هل ما يزال توسيع الأراضي الساحلية فكرة جيدة ومجدية؟
١١ يونيو ٢٠٢٣أصبح توسيع الأراضي الساحلية مؤخراً ظاهرة عالمية تهدف إلى كسب أراضٍ جديدة من البحار والمحيطات، ولكن ما زال الجدل دائراً حول فعاليتها وديمومتها ومدى صداقتها للبيئة، خصوصاً مع وجود الكثير من المناطق الساحلية المهددة بارتفاع مستوى سطح البحر والعواصف المدمرة. وتُعد تقنية استصلاح الأراضي وتوسيعها والتي تقوم على ضم مناطق المياه الضحلة إلى اليابسة من التقنيات القديمة التي اعتمد عليها الإنسان للسيطرة على الفيضانات وإفساح مساحة إضافية أمام الزراعة والموانئ والصناعة.
توسيع الأراضي بين الماضي والحاضر
تقليدياً، كان يتم ذلك من خلال بناء سلسلة من الحواجز أو الجدران المغلقة حول المستنقعات أو المياه الضحلة الموجودة قبالة الشواطئ وتجفيف مياهها وتصريفها، أو من خلال نقل التربة والحجارة والصخور من البر وإلقائها على طول الشواطئ أو على سواحل الجزر لزيادة مساحة البر فيها. وفي حال كانت الأراضي الساحلية الجديدة موجودة تحت مستوى سطح البحر فكان من الضروري ضخ المياه عبر السدود أو تفريغها بواسطة فتحات المياه وتصريفها في البحر.
أما اليوم فقد تطورت تقنيات توسيع الأراضي عما كانت عليه في السابق، وأصبحت أكثر من مجرد بناء حواجز بسيطة، فالمشاريع الهندسية الرئيسية اليوم تعتمد على بناء كيلومترات من الجدران الخرسانية البحرية المملوءة بكميات كبيرة من الرمل أو التراب أو الطين أو الصخور التي غالبًا ما يتم جلبها من مناطق بعيدة، ويمكن أيضًا ملء موقع الاستصلاح بالتربة المجروفة من قاع البحر القريب والممزوجة بالمياه، وهذه العملية تُعرف باسم الاستصلاح الهيدروليكي.
"ظاهرة عالمية" والصين في المقدمة
مع زيادة الأهمية الاقتصادية للمناطق الساحليةللمناطق وخصوصًا في شرق آسيا والشرق الأوسط وغرب أفريقيا ازدادت المطالبة بالأراضي الجديدة لتكون بمثابة مساحات سكنية فاخرة ومناطق تجارية وصناعية راقية، الأمر الذي جعل منها ظاهرة عالمية بالرغم من صعوبات تنفيذها وتكلفتها المرتفعة، وخصوصاً على مدى العقدين الماضيين، وذلك وفق دراسة نُشرَت في مجلة مستقبل الأرض "إرث فيتشر” بداية العام الحالي.
بيّنت الدراسة التي فحصت صور الأقمار الصناعية للمدن الساحلية التي لا يقل عدد سكانها عن مليون نسمة أن مشاريع توسيع الأراضي الساحلية في 106 مدن حول العالم قد خلقت حوالي 2530 كيلومترًا مربعًا من الأراضي الجديدة، وما يقارب 90 بالمئة من مساحة تلك الأراضي تم إنشاؤها في شرق آسيا لإفساح المجال أمام المرافق الصناعية والموانئ التي تلبي حاجة الاقتصاد المعولم، وتعد الصين أبرز مثال على ذلك، إذ أضافت مدينة شنغهاي وحدها حوالي 350 كيلومترًا مربعًا من الأراضي الجديدة بين عامي 2000 و 2020.
في هذا الصدد قالت يونغ راي تشوي، خبيرة في الإدارة البحرية والساحلية ودراسات شرق آسيا وأحد مؤلفي الدراسة المشاركين: "لقد أصبح النمو الحضري مصدراً كبيراً للربح بالنسبة للصين، ولدول أخرى أيضاً”، وأوضحت لدويتشه فيليه أن المساحات الساحلية غالبًا ما يُنظر لها على أنها خيارات أبسط لاستصلاح الأراضي، مما يمنح المخططين الحضريين الفرصة للبدء من الصفر وتجنب تعقيدات المناطق السكنية وقيود التخطيط بسببها.
أكثر من 70 بالمئة من الأراضي الجديدة معرضة للفيضانات
وترى يونغ راي تشوي، إنه حتى وقت قريب لم تأخذ مشاريع توسيع الأراضي بعين الاعتبار المخاطر المترتبة على ارتفاع مستويات سطح البحار والمرتبطة بتغير المناخ، مما جعل منها قضية خطيرة وملحّة في السنوات الماضية. ومن الملفت حسب تشوي أنه بالرغم من أن المهندسين قد بدأوا بأخذ التوقعات المستقبلية بعين الاعتبار عند التخطيط لمشاريع توسيع جديدة، إلا أن المساحات المُضافة حديثاً على مدار العشرين عامًا الماضية، غير مهيّأة لمواجهة خطر ارتفاع مستوى سطح البحر.
وذكرت الدراسة ذاتها أن معظم مشاريع توسيع الأراضي الساحلية التي أجريت في العقدين الماضيين أقيمت في مناطق منخفضة، وأن حوالي 70 بالمئة منها ستكون عرضة لخطر الفيضاناتلخطر الفيضانات بين عامي 2046 و 2100، ويرجع ذلك جزئيًا إلى عرام العواصف المرتبط بالاحترار العالمي وخطر هبوط الأرض.
تنوّه تشوي إلى أن هذه المخاطر ليست مستقبلية فحسب، بل نشهدها اليوم بشكل كبير، ويُعد مجمع مارين سيتي السكني في بوسان، كوريا الجنوبية كمثال على هذه المخاطر، فالمجمع تعرّض لعدة أعاصير في السنوات العشر الماضية والتي أدت إلى قذف الأمواج فوق الجدران البحرية وغمر بعض الشوارع.
هل يعزز توسيع الأراضي فرص التنمية؟
غير أن فريدريك ليونج، المدير التنفيذي للبيئة والتخطيط في شركة التصميم والهندسة الأسترالية أوريكون يعتقد أن مشاريع توسيع الأراضي الساحلية لا تزال منطقية بالرغم من مخاطرها، وأنها الحل الأمثل للعديد من دول العالم لتلبية احتياجاتها الملحّة بهدف تعزيز التنمية والازدهار، وتحقيق التوازن بين الاقتصاد والبيئة.
وأضاف أنه لمواجهة مخاطر تقنية توسيع الأراضي تنفق الكثير من الدول أموالاً طائلة على التقنيات الحديثة مثل الجدران البحرية وحواجز الأمواج التي تعزز من دفاعات المدن الساحلية ضد الفيضانات والأعاصير ومخاطر ارتفاع مستوى سطح البحر.
ومن جانبها ترى تشوي أن هذه الأساليب الدفاعية مفيدة في بعض المناطق فقط، ولكنها لا تستحق العناء، وتشير إلى أن توسيع الأراضي ممارسة هندسية مكلفة اقتصاديًا واجتماعيًا ومضرّة بالنظم الإيكولوجية البحرية، بالإضافة إلى أنها غير مجدية على حدّ تعبيرها، معللة ذلك بقولها "توسيع الأراضي يكلف المليارات ويعطّل المجتمعات المحلية ويضر بالبيئة وقد لا تصمد الأراضي الجديدة لأكثر من عدة عقود وستحتاج إلى مبالغ طائلة للحفاظ عليها".
التحديات مقابل الحلول الصديقة للبيئة
وأوضحت تشوي أن العديد من مشاريع الاستصلاح الضخمة التي تُقام في آسيا والشرق الأوسط يتم إطلاقها على أنها مشاريع صديقة للبيئة. كما أنها تتداخل مع نموذج الاستدامة الناشئ في مدن مثل تيانجين وتانغشان بالقرب من بكين. ومن ميزاتها على سبيل المثال احتوائها على أراضٍ رطبة مُعاد تأهيلها، وشعاب مرجانية اصطناعية وبنى تحتية موفرة للطاقة، ولكن إذا نظرنا إلى المشروع ككل فإن هذه الميزات قد تتلاشى مع مرور الوقت بسبب التأثيرات البيئية المدمرة لمشاريع كهذه على حدّ تعبيرها، وبهذا الصدد استشهدت بنتائج الدراسة التي نُشرت في مجلة مستقبل الأرض والتي بيّنت أن مشاريع التنمية القائمة على توسيع الأراضي دمرت مناطق ساحلية مثل المستنقعات وغابات المانغروف، كما أن أكثر من نصف مسطحات المد والجزر في البحر الأصفر فُقدَت بسبب هذه التقنية في التوسع والتنمية.
أضرار استخدام الرمال للتوسع
تُعد الرمال وسيلة شائعة ومستخدمة بكثرة في توسيع الأراضي الساحلية، ولكنها من الوسائل المضرة بالبيئة وفق ليونج، فاستخراج الرمال من البحار والأنهار لزيادة مساحة البر قد يؤدي إلى تدمير الموائل ومناطق تكاثر الكائنات الحية، الأمر الذي يؤثر بدوره على الشبكات الغذائية، وعوضاً عن ذلك اقترح استخدام الرمال والصخور التي تخلفها مشاريع البناء المحلية، أو استخدام الخرسانة المستصلحة والأسفلت والطوب والأنقاض.
بدورها أكدت تشوي أن نقص الرمال المتوفرة أجبر بعض الدول على استخراج الرمال والطين من قاع المحيط، الأمر الذي أدى إلى تدمير أنظمة بيئية في قاع البحار، وبهذا الخصوص ذكرت الدراسة أن بعض دول العالم مثل كمبوديا وإندونيسيا وماليزيا وفيتنام حظرت استخراج الرمال والطين من قاع المحيط للحفاظ على النظام الإيكولوجي البحري.
مارتن كوبلر/ ترجمة: ميريه الجراح