"اعتراف إسرائيل".. تكريس لرؤية الرباط لنزاع الصحراء الغربية
٢٢ يوليو ٢٠٢٣جاء قرار إسرائيل بالاعتراف بمغربية إقليم الصحراء الغربية (الأقاليم الجنوبية في التعريف المغربي) في سياق استمرار حدة التوتر بين المغرب وجارته الجزائر التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع المملكة منذ صيف 2021. وتوجد قضية الصحراء في قلب النزاع بين البلدين حيث تدعم الجزائر جبهة البوليساريو دبلوماسيا وعسكريا في سعيها لإقامة دولة مستقلة في الإقليم، فيما تقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا تحت السيادة المغربية. وعمل المغرب وإسرائيل على تعزيز علاقاتهما منذ استئنافها في نهاية 2020 عبر اتّفاق ثلاثي تضمّن أيضاً اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها.
غير أن السؤال الذي يطرحه المراقبون هو التوقيت والسياق الذي جاء فيه القرار الإسرائيلي، في خطوة ستدعم وتكرس الرؤية المغربية لحل النزاع. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "دير شتاندارد" النمساوية (20 يوليو/ تموز 2023) "حتى الدول التي اعترفت سابقًا بجمهورية البوليساريو، باتت تقبل اليوم خطة الحكم الذاتي بدون استفتاء والتي قدمها المغرب، ومعها السيادة المغربية على الإقليم. ومنذ عام 2022 ذهبت في هذا الاتجاه أيضًا إسبانيا تحت حكومة بيدرو سانشيز اليسارية مقابل ضبط مغربي للهجرة من إفريقيا إلى إسبانيا".
رسميا يحرص المغرب على عدم توصيف اتفاقات أبراهام بأنها تطبيع لعلاقاته مع الدولة العبرية، ويفضل تعبير "استئناف" العلاقات الدبلوماسية التي انقطعت بين البلدين عام 2000 في سياق الانتفاضة الفلسطينية آنذاك. ويرتبط المغرب بعلاقات تاريخية متواصلة بدولة إسرائيل، تارة في العلن وتارة أخرى في السر، يقوم جزء منها على محافظة اليهود الإسرائيليين من أصول مغربية على صلاتهم الثقافية والدينية مع البلد الأصل. وكان الملك الراحل الحسن الثاني أول زعيم عربي يلتقي ناحوم غولدمان رئيس المؤتمر اليهودي العالمي. كما كان نشطا في جهود الوساطة بين العرب والإسرائيليين ولعب دورا محوريا في اتفاقية كامب دفيد بين مصر والدولة العبرية. كما ساهم اليهود المغاربة في ترسيخ علاقات المغرب مع القوى الغربية ولعبوا دورا أساسيا في الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء. ومع وصول إدارة جو بايدن للبيت الأبيض، ظهرت مخاوف من احتمال تراجع أمريكي عن قرار دونالد ترامب، غير أن هذه المخاوف سرعان ما تبددت رغم أن إدارة بايدن لا تبدي نفس الحماس كما سابقاتها تجاه هذا الملف.
تنديد الجزائر والبوليساريو
كما كان منتظرا، حمل الرد الجزائري (20 يوليو) رفضا واضحا حيث اعتبرت اعتراف إسرائيل "بالسيادة المزعومة" للمغرب على الصحراء الغربية "خرقا فاضحا للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن ولوائح الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص قضية الصحراء الغربية (..) ويعكس تناسق سياسات المحتلين وتواطؤهما المشترك في خرق القوانين الدولية والدوس على الحق المشروع للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وللشعب الصحراوي في تقرير مصيره كاملا غير مبتور". وذهبت جبهة البوليساريو في نفس الاتجاه (19 يوليو) واعتبرت أن القرار الإسرائيلي "لا قيمة قانونية ولا سياسية له"، واستنكرت "أجندات تخريبية مشتركة، أمنية وعسكرية، تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار منطقة شمال إفريقيا والساحل عموما".
الاعتراف الإسرائيلي يأتي أيضا في سياق صراع محموم بين المغرب والجزائر على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية تشكل قضية الصحراء وقوده الأساسي. كما تعتبر القارة الإفريقية مجالا لتنافس دبلوماسي محموم على جميع المستويات، لأن الاتحاد الإفريقي هو المنظمة الإقليمية الوحيدة التي تعترف بـ"الجمهورية الصحراوية" ويبدو أن هناك مساعي مغربية للدفع بتعليق عضويتها في هذه المنظمة. ففي دراسة مثيرة أثارت حينها جدلا واسعا سردت إيزابيله فيرينفيلس من مؤسسة "العلوم والسياسة" في برلين (أكتوبر 2020)، أن التنافس بين المغرب والجزائر في إفريقيا يوجد في أشده. الدراسة أكدت بالبيانات والأرقام أن المغرب سبق بأشواط الجزائر في التوجه إلى إفريقيا. وأوضحت فيرينفيلس أن الاهتمام المغربي بالقارة السمراء بدأ في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، غير أن ابنه محمد السادس "جعل من السياسة الإفريقية أولوية قصوى، دعمها بدبلوماسية الزيارات المكثفة والمشاريع الاستراتيجية (..). إنه نهج لقوة ناعمة تجمع بين مكونات سياسية واقتصادية تنموية ودينية، جعلته يحقق نجاحًا كبيرًا في السنوات الأخيرة". نفوذ الرباط في إفريقيا لا يمكن تصوره دون إقليم الصحراء الغربية الذي يعتبره المغرب امتدادا طبيعيا له وصلة الوصل مع القارة السمراء.
محطات الزخم الدبلوماسي المغربي
عرفت الدبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة نشاطا ملفتا، يمكن إرجاع محطته الأولى إلى يناير 2017، حين قرر المغرب العودة إلى الاتحاد الإفريقي وهو الذي غادره في 1984 بعد القبول بعضوية البوليساريو في "منظمة الوحدة الإفريقية" آنذاك. المغرب قرر بذلك التخلي عن سياسة الكرسي الفارغ والعمل على تحجيم دور البوليساريو وحليفتها الجزائرية في التنظيم الإفريقي. هذه العودة وإن لم تمكن الرباط بعد من إقصاء جبهة البوليساريو، إلا أنها مكنتها من جعل الصحراء الغربية ملفا من اختصاص الأمم المتحدة بشكل حصري، ولم يعد بالتالي الاتحاد الإفريقي يبث، كما في الماضي، في هذه القضية.
المحطة الثانية كانت في نوفمبر 2020 حين أقدم الجيش المغربي على طرد مجموعة من نشطاء جبهة البوليساريو، بعدما قطعوا الطريق في معبر الكركرات، الممر البري الوحيد الذي يربط المغرب بموريتانيا وإفريقيا جنوب الصحراء. ويتعلق الأمر بمنطقة عازلة منزوعة السلاح يعبرها المدنيون وتمر عبرها البضائع والسلع. تدخل الجيش المغربي جاء بعد ثلاثة أسابيع من قطع طريق تعتبره جبهة البوليساريو، "ثغرة" غير شرعية تنتهك اتفاقا لوقف إطلاق النار أُبرم بين الطرفين عام 1991 بإشراف الأمم المتحدة. سيطرة الرباط على هذا المعبر شكلت تحولا استراتيجيا في الصراع ومنع نشطاء البوليساريو نهائيا من لوصول للمحيط الأطلسي.
أما المحطة الثالثة، فجاءت في الأيام الأخيرة من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب (ديسمبر 2020) حين اعترفت فيه واشنطن رسميا بسيادة الرباط على الصحراء الغربية ضمن اتفاق يشمل إسرائيل ضمن اتفاقات أبراهام، وبالتالي فإن الاعتراف الإسرائيلي اليوم هو تتويج وامتداد لمسار أشمل.
منتدى النقب والاعتراف الإسرائيلي
صحيفة "دير شتاندارد" كتبت أيضا أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "تضرر بشدة من حقيقة أن المغرب أرجأ مرارا ما يسمىبقمة النقب، وهو منتدى أُحدث كآلية للتنسيق من قبل الحكومة الإسرائيلية السابقة (حكومة لابيد). المنتدى يضم الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب ومصر، أعضاء حضروا أول لقاء في مارس 2022 (على الرغم من غياب الأردن، الذي أبرم أيضًا معاهدة سلام مع إسرائيل). وكان من المفترض أن ينظم المغرب القمة المقبلة، لكنه أرجأها أولاً إلى مارس ثم إلى يونيو ثم إلى أجل غير مسمى. الآن أصبح كل شيء ممكنا من جديد" تقول الصحيفة النمساوية. غير أن من يراقب زخم العلاقات بين البلدين في المجالات الاقتصادية والسياحية والثقافية والأمنية، فإن الاعتراف الإسرائيلي، يبدو وكأنه إجراء شكلي أكثر من أي شيء آخر.
المثير أيضا هو درجة التعاون الأمني والعسكري بين الجانبين، حيث عززت الرباط ترسانتها العسكرية بأنظمة دفاعية ومتطورة، بل وهناك مشاريع لفتح مصانع إسرائيلية في المغرب لصناعة طائرات مسيرة إضافة إلى التعاون في المجال السيبراني. وآخر تطور في هذا السياق كان إعلان الجيش الإسرائيلي (17 يوليو) عن تعيين أول ملحق عسكري له في المغرب. واختار رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الليفتنانت جنرال هرتسي هاليفي الكولونيل شارون ايتاخ، وهو من أصول مغربية، من قيادة الجبهة الداخلية، لمنصب الملحق العسكري في المغرب من بين سلسلة من التعيينات في المناصب الرفيعة في الجيش، بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل". وهذا التعيين يأتي تتويجا لتطور العلاقات بين البلدين خلال العامين الماضيين، والتي شملت زيارة لكبار القادة العسكريين الإسرائيليين وإجراء عدد من التدريبات المشتركة أخرها كان "الأسد الأفريقي" بمشاركة ضباط من وحدة النخبة "جولاني" في المغرب.
القصر الملكي يدعو نتنياهو لزيارة المغرب
في تطور ملفت أعلنت الرباط يوم (الأربعاء 19 يوليو) دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لزيارة المملكة. وهي خطوة جاءت مباشرة بعد قرار إسرائيل الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. وفي بيان للديوان الملكي المغربي جاء أن بيان الملك محمد السادس بعث برسالة شكر لنتنياهو تضمنت الدعوة بالزيارة: "إنّي أرحّب بكم للقيام بزيارة إلى المغرب في موعد يحدَّد عبر القنوات الدبلوماسية، بما يناسبنا معاً". واعتبرت الرسالة الملكية أيضا أن "القضية الوطنية للمملكة تتصدّر أولويات سياستها الخارجية" وأنّ القرار الإسرائيلي "ينسجم مع الدينامية الدولية القوية التي اعتمدتها دول عديدة من مختلف جهات العالم في اتّجاه دعم حلّ سياسي نهائي لهذا النزاع الإقليمي الذي طال أمده".
من جهتها، أكدت رئاسة الوزراء الإسرائيلية في بيان أن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي ووزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة "قررا تحديد موعد مشترك في المستقبل القريب" للزيارة المرتقبة لنتنياهو إلى المملكة. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "يوديشه ألغماينه" التي تعني بشؤون اليهود في ألمانيا (20 يوليو) تقريرا إخباريا مفصلا عنوانه البارز "الملك محمد السادس يوجه دعوة لنتنياهو"، التقرير تطرق لتطورات العلاقات بين البلدين منذ التوقيع على اتفاقية أبراهام، كما قدم لمحة موجزة عن تاريخ الصراع حول الصحراء الغربية وكذلك آفاق التعاون بين إسرائيل والمغرب ودور الإسرائيليين من أصول مغربية في دينامية العلاقات بين البلدين.
ح.ز