استقالة الإبراهيمي ـ الدبلوماسي المحنك يستسلم أخيرا
١٣ مايو ٢٠١٤حرص الأخضر الإبراهيمي، منذ تعيينه خلفا للأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان في أيلول/ سبتمبر 2012 موفدا أمميا ـ عربيا مكلفا بالتوسط لإيجاد حل للأزمة السورية، على أن يحيط نفسه بهالة الدبلوماسي الذي لا يستسلم. بيد أن رجل المهمات الصعبة، اضطر إلى رفع الراية البيضاء أخيرا بعد أشهر من "العناد والمكابرة" كما يقول منتقدوه.
كان الإبراهيمي يوحي لمنتقديه ومحبيه على السواء بأن لديه اعتقادا راسخا مفاده أنه "لا يوجد وضع ميؤوس منه". لكن هذا الاعتقاد الراسخ لم يصمد أمام تعقيدات الأزمة السورية والمواقف المتناقضة تماما للأطراف المعنية والمصالح الدولية المتشعبة. كل هذه العناصر حالت دون أن يجد الدبلوماسي الصبور طاقة يمكن أن ينفذ منها إلى تسوية للنزاع السوري خلال سنتين من السعي.
حزم وبراغماتية، لكن دون نجاح!
تسلح الإبراهيمي بالحزم والبراغماتية أحيانا، والصبر والسخرية أحيانا أخرى في مقاربته للأزمة السورية، وخصوصا في الزيارات التي قام بها إلى سوريا، وفي لقاءاته مع مختلف الأطراف. كذلك في المفاوضات التي أشرف عليها في جنيف بين الحكومة والمعارضة السوريتين. لكن كل هذه الأسلحة لم تؤد إلى نتيجة ولم يتمكن الدبلوماسي الثمانيني من إحراز تقدم يذكر.
وإن كان قد أعلن في ختام الجولة الثانية من مفاوضات جنيف في شباط/ فبراير الماضي إن جمع
الطرفين إلى طاولة واحدة هو بحد ذاته إنجاز، وأنه لا يشعر "بخيبة أمل"، بيد أن صديقا له يروي أن الإبراهيمي أدرك أخيرا أن المخارج الممكنة أغلقت الواحدة تلو الأخرى، خصوصا بعد إعلان النظام السوري تنظيم انتخابات رئاسية في الثالث من حزيران/ يونيو المقبل، متجاهلا تماما مطالبة المعارضة السورية بتنحيه، وبتشكيل هيئة حكم انتقالية، استنادا إلى جنيف واحد وقرار مجلس الأمن الدولي 2118.
إصرار دمشق على إجراء الانتخابات الرئاسية بدا بمثابة إعلان نهاية المفاوضات التي أدرج تشكيل هيئة الحكم الانتقالية في إطار أهدافها الأساسية. يومها حذر الإبراهيمي من "تفاقم" الأزمة في حال إجراء الانتخابات، ما استدعى ردا عليه من وزير الإعلام السوري عمران الزعبي الذي اتهمه بـ "تجاوز مهمته وعدم احترامها"، قائلا "لا يحق له أو لأي أحد التدخل في شؤون الشعب السوري الداخلية".
الإبراهيمي يستسلم بعد زيارة إيران والأزمة الأوكرانية
على الرغم من ذلك، لم ييأس الإبراهيمي بل قام بمحاولة جديدة في آذار/ مارس الماضي عبر زيارته إيران، حليف دمشق الرئيسي وداعمها الأقوى، لكنه عاد بخفي حنين من هناك.
ضربة أخرى تعرض لها الوسيط ألأممي والعربي إلى سوريا، وهذه المرة جاءت من منطقة بعيدة، إنها أوكرانيا. فالأزمة الأوكرانية أظهرت للدبلوماسي الجزائري المخضرم أنه لم يعد في إمكانه الاعتماد على توافق روسي أميركي يسانده في مهمته بعد أن ذهبت كل محاولات التقارب على هذا الصعيد أدراج الرياح.
وعرف الإبراهيمي بليونته الدبلوماسية، وبحنكته وخطابه الهادئ وابتعاده عن الاستفزاز، لكن مع صلابة في الموقف وصراحة كبيرة. ويقول عنه فريد ايكهارت، المتحدث السابق باسم الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، إنه "يتمتع بنزاهة وصراحة متميزتين بالنسبة إلى دبلوماسي"، مضيفا "أعتقد أن هذا يجعله موضع ثقة على الفور".
ويقول عميد كلية العلاقات الدولية في جامعة باريس للعلوم السياسية الوزير اللبناني السابق غسان سلامة الذي يعرفه عن قرب إن الإبراهيمي يتمتع أيضا "بصبر لا محدود بالنسبة إلى رجل بلغ الثمانين"، مضيفا "يبحث باستمرار عن نقاط الضعف عند المتنازعين ويسعى من دون هوادة وراء هدفه النهائي على الرغم من كل التعقيدات".
وسبق للإبراهيمي أن شغل منصب موفد الأمم المتحدة إلى أفغانستان والى العراق. كما عرف كوسيط للمرة الأولى خلال المفاوضات بين الأطراف اللبنانيين في مدينة الطائف السعودية عام 1989 التي انتهت باتفاق وضع حدا لحرب أهلية استمرت 15 عاما.
أ.ح/ ي.ب (ا ف ب، رويترز)