث: "سنعمل على تعديل الدستور، وسنعيد النظر في كل الإصلاحات المزعومة التي قامت بها السلطة، بما يكرس الديمقراطية الحقيقية والحريات الإعلامية والنقابية والفصل بين السلطات واستقلال القضاء، والتنمية لن تكون إلا بإصلاح سياسي حقيقي، وليس بالإصلاحات المزعومة".
"سنكون القوة الثانية بعد التزوير"
من جهته، يتعتبر لخضر بن خلاف، القيادي في حزب جبهة العدالة والتنمية، (حزب إسلامي تأسس حديثا)، بأن حزبه سيحظى بالفوز في الانتخابات القادمة، مشيرا الى الإحترام الذي يكنه المواطنون للشيخ عبد الله جاب الله الذي عاش هو وأتباعه فترات ظلم كبير في الماضي، كما إنه لم يشارك في الحكم مثلما فعل آخرون، ولم يتورط في الفساد. وأضاف بن خلاف في حديث لـDW"إن حزب العدالة والتنمية هو أمل الشعب الجزائري في التغيير لوضع حد نهائي للفساد والمفسدين الذين نهبوا خيرات البلاد وجوعوا شعبهم"، وأضاف بن خلاف الدراع الأيمن لجاب الله " سنكون القوة الأولى، و إذا تم تزوير الانتخابات، سنكون القوة الثانية بعد التزوير".
وحول موقف الجبهة الاسلامية للإنقاذ (المحظورة) من هذه الانتخابات، فهناك هذه المرة انقسام في مواقف قياداتها. ففي الوقت الذي اختار الرئيس عباس مدني ونائبه علي بلحاج خيار المقاطعة، انحاز القيادي الهاشمي سحنوني إلى جبهة التغيير (أحد أحزاب التيار الاسلامي الجديدة) ورأى في مواقفها وبرامجها وقياداتها ما يتوافق مع مواقف الجبهة، وقال الشيخ سحنوني لـ DW“ " إن خيار المقاطعة لم يعد في صالح التيار الإسلامي والمجتمع الجزائري "، وأضاف، "نحن نأمل أن يتوحد التيار الإسلامي، ويشكل قوة في البرلمان تمكنه من تغيير الدستور والقوانين التي تقصي مناضلي جبهة الإنقاذ، وتمنع الشعب من التمتع بحقوقه".
تركيبة فسيفسائية للبرلمان المقبل
ويعتقد المحلل السياسي عبد النور بوخمخم، أن الاسلامين سيكونون أكبر مستفيد من الانتخابات المقبلة، غير أن نجاحهم لن يكون بنفس المستوى الذي حققه نظرائهم في تونس ومصر والمغرب، حيث تختلف تجاربهم، و قال بوخمخم لDW : إن"الاسلاميين في الجزائر فقدوا في السنوات الأخيرة الكثير من المبادئ والقيم التي لاتدفع بالناخب الجزائري للتصويت عليهم بنفس الزخم الذي شهدناه في البلدان المذكورة" ويعتبر الخبير أنهم "أصبحوا جزءا من الهيكلية المؤسساتية للسلطة القائمة"، حيث شاركوا منذ عام 1994في مختلف الحكومات وفي تسيير العديد من المجالس المحلية، كما تورطوا مثل غيرهم في قضايا الفساد وسوء التسيير على غرار شركائهم في الحكم وأشار أيضا الى الصراعات العنيفة والانقسامات الحادة بين الأجنحة المختلفة للاسلاميين.
وعبر الخبير بوخمخم عن اعتقاده أن أحزاب التيار الاسلامي لن تحصل على الأغلبية التي يأملون فيها، وأن تركيبة البرلمان القادم ستكون فسيفسائية، حيث لن تحصل فيه أية قوة على الأغلبية المطلقة، وهذا ما سيزيد من هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، وفي حال إن تمكن الاسلاميون من تحقيق "المعجزة" – يضيف المتحدث - فإن للسلطة أدواتها لترويضهم إذا شعرت أنهم يهددون مصالحها.
توفيق بوقاعدة/ الجزائر
مراجعة: عبدالحي العلمي