ألمان ولاجئون في الكرنفال .. مرح وبهجة بدلا من الخوف
٥ فبراير ٢٠١٦بين عشرات آلاف المتنكرين بأزياء طريفة متنوعة، وأصوات الموسيقى والرقص في كل مكان، يتمشى شاب من أصول عربية في الكرنفال، عند محطة القطار الرئيسية بمدينة كولونيا بغرب ألمانيا. على رأس الشاب مظلة صغيرة غير مألوفة تقيه من مطر الشتاء، وهي أيضاً نوع من المشاركة الطريفة في الأجواء الاحتفالية البهيجة. المظلة المثبتة على رأسه تلفت انتباه فتاة ألمانية، فتقترب منه مبتسمة وتقول إنها معجبة بالمظلة ومستعدة لشرائها. لكن الشاب يعتذر عن عدم بيعه المظلة، فتبتسم له وتقول "لا مشكلة. هذه المظلة رائعة ومناسبة لأجواء الكرنفال". ويدور بينهما نقاش تعارفي قصير ثم يودع كل منهما الآخر.
في الكرنفال ينسى كثير من الألمان، رجالاً ونساءً، حياتهم اليومية ويذهبون إلى الشوارع متنكرين بأقنعة للوجه أو بملابس مثل لباس سوبرمان أو الرجل الوطواط أو على شكل قطة أو دُب، أو بلباس شرطي أو ممرضة أو أي لباس آخر ملفت للنظر. الكثير منهم يحب الاحتفال بالرقص والغناء والموسيقى وشرب الكحوليات والتعرف على أشخاص جدد للاستمتاع بالأجواء معًا لفترة مؤقتة. والبعض منهم يرغب بأكثر من ذلك: كالمغازلة والتقبيل وربما أحياناً الجنس لليلة واحدة بعيداً عن الأماكن العامة وفي فترة الكرنفال فقط. لكن هذا الأخير يتطلب انجذاب الطرفين بعضهما إلى بعض وقبول كل منهما بما يريده الآخر، وأن يكون هناك حماية لعدم انتقال الأمراض الجنسية.
ولكن كيف يشعر اللاجئون والألمان بعد تحرشات رأس السنة الميلادية 2016؟ هل لدى بعضهم خوف من بعض؟ وما هي فرص أن يدخل لاجئ في علاقة عاطفية مع فتاة ألمانية في الكرنفال؟ DWعربية رصدت أجواء الكرنفال في أول أيامه في كولونيا، وسألت لاجئين وألمانيات عن ذلك. علما بأن آخر أيام الكرنفال هو الإثنين (الثامن من فبراير/ شباط 2016).
"إذا أعجبني فسأقع في غرامه بغض النظر عن بلده"
"كيت" فتاة ألمانية، عمرها 21 عاماً وتدرُس في مدينة كريفيلد. أما ما يعجبها في الكرنفال فهو وجود الكثير من الناس في الشوارع بثقافاتهم المختلفة وبأزيائهم الغريبة والموسيقى والرقص والغناء. وترى كيت أن الكرنفال هو الفصل الخامس من فصول السنة، وفيه يتغازل الرجال والنساء أيضاً. وهي تتفهم أن بعض اللاجئين ربما يريدون أيضاً خوض مثل هذه التجربة، لكنها ترى أنهم ربما قد يُقابَلون بالرفض بشكل لطيف في البداية، ولكن حين يتعرفون أكثر على الثقافة واللغة الألمانية فقد تصبح فرصهم أكبر، كما تقول كيت لـ DWعربية.
أما الألمانية لينا (عمرها 33 عاماً) فجاءت للاحتفال من منطقة قريبة من فرانكفورت. تعمل مربية في روضة أطفال ولديها العديد من الأطفال اللاجئين. وترى لينا أن الأجواء هذا العام 2016 مثل كل عام، جميلة ورائعة ولا تأثير لأحداث ليلة رأس السنة، التي اُتهم فيها شباب من شمال إفريقيا بالتحرش بألمانيات، وتقول لـ DWعربية: "لا أحد يهتم بما يقوله الإعلام، الاحتفال يتم بغض النظر عن الجنسيات والخلفيات الثقافية". وتوضح لينا أنه إذا اقترب منها شاب لاجئ فإنها ستتعامل معه مثل أي شخص آخر، وستتحدث معه بلطف، ولن تقوم بدايةً باستبعاد احتمال الارتباط به عاطفياً لمجرد أنه لاجئ. وتضيف لينا: "بالنسبة لي لا يوجد أَسْوَد وأبيض وأصفر وأحمر، بل يوجد بَشَر فقط."
DW عربية سألت لينا عما إذا تقدم إليها شاب من شمال إفريقيا وأظهر لها الرغبة في الارتباط بها عاطفياً فكيف سيكون رد فعلها؟ فأكدت المربية الألمانية أنها حالياً غير مرتبطة عاطفياً وأنها تبحث عن الشاب المناسب، وأضافت لـ DWعربية "إذا أعجبني أحد الشباب وإذا كان لطيفاً وجذاباً في عيني فأتوقع أن أقع في غرامه، بغض النظر عن بلده الأصلي."
"الصداقات مهمة والارتباط العاطفي صعب"
تميم وجلال وَوجيه وحيّان، أربعة لاجئين سوريين في العشرينيات من العمر، من مدينة السويداء. تعرفت عليهم DWعربية أثناء الكرنفال في كولونيا. وهو شيء جديد بالنسبة لهم ولم يتعودوا عليه من قبل. الأجواء رائعة في أعينهم. ولم يترددوا بتاتاً في الذهاب إلى الكرنفال رغم أخبار حوادث التحرش في رأس السنة. "لا نشعر بالخوف أبداً، لكن ربما تغيّرت نظرة الناس إلينا. لا نتوقع أن السوريين يقومون بحركات كهذه"، يقول حيّان. وبالنيابة عن الشباب الأربعة يبعث حيّان برسالة إلى الألمان مفادها: "لا بد ألا يتم في ألمانيا معاملة أي إنسان إلا بحسب ما قام به هذا الإنسان نفسه، وعدم تعميم أخطاء اقترفتها قلة قليلة من الناس. فقد يقترف المرء سيئة واحدة ولكن تكون خصاله الأخرى جيدة"، ويضيف: "أنا كشاب لا أقول إني لن أصاحب فتاة أو إني لن أدخل في علاقة غرامية، لكن ينبغي ألا يتم اتهام جميع اللاجئين بالتحرش؛ فهم أحوج ما يكونون إلى اللجوء، الذي هو حق من حقوق الإنسان."
لكن ماذا إذا طَلَبَ أحدهم القرب من فتاة وهي رفضت؟ يجيب حيّان لـ DWعربية: "سأعتبر ذلك وكأنها هي طلبت مني وأنا رفضتُ، لا فرق. أنا عندي إحساس ومشاعر وهي كذلك. قد أزعل أنا أو تزعل هي ولكن في النهاية سأقول لها عفواً وأمشي". ورغم ذلك فهو يرى أن غرضه الأساسي من وجوده في الكرنفال هو التعرف على صداقات جديدة. ويعتبر أن الارتباط عاطفياً بفتاة بالنسبة إليه هو أمر ليس بالشيء السهل، بل إنه في غاية الصعوبة، ويعتمد على الحظ. ومن جهته يرى وجيه أن الصداقات العادية مع الألمان أو حتى الارتباط عاطفياً بألمانية من شأنه أن: "يقوي مهاراتي اللغوية ويزيد اندماجي في المجتمع الألماني."
أجواء الكرنفال في كولونيا يبدو أنها لم تتأثر بما تناقلته وسائل الإعلام قبل أكثر من شهر عن بلاغات للشرطة حول وقائع تحرش بالمئات عند كاتدرائية كولونيا الشهيرة، المواجهة لمحطة القطار الرئيسية. وقد رصدت DWعربية لاجئين شاركوا في الكرنفال في أجواء تسامحية، إذ توقف رجال ونساء ألمان أكثر من مرة عند اللاجئين وسلموا عليهم بشكل مرح يتلاءم مع الأجواء الكرنفالية، وقالوا لهم: "استمتعوا بالأجواء، أهلاً بكم، ولا تخافوا مما يقال عنكم."