أكاديميات الأندية الأوروبية في مصر - فرصة أم وهم دعائي؟
٢٥ مارس ٢٠١٧لم يكن الأمر يتعدى الحلم لأطفال الثمانينات وأوائل التسعينات، حلم أن يرتدي أي منهم قميص أندية أوروبا التي يشاهدها عبر شاشات التلفاز تصول وتجول في دوري الأبطال، أندية مثل عملاقي إسبانيا، ريال مدريد وبرشلونة، وكبار إنجلترا، أرسنال وليفربول. لم يتحقق هذا الحلم ولن يتحقق أبدًا بالنسبة لهم ربما، إلا أن الأجيال اللاحقة من مواليد القرن الجديد تبدو أكثر حظاً بعد أن أصبح الحلم بارتداء تلك القمصان والتدريب رسميًا بشعار تلك الأندية ممكنا؛ فقد افتتحت تلك الأندية أكاديميات لها في مصر. لكن في ظل الأزمة الاقتصادية قد يعود المستحيل للعصف بأحلام أطفال كثر، لا يملك أباؤهم القدرة المادية لتحقيق أحلامهم.
بحثاً عن الانضباط وفرصة الاحتراف
من بين أكاديميات أتلتيكو مدريد وبرشلونة وليفربول وأرسنال وباريس سان جيرمان وريال مدريد في مصر، اختارت والدة الطفل يحيى "يايو" الأخيرة لتلحق ابنها بها، فالطفل مغرم بنجم الملكي كريستيانو رونالدو. الآن وفي سنه الصغير يمكنه أن يرتدي نفس الشعار وأن يحلم باللعب يومًا تحت أضواء سانتياغو برنابيو. ويبدو الحلم مشتركًا بين يحيى ووالدته، مي الحوت، التي عبرت لـDW عربية عن رغبتها في رؤية ابنها يلعب بقميص الميرنغي يومًا إذا ما رأى مدربوه أن لديه الموهبة التي تؤهله لذلك.
اختيار والدة يحيى لأكاديمية أوروبية في مصر عوضًا عن الأكاديميات المصرية، والتي تمتلئ بها النوادي ومراكز الشباب، كان له أسباب عدة أوضحتها قائلة: "العقلية والتمارين والنظام الأوروبي هنا أكثر انضباطًا عن الأكاديميات المصرية وهم يؤهلون الطفل للاحتراف، كما أن الأكاديميات المصرية حلمهم دائمًا يكون محليًا. الأكاديميات الأوروبية لديها رؤية وهي طريق أسهل للاعب المصري للاحتراف في الخارج".
عائق مادي يجعل الحلم بعيداً
ظاهرياً، يبدو حلم الطفل المصري في تمثيل عمالقة أوروبا أقرب للتحقيق اليوم من أي وقت مضى، لكن واقعيًا يبقى الالتحاق بتلك الأكاديميات مكلفا، فيتعدى الاشتراك الشهري في بعضها مبلغ الألف جنيه مصري، و"هو ما يعني اقتصار الالتحاق بتلك الأكاديميات على طبقات اجتماعية محدودة تستطيع توفير الإمكانيات المادية لإلحاق أبنائهم بتلك الأكاديميات"، حسب رأي عمرو الصاوي، الصحفي الرياضي بجريدة المصري اليوم، في مقابلة لـDW عربية. فمصر تعاني حالياً من أزمة اقتصادية طاحنة، كما أن متوسط دخل الفرد، حسب التقرير السنوي لمؤشر Numbeo لمتوسط الراتب الشهري في العالم لعام 2017، يصل إلى حوالي 164 دولار، أي قرابة 3000 جنيه مصري.
التكلفة المالية الباهظة يقابلها خدمات تقدمها تلك الأكاديميات للاعبيها، حسبما ما يؤكد محمد دسوقي، مدير التسويق بأكاديمية ريال مدريد، لـDW عربية، موضحًا أنها تعليمية وترفع شعار الكرة للجميع. فأكاديمية ريال مدريد، على سبيل المثال، "تقدم أنظمة وبرامج تدريب أعدها خبراء النادي الإسباني، ولا تلزم الطفل بضرورة توافر مهارات معينة للالتحاق بالأكاديمية".
وتوفر الأكاديميات الأوروبية للاعبيها الموهوبين القدرة على المشاركة في برامج خاصة وخوض مباريات في الدوري، لكن تبقى المشاركة تحت اسم أندية ومراكز شباب أخرى وليست أسماء الأكاديميات الأوروبية والأندية التي تمثلها، ويرجع ذلك حسب قول دسوقي إلى رغبة الأندية الأوروبية في الحفاظ على العلامة التجارية الخاصة بها في حال فشلت إحدى تلك الأكاديميات في تقديم مستوى يليق باسم النادي الذي يرعاها. وتتعاون الأكاديميات مع أندية لا تملك القدرة المالية على إنشاء قطاع ناشئين، ليكن لاعبوها هم ممثلو تلك الأندية في مباريات الدوري والمباريات الودية.
غياب ألماني وإيطالي
ويضيف دسوقي أن الأكاديمية توفر للأطفال جلسات علم نفس رياضي وأنظمة غذائية واختبارات لياقة وجلسات مراجعة للمباريات والتمارين بالفيديو، كذلك معسكرات منها معسكر أقيم العام الماضي في فالديباباس، معقل تدريبات الفريق الملكي، "نوفر لهم بيئة كرة قدم احترافية وبيئة تعليمية عالية المستوى تمكن كل منهم من تحقيق أهدافه"، في المقابل تقدم أكاديمية باريس سان جيرمان فرصة للاعبيها للمشاركة في كأس النادي الدولية التي تقام بين أكاديمياتها حول العالم سنويًا، وتشارك أكاديمية أتلتيكو مدريد في دوري الناشئين في مصر وبطولات ناشئين في إسبانيا كما توضح على صفحتها الرسمية.
ويطرح التواجد المكثف لأكاديميات كبار الأندية الإسبانية والإنجليزية والفرنسية في مصر علامات استفهام حول الغياب الألماني عن الساحة، وهو ما أجاب عليه مدير تسويق أكاديمية ريال مدريد قائلًا: "هذا يرجع لأمرين، أولهما قابلية النادي أن يعطيك اسمه أو أن يكون لديه هذا المشروع، وهو الأمر المتوفر جدًا في إسبانيا، أما الأمر الثاني فيرجع لحب المصريين للطريقة الإسبانية في كرة القدم تحديدًا، خاصة مع علو كعب الكرة الإسبانية في السنوات الأخيرة سواء على مستوى الأندية أو المنتخبات، لذا ستجد الأغلبية من إسبانيا مع وجود بعض الأندية الإنجليزية لكن لا وجود للألمان نهائيًا كما أن هناك أيضًا غياب تام للأندية الإيطالية".
بحث عن موهبة أم بحث عن الربح؟
قد يكون التواجد الإنجليزي أقل من الإسباني على صعيد عدد الأكاديميات إلا أن المدير الفني لأكاديمية ليفربول ديف رايدر يرى أن الأكاديمية سيكون لها انعكاسًا إيجابيًا على كرة القدم المصرية، كما صرح للموقع الرسمي للفريق الإنجليزي، ويعزز رأيه التحاق بعض خريجي تلك الأكاديميات بناشئي أندية مصرية كبرى كالأهلي والزمالك. أما عمرو الصاوي، الصحفي الرياضي بالمصري اليوم، فهو لا يرى أن هناك تأثيرا حقيقيا لتلك الأكاديميات الأوروبية على الكرة المصرية، ويوضح: "لم أسمع عن أي لاعب لامع خرج من تلك الأكاديميات، فهي ليست كدوري بيبسي للمدارس مثلًا الذي أخرج لنا أمثال محمد صلاح ومحمد النني وأحمد الشناوي وغيرهم، كما أن تلك الأكاديميات لا تهتم بالموهبة لكن بالقدرة المادية لأهل الطفل فقط".
واعتبر الصاوي فكرة تدريب اللاعب في تلك الأكاديميات ثم الانتقال إلى الأندية المصرية مع بلوغ سن 14 أو 16 سنة غير مجدية في أساسها، "فهو يتدرب بنظام أوروبي ثم يلتحق بنادي مصري يطبق نظاما مختلفا تمامًا وقد لا يمكنه مواكبة ذلك الاختلاف". وينتقد الصحفي الرياضي تلك الأكاديميات، فهو يرى أن "هدفها دعائي بحت وتبحث فقط عن الربح المادي".
أحمد حمدي - مصر