اتفاقية أممية لحماية أعالي البحار.. هل تغير من واقع كوكبنا؟
٢٠ يونيو ٢٠٢٣تبنت الأمم المتحدة اتفاقية تاريخية "حاسمة" لحماية مساحات شاسعة من النظم البيئية الحيوية للمحيطات في خطوة رحبت بها المجموعات البيئية التي تعتقد أنها ستساعد على عكس فقدان التنوع البيولوجي البحري وتعزيز التنمية المستدامة. وفي هذا السياق قالت ريبيكا هابارد مديرة منظمة "تحالف أعالي البحار" في حوار DW: "معاهدة أعالي البحار جزء لا يتجزأ من القدرة على حماية المحيط". يتكون التحالف من أكثر من 50 منظمة غير حكومية ترغب في تعزيز إدارة المحيطات.
وأضافت هابارد: "لكن من المهم أيضاً التخفيف من الانهيار المناخي وحماية أرواح وسبل عيش المليارات من الناس حول العالم".
ورحّب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بإقرار المعاهدة الاثنين (19 يونيو/ حزيران 2023) التي وصفها بأنها "إنجاز تاريخي"، معتبراً أنها تؤسس لإطار عمل قانوني لتوسيع نطاق حماية البيئة ليشمل المياه الدولية، أي ما يعادل أكثر من 60 في المئة من محيطات العالم. وتابع غوتيريش: "المحيط هو شريان الحياة لكوكبنا واليوم نجحتم في بث حياة جديدة وأمل في منح المحيط فرصة".
بعد محادثات استمرت أكثر من 15 عاماً وشملت مفاوضات رسمية على مدى أربع سنوات، اتفقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أخيراً على نص المعاهدة في آذار/ مارس الماضي في أعقاب محادثات ماراثونية. ومنذ ذلك الحين خضع النص لتدقيق معمّق من محامين ومترجمين في الأمم المتحدة لضمان تطابقه في لغات الهيئة الست الرسمية.
وقالت ريبيكا هابارد إن "على البلدان الآن أن تصادق على (المعاهدة) بأسرع ما يمكن لدخولها حيز التنفيذ كي نتمكن من حماية محيطنا، وبناء قدرتنا على التكيّف مع التغيّر المناخي وحماية حياتنا وسبل عيش المليارات من الناس".
ولفتت مجموعة من العلماء في مجلة "ذي لانسيت" العلمية إلى أن "المحيطات الصحية، من مياه السواحل وصولاً إلى أعالي البحار وأعماق البحار، أساسية من أجل صحة البشر ورفاههم وبقائهم".
تحديات التغير المناخي
أدرك العلماء بشكل متزايد أهمية المحيطات التي تنتج معظم الأكسجين في العالم وتحد من التغير المناخي عبر امتصاص ثاني أكسيد الكربون وتضم مناطق غنية بالتنوع البيولوجي على مستوى مجهري في كثير من الأحيان.
لكن في ظل وقوع الجزء الأكبر من محيطات العالم خارج المناطق الاقتصادية الخالصة لكل بلد، ما يعني بالتالي بأنها لا تخضع للولاية القضائية لأي دولة معيّنة، فإن توفير الحماية لما يسمى بـ "أعالي البحار" يتطلب تعاوناً دولياً.
وأدى ذلك إلى تجاهلها في الكثير من الخلافات المتعلّقة بالبيئة إذ كان الضوء يسلّط على المناطق الساحلية وبعض الأنواع التي لها رمزية كبيرة.
وستكون القدرة على إقامة مناطق بحرية محمية في المياه الدولية أداة رئيسية في المعاهدة. وحالياً، تخضع نسبة واحد في المئة تقريباً من أعالي البحار لتدابير حماية.
وتعتبر المعاهدة أساسية للبلدان الساعية لحماية 30 في المئة من محيطات وأراضي العالم بحلول 2030، بحسب ما توصلت إليه حكومات العالم في اتفاق تاريخي منفصل أُبرم في مونتريال في كانون الأول/ ديسمبر.
وفي هذا السياق قال وزير الدولة الفرنسي لشؤون البحار إيرفيه بيرفيل إننا بإقرار المعاهدة "نمنح أنفسنا الوسائل لتحقيق" هدف الـ 30 بالمئة. ودعا إلى تسريع عمليات المصادقة لكي تدخل المعاهدة حيّز التنفيذ بحلول موعد مؤتمر الأمم المتحدة المقبل للمحيطات المقرر أن تستضيفه مدينة نيس الفرنسية في حزيران/ يونيو 2025.
وتعرض المعاهدة التي يطلق عليها رسميا "اتفاقية الأمم المتحدة المعنية بالتنوع البيولوجي البحري في المناطق الواقعة خارج نطاق الولاية الوطنية"، متطلبات لإجراء دراسات عن التأثير البيئي للأنشطة المقترحة في المياه الدولية.
ورغم أنها غير مذكورة في النص، إلا أن هذه الأنشطة قد تشمل الصيد والنقل البحري وصولاً إلى تلك الأكثر إثارة للجدل مثل التعدين في أعماق البحر أو حتى برامج الهندسة الجيولوجية الهادفة لمكافحة الاحترار العالمي.
وتحدد المعاهدة مبادئ لتقاسم منافع "الموارد الجينية البحرية" التي يتم جمعها خلال الأبحاث العلمية في المياه الدولية، وهي نقطة خلافية رئيسية كادت تخرج مفاوضات آذار/ مارس الماضي عن مسارها في اللحظة الأخيرة.
وكافحت الدول النامية التي لا تملك المال اللازم لتمويل هذا النوع من الأبحاث لنيل حقوق تقاسم المنافع، على أمل عدم تخلفها عن الركب في ما يراه كثيرون سوقا مستقبلية ضخمة في الاستغلال التجاري للموارد الجينية البحرية، خصوصا من قبل شركات أدوية ومواد لتجميل تبحث عن "جزيئيات سحرية".
ستكون المعاهدة متاحة للتوقيع عليها في 20 أيلول/ سبتمبر المقبل، عندما سيحضر العشرات من قادة الدول إلى الأمم المتحدة في نيويورك في إطار اجتماعات الجمعية العامة. وبعد إقرار النص، يجب الانتظار لمعرفة عدد البلدان التي ستقرر الانضمام.
روسيا تنسحب
بدورها سارعت روسيا للانسحاب من المعاهدة ما إن تم تبينها، معتبرة أن هناك عناصر في النص "غير مقبولة على الإطلاق". وتتوقع منظمات غير حكومية الوصول إلى عتبة مصادقة 60 دولة اللازمة لتطبيق المعاهدة بما أن التحالف الطموح للاتفاقية الأممية الجديدة الذي ضغط من أجل المعاهدة يضم حوالى 50 دولة بينها بلدان الاتحاد الأوروبي إضافة إلى تشيلي والمكسيك والهند واليابان.
لكن هدف 60 دولة لا يشكل تبنيا عالميا شاملا لها إذ أن الأمم المتحدة تضم 193 دولة عضو وهو العدد الذي يسعى المدافعون عن المحيطات لكسب تأييده. وفي هذا السياق دعا رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة تشابا كوروشي إلى "المضي قدما بهذا الزخم"، وقال "لنواصل العمل من أجل حماية محيطاتنا وكوكبنا وكل المتواجدين عليه".
ع.غ/ و.ب (آ ف ب، DW)